مقالات

الجمهورية كعنوان عريض لمشروع المستقبل والقطع مع الماضي

27/09/2020, 13:41:08

ثورتا سبتمبر وأكتوبر أنجزتا هدفهما الرئيسي بقيامهما: الأولى أسقطت الطابع الطائفي عن سلطة الدولة وأقامت الجمهورية بدل الإمامة. والثانية أنجزت الاستقلال وتوحيد جنوب اليمن وإلغاء السلطنات.

ولاحقاً كان الإنجاز الأكبر للثورتين هو تحقيق وحدة الوطن اليمني في الثاني والعشرين من مايو 1990، وهو ثورة ثالثة مثلت تتويجاً للثورتين ولكفاح اليمنيين وحركتهم الوطنية في التاريخ المعاصر.

هاذان الهدفان الأساسيان، وتاجهما الوحدة، أنجزا ابتداء بقيام جمهوريتي الشطرين، ولاحقا الجمهورية اليمنية. بقية الأهداف مهمة نضالية لجيل الثورة، تنجح أو تخفق، لكن نجاحاتها وإخفاقاتها تمت في المجرى الأساسي الذي رسمت إطاره ثورتا سبتمبر وأكتوبر.

ليكن، هناك انكسارات وإخفاقات وصراعات، لكن في نفس المجرى وليس بالتجديف عكسه. انقلاب 5 نوفمبر جاء بقوى تقليدية، تبعه نكسة صعود الغشمي وصالح والقوى القبلية العسكرية، لكن المجرى الجمهوري بقي إطارا لصعود وهبوط وإخفاق وإنجاز وصراع واستقرار، كلها في نفس المسار. حتى محاولة التوريث الجمهوري الذي شكل ذروة انحراف السلطة المستبدة واشتغالها على إفراغ الجمهورية من محتواها، لم يجرؤ على تغيير الإطار واستبداله بمشروعية احتكارية تأسيسية جديدة، ولم يغير اتجاه المجرى، وبقي محاصراً بسؤال المشروعية، وأخفق بسببها، فلا توريث في ظل الجمهورية، وهذه التوجهات الرعناء التي بدأت مع حافظ الأسد وتوريثه الجمهورية لولده كانت اللُغم الذي نسف النظام الرسمي العربي كله في 2011. هذا الحلم بتوريث الجمهورية كان بوابة لمعارضة وثورة قامت ضد تأبيد علي صالح لنفسه في كرسي الرئاسة ومحاولته توريث الجمهورية لولده بعد أن أنجز بنية عصبوية من أسرته وقبيلته تسيطر على مفاصل الدولة، غير أن هذه المعارضة وهذه الثورة ضد هذا الانحراف كانتا من تحت السقف نفسه، واستناداً إلى مشروعيته التأسيسية: الجمهورية والوحدة والديمقراطية والتعددية السياسية والمرجعية الشعبية للسلطة. وهذه الأخيرة تعطلت بفعل الاحتيال عليها لا بفعل مشروعية جديدة من خارجها تحل محلها.


في الجنوب وصلت الصراعات إلى حدود الدم القصوى، لكنها بقيت ضمن الإطار الذي يجمع المنتصر والمهزوم تحت سقف مشروعيته التي يتقاتلون للاستئثار بها.
انقلب صالح على شركاء الوحدة، واستمر من صبيحة انفراده بالسلطة وحتى إجبار الشعب له في ثورة 2011 بالتوقيع على اتفاقية نقل السلطة، يحاول أن يتحايل على الإطار السياسي لدولة الوحدة ومشروعيتها. ورغم كل ما أقدم عليه من تعديلات دستورية واندفاعه في إعادة تفصيل دولة الوحدة على مقاسه إلا أنه لم يجرؤ على خلع الإطار التاريخي والبحث عن مشروعية جديدة خارجه. احتال على دستور الوحدة والمضمون الديمقراطي التعددي الذي جاءت به، لكنه سقط قبل أن يتحقق حلمه بتوريث الجمهورية لسبب بسيط: أنه كان يجدف ضد الإطار التاريخي للمشروعية الوطنية الذي استولى عليه مرةً بالقوة ومرات أخرى بتزوير الانتخابات، ولم يكن ليجرؤ على الخروج من هذا الاطار للمشروعية التاريخية للدولة اليمنية، لأن فيه نهايته، ولأن تأبيده لنفسه في كرسي الرئاسة ومحاولته توريثه لولده مرهون بالاحتيال على هذه المشروعية التاريخية التأسيسية للدولة اليمنية وليس استبدالها بإطار آخر ومشروعية تأسيسية بديلة.

الجمهورية هي إطار توضحت معالمه في البداية، لكن ذلك لا يعني أنه مكتمل. نجاحه في لحظة التأسيس يكمن في القطع مع ما سبقه، وإخفاقه لاحقا يكمن في فشل النخب السياسية التي تولت إدارة الدولة في إنجاز بقية أهدافها، وبنائها وفق الأسس الحديثة للدولة وملأ محتواها بأهداف الفكرة الجمهورية.


الفكرة الجمهورية هي مشروع للمستقبل بقدر ما هي إنجاز الماضي.


الإطار الأولي الذي يستحيل الحديث عن أي صيغ بدونه هو الجمهورية والدولة الوطنية المستندة إلى إرادة اليمنيين كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.


إطار الجمهورية السيادي هو دولة الجمهورية اليمنية وشخصيتها الدولية كدولة عضو في الأمم المتحدة. والدولة هي دولتها على كامل التراب الوطني. ومشروعيتها هي مشروعية تراكمية تتمثل في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، وصولاً إلى اليوم الوطني لليمن، يوم تحقيق وحدتها في الثاني والعشرين من مايو 90، وهو المنجز الأكبر في تاريخ اليمن الحديث.


بدون الجمهورية اليمنية لا مجال للحديث عن أي صيغ أو أفكار جديدة لبناء اليمن، وهي صيغ متاحة في حالة وجود الدولة اليمنية.


هذه المشروعية للكيان الوطني اليمن ليست مرتبطة بالضرورة بنخبة سياسية خائبة باعتها كعنوان لتحالف استباح اليمن باسمها ويهدد السيادة الوطنية والوحدة اليمنية واستقلال اليمن وجزرها وموانئها وكيانها الوطني وكل مافيها باسم الشرعية!.


الجمهورية كمشروع تحرري وطني يقف على النقيض من الاحتلال والوصاية، مثلما هو مشروع نقيض لكل مشروع داخلي يسعى لتأسيس سلطته بناء على سرديات مذهبية أو دينية مناقضة لمفهوم الشعب والوطن والدولة، أكانت بغلاف الولاية أو بمسمى الخلافة.


الجمهورية اليمنية هي مشروع اليمنيين الراهن والمستقبلي في مواجهة كل التحديات التي تواجههم كشعب وبلد.

هي مشروعهم في مواجهة واقع التفتت وقوى الارتداد الماضوية ودويلاتها في الداخل الساعية لإعادة اليمن إلى ما قبل 2011 وما قبل 90، وما قبل 62. وهي مشروعهم في مواجهة تحالف الاحتلال والوصاية السعودي الإماراتي. وهي مشروعهم في مواجهة نخبة سياسية خائنة كان لها دور رئيسي في إسقاط الدولة، ولاحقا استدعائها لتحالف خارجي ليحل محلها ويستغل عنوانها لاستباحة اليمن. وهي مشروعهم في مواجهة فاشية جماعات التطرف الدينية بكافة مسمياتها. وهي مشروعهم كشعب في مواجهة النخب الاستعلائية التي تحتقرهم باسم الحداثة والعلمانية وتصمهم بالتخلف المزمن باعتباره سمة قارة فيهم كشعب.


وهي مشروعهم لرسم ملامح مستقبلية للدولة التي تحقق طموحاتهم وتطلعاتهم في يمن ديمقراطي موحد ومستقر تحكمه دولة مدنية حديثة تتأسس مشروعيتها السيادية على قيم المواطنة والمساواة والكرامة والعدالة والدولة المدنية التي تنزه الدين عن الاستخدام السياسي له، وتؤسس المشروعية السيادية للدولة بناء على المواطنة والمشروعية الشعبية لدولة تؤسس عقدها الاجتماعي إرادة الشعب وتراقب أداءها وتغير إدارتها دوريا بانتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة.


مسار الاحداث في اليمن يمضي باتجاه تدمير كل مقومات الدولة اليمنية على مستوى اليمن كلها وإعاقة فرص عودتها مستقبلا، وباتجاه يعمل بتناسق لانهيار المجتمع اليمني وتفكيك الكيان الوطني لليمن وتقسيمه.


تختلف التفاصيل ويبقى العنوان واحدا للخروج من المتاهة: الجمهورية اليمنية هي الإطار المبدئي الأولي لإنقاذ اليمن من هذا الشتات الكبير وهذه الاستباحة الداخلية والخارجية العابرة للحدود والمتعددة الجنسيات.


وكل مشروع مستقبلي لليمنيين على اختلاف توجهاتهم مرهون بسلامة هذا الكيان الوطني الذي يمثل شخصيتهم الوطنية أمام العالم.


الدولة اليمنية هي دولة الجمهورية اليمنية وبقاء الكيان الوطني لليمن ووحدته واستقلاله هو مقياس كل توجه وطني.

عودة الدولة كإطار وطني جامع لكل اليمنيين، وبقاء الكيان الوطني اليمني موحدا ومستقلاً وتجنب انهياره وتقسيمه واحتلاله والوصاية عليه، هذه خطوة أولى لا مجال للحديث عن أي رؤى لاحقة بدون إنجازها.

المشروعية المتراكمة للدولة اليمنية منذ ثورة سبتمبر ٦٢ مرورا بثورة ١٤ اكتوبر وصولا إلى الوحدة اليمنية في ٢٢ مايو، هذه هي أساس مشروعية الدولة اليمنية دولة الجمهورية اليمنية التي ثار الناس لإصلاحها في ٢٠١١ وتحريرها من المستبد المؤبد والتوريث وإرادة العائلة والقبيلة، ولاحقا ما أقره مؤتمر الحوار من محددات جديدة لإصلاحها من أجل تحقيق الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة وكسر الهيمنة عليها من أي نوع غير الإرادة الشعبية لكل مواطنيها.

هذا الأساس يبنى عليه وليس غاية الأماني، ومن دون وجوده فلا إمكانية لا لتطبيق توافقات وطنية أو رؤى مستقبلية تمثل برنامجا مستقبليا.

سقطت الدولة فوجد المتحاورون الانتقاليون أنفسهم معلقين بالهواء هم ووثيقتهم الحوارية. وبالمثل ستعلق كل صيغ التوافق والاتفاق القادمة نفسها في الفراغ طالما بقي الاحتلال السعودي الإماراتي وصياً على اليمن، وطالما بقيت الدويلات، ولم توجد الدولة الموحدة والواحدة التي يتفق الجميع على أن تكون مرجعيتهم وإطارهم الوطني الناظم لحواراتهم والضامن لاتفاقاتهم.
لدينا خيط واحد يؤدي إلى استعادة المسار التراكمي للجمهورية اليمنية والمواصلة من نقطته لاستكمال المرحلة الانتقالية ولاستئناف العملية التاريخية لبناء الدولة، وهي عملية طويلة المدى وتاريخية.
الدولة هي دولة الجمهورية اليمنية على كافة التراب الوطني، ومهام المرحلة الانتقالية المطلوب استكمالها معروفة وواضحة.
والبقية عملية نضالية تراكمية الخطوة الأولى فيها هي محاولة تطبيق النظام اللامركزي في طل دولة قوية ومستقلة وقادرة على فرض سلطتها على كل شبر في خارطة الجمهورية اليمنية.
دولة الجمهورية اليمنية بمشروعيتها التاريخية ومضمونها الديمقراطي التعددي، وبقاء الكيان الوطني لليمن موحدا، ومنع تفكيكه وتقسيمه واستلاب إرادته وقراره السيادي.

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.