مقالات

العودة إلى عصا الفقيه السحرية!!

23/07/2025, 06:33:09

كان الزمن الماضي جميلًا بكل تجلياته ومتاعبه...

لا ندري لماذا هذا الحنين إلى الماضي وهو يجتاح النفوس الإنسانية في كل أحوال البؤس أو الرخاء. أطلقوا عليه توصيفًا يسمى بالنوستالجيا، فأصبح هذا لازمة من لوازم المتحدثين عن الماضي، سواء ماضي الإنسان وطفولته أو ماضي المجتمعات الإنسانية كلها، مهما اختلفت اللغات والأجناس.

في أواخر التسعينات - على ما أذكر - واليمنيون يتنادون بالشكوى على ما وصل إليه التعليم في اليمن من انهيار وغش وفساد إداري وتربوي، قفز الصحفي المخضرم عبدالله سعد إلى منبر مجلس النواب، وأضاف مانشيتًا عريضًا على صدر تلك الصحيفة التي أحياها وهي رميم، داعيًا اليمنيين إلى العودة إلى القاعدة البغدادية، وإلى "أبجد هوز" في التعليم، لانتشال الأجيال القادمة من الأمية والضياع، حيث كان الطالب يتخرج من الثانوية العامة ويدخل الجامعة وهو أمي أو شبه أمي تمامًا.

والمثير للسخرية هو: ماذا عليه الحال اليوم؟ وقد بلغت المشكلة درجة خطيرة على مستوى الأمية الكتابية والأمية الفكرية وسياسة التجريف التي تنتهجها المليشيات في مناهج التعليم، إنها أمية بلا حدود.

إن نظرةً واحدةً إلى الماضي كفيلة بنسف كل شيء. إن لب المشكلة في التعليم هو أولًا: الأمية الكتابية، التي هي الطريق إلى القراءة، التي هي أول مدارج المعرفة الإنسانية بكل اللغات وبكل التقنيات الحديثة، من الأبجدية وحتى الذكاء الصناعي.
وكما يقال: "في البدء كانت الكلمة".

وكما جاء على لسان جبريل: "اقرأ...".

لم تعد اللغة العربية هي الطريق الوحيد للمعرفة، بل تنافسها وتتفوق عليها لغات أخرى، وعلى وجه الخصوص اللغة الإنجليزية. ولعل الخطوة الخبيثة التي قامت بها الجماعة، بحذف اللغة الإنجليزية من المناهج للصفوف الأولى، هي خطوة خطيرة جدًا على الهوية والمعرفة الإنسانية اليوم، التي تعتمد على هذه اللغة العالمية، وعلى الإقبال الرهيب من الجنسين لتلقي علوم العصر الحديث. ولكن هناك ثغرة تنمو مع طفولة أجيال وأجيال من اليمنيين، خاصة وهي الأمية في القراءة والكتابة، والضعف الحاصل في الإملاء، التي هي أداة حية لإيصال المعلومة بشكل صحيح.

قد يقول قائل: يا أخي، اللغة العربية لم تعد لغة علوم العصر ومعارفه، ولكنه يجهل أن الاعتزاز باللغة والهوية هو الطريق إلى المستقبل. واللغة الأم هي الطريق إلى أهم لغات العالم. فإذا كنت عاجزًا عن استيعاب لغتك، فبالتأكيد ستكون عاجزًا في غيرها من اللغات، لأن اللغات أخذٌ وعطاء.

بهذه المقدمة يمكننا التلويح بعصا الفقهاء السحرية، التي كانت تضع الطالب في طريق القراءة والكتابة بواسطة لوح خشبي ووسائل غاية في البدائية، ولكنها كانت طرقًا ووسائل غاية في الجدوى والدقة خلال أسابيع...

ولذلك كان للجيل الذي تتلمذ على يد فقيه "المعلامة" الفضل الأول في قيادة الوطن إلى ثورات في التعليم والحرية والتضحيات، وأكثر هؤلاء الذين خرجوا من "المعلامة" أدّوا لغات عديدة إلى جانب لغتهم الأم، وتبوأوا مناصب كبيرة، وها نحن اليوم نشاهدهم يغيبون بالموت واحدًا بعد الآخر، بعد أن قاموا بأدوارهم وأدّوا رسالتهم الإنسانية والوطنية النبيلة، ولم يبقَ بيننا إلا أساطين الفساد والإفساد والعبثية بكل صورها وتجلياتها.

اليوم، على أولياء الأمور عدم الركون إلى المدارس وهذا التعليم، وأن يحوّلوا أنفسهم آباءً وأمهاتٍ إلى معلمين وفقهاء لأولادهم، وأمامهم كل وسائل المعرفة والتعليم متاحة للتغلب على هذا التجريف القاتل لمستقبل أطفالنا وأجيالنا القادمة.

العودة إلى عصا الفقهاء السحرية، التي كانت في الأسبوع الأول من الحضور تصب في دماغ الأطفال الحروف، وفي الأسبوع الثاني طريقة كتابتها، ثم يضعونك على بداية جزء "عمّ" والنافذة السحرية "أبجد هوز"، ثم تجد نفسك قارئًا بدون عناء.

لقد تغلّب الإصرار على التعلُّم على كل وسائل التضليل والتجهيل التي كانت تفرضها الإمامة والكهنوت...
وتفوقت كل تلك الوسائل البدائية في التعليم على كل وسائل ووسائط التعليم الحديث والمعاصر.

مشاكل اليمن ستطول، والحرب ستطول، واللاسلم سيطول، ولا بُد من التفكير جديًا في وضع الحلول الفردية والجماعية لانتشال الأجيال القادمة من أولادنا وأحفادنا، ووضعهم في الطريق الصحيح مهما كان صعبًا ومريرًا...!

يجب أن نغرس ونزرع في نفوس أبنائنا أن التعليم هو الطريق إلى الحرية، وأن الأمية هي طريق الكهنوت إلى العبودية...
لقد كان دومًا طريق الحرية يمر عبر العقول المتنورة، وطريق العبودية يمر عبر العقول المظلمة، ولذلك قيل: العلم نور والجهل ظلام.

ولعلكم لو نظرتم إلى شهداء طريق التحرر، ستجدونهم من أصحاب العقول المنيرة، والذين نالوا قدرًا كبيرًا من التعليم والمعرفة، عكس أولئك الذين قاتلوا في الجانب الآخر، ستجدونهم من الدهماء والغوغاء، والذين لم ينالوا أي تعليم، أو توقفوا في بداية الطريق وانصرفوا إلى أهوائهم ليكونوا مرافقين وأتباعًا للضلال.

طبعًا نحن لا نخص مناطق المليشيات على تنوعها، وإنما كامل التراب اليمني. ولكن مليشيات صنعاء الأكثر إحداثًا للأضرار التربوية، من خلال التجريف الطائفي والمذهبي، والمضحك أن المليشيا حريصة على إيراد أمثلة في مناهجها السلالية تحث على نبذ الطائفية والسلالية، وكما يقول المثل: "رمتني بدائها وانسلّتْ...".

في العراق أيام صدام حسين كانت الأمية صفر، وبعده بسنوات ارتفعت إلى حدود 70%، مما يدل على أن الأمية تشبه تمامًا الأمراض الستة القاتلة للأطفال، إذا لم نحصِّن أجيالنا القادمة مما ألمّ بهم وبنا.

لقد تفوّقت عصا الفقيه على كل كتب طرق التدريس الحديثة، وانتصرت على أكبر كتب التربية وأصول التربية المعاصرة، وكتب علم النفس التربوي.

"السابلة السوداء" التي كنا نصنعها من السراج التقليدي، تفوقت على كل قناني الحبر والأقلام الفرنسية والصينية والهندية واليابانية، وتفوق اللوح الخشبي البدائي على كل أنواع السبورات والدفاتر وكراسات الرسم.

تحوّلت اليوم الجامعات إلى محلات تجارية بحذافيرها، ودكاكين لابتزاز الطلاب والطالبات وأولياء الأمور والمجتمع، وبؤر لغسيل المخ وتفخيخ عقول الطلاب والطالبات بملازم وكوادر لا صلة لها بعلوم العصر والعلوم الحديثة وبدون تخصيص. بل إن جامعة صنعاء تحولت إلى حسينية كبيرة، مثلها مثل الجامعات التي في تلك المناطق السلالية.

ونخلص في هذا المقال إلى موقف تعرض له أحدهم، وهو يقطع شهادة ميلاد لابنه أو ابنته من الأحوال المدنية، حيث يصر الموظفون العسكر على تسجيل مهنة الأب في سجلاتهم بمهنة "عامل"، والأم بمهنة "ربة بيت"، حتى لو كان الأب طبيبًا والأم مهندسة مدنية - على سبيل المثال لا الحصر - حيث تلخص هذه القصة رؤيتهم المستقبلية للحياة والناس في مناطق حكمهم، ولِما يجب أن يكونوا عليه...

مقالات

ليلة وقوعي في الحب(4)

كان المجنون علي الزيلعي واحدًا من أشهر مجانين الحديدة. وكان قوي البنية، ضخم الجثة، طويل القامة، شبه عار، وشَعره مشعث ومتّسخ، والوسخ المتراكم فوق جسده كأنه جلد آخر، لكنه كان طيبًا وهادئًا ومُسالمًا، ولم يدخل يومًا في عراك مع أحد. حتى إن الناس، من حبهم له كانوا يودّونه ويعطونه ويتصدّقون عليه ويعتبرونه وليًّا من الأولياء، لذلك كان حظه من الصدقات كبيرًا، وكان "القات" يتوفر له بكميات كبيرة، ويظل مخزنًا من الظهر إلى ما بعد منتصف الليل، ولا ينام إلا بعد أن ينام الجميع.

مقالات

نداء سيادي في زمن التهدئة المضللة

في ظل تصاعد التهديدات البحرية وتنامي النفوذ الإيراني في اليمن، تعود خارطة الطريق التي توصلت إليها السعودية مع جماعة الحوثي إلى دائرة التساؤل، بعد دعوة رئاسية يمنية صريحة لإعادة تقييم المسار التفاوضي. فهذه الدعوة، التي أطلقها رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، لا تُقرأ بمعزل عن المتغيرات الإقليمية والدولية الضاغطة، بل تُعدّ نقطة تحوّل سياسية مهمّة في توقيتها ومضمونها، ورسالة مبطنة للداخل والخارج على حد سواء.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.