مقالات
المطر حين يكون نقمة !
لا مجال للتشكيك في نعم الله سبحانه وتعالى التي لا تُعد ولا تُحصى على الإنسان وعلى هذه الأرض التي خيراتها كلها للإنسان أولاً وأخيراً، ولكن فساد سلطات الأمر الواقع والحكومات المهترئة تجعل من نعمة المطر نقمة وكارثة إنسانية محققة وبالغة التعقيد.
وحدث أمر غريب بين دعاة المطر ودعاة رفع نعمة المطر، وهو أمر غريب يحدث بين فريقين، فريق يدعو الله بأن يزيد المطر ويبارك فيه وفريق آخر يدعو الله أن يكف عن الناس المطر حيث تعطلت الحياة وأقبل الموت، مع أن خيرات المطر مهما بلغت غزارته تعم البشر والحجر، بينما الكوارث والمحن تزول وتُنسى وتنحصر بالمتضررين دون غيرهم، ولعل الآيات القرآنية الكثيرة في القرآن الكريم تشير وتدل على نعمة المطر وماء السماء وما يحدثه في الأرض من نماء وخير وحياة بعد موتها أو كادت تموت، ووردت آيات أيضاً تدل على أن المطر قد يكون عقاباً للمجرمين
قال تعالى :" وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبةُ المجرمين " الأعراف84
" فأمطرنا عليهم مطراً فساء مطرُ المُنذَرين " والآيات التي تدل على أن المطر قد يكون نقمة وعذاب كثيرة ، وهناك الكثير الكثير من الآيات التي تدلل على أن المطر نعمة للناس والأرض ومن فيها من حجر وبشر وطيور وحيوانات ومخلوقات لا أول لحصرها ولا آخر وكل شيء كقوله تعالى :"ألم تر أنَّ الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار " وقال تعالى " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" سورة الحج 5 .
ويعج القرآن الكريم بآيات كثيرة تدل على نعمة المطر كما هي الآيات الكثيرة التي تدل على نقمة المطر وأنه قد يكون سوط عذاب.
ومما لا شك فيه أن السنوات القليلة الماضية كانت شحيحة المطر وكانت كابوساً مثلها مثل سنوات الحرب والحصار والمجاعة وانقطاع الرواتب وانتشار الأمراض والأوبئة في طول البلاد وعرضها، وهو أمر مصاحب للانقسام السياسي والعسكري الذي ألم بالبلاد بسبب بعض العباد العصاة الغلاظ القلوب الذين خلت قلوبهم من الرحمة والعدل.
ونعمة الأمطار على ما فيها من خير فإنها على ما يبدو غير كافية لترقيق قلوب اليمنيين الذين لطالما اعتقدنا أنهم ألين قلوباً وأرق أفئدة، حيث تبدَّت الأمور واضحة للجميع بأن هذه الرقة والليونة التي في اليمنيين هي لأقاربهم وعصبيتهم وفئويتهم وانتماءاتهم وطوائفهم السلالية البغيضة، وليست لليمنيين جميعاً وليس كذلك للبشرية والناس جميعاً بكل أسف .
لقد غرقت المدن في شمال البلاد وجنوبه ووسطه، وليس هناك أي أثر ملموس لدولة أو لعصابة في تقديم يد العون للناس الذين أصبحوا بلا مأوى أو سكن أو اربعة حيطان من الحجر أو الخيام أو القش .
قبل أيام سمعنا عجوزاً تهامياً بائساً يدعوا الله أن يأمر السماء بأن تكف، وأن ذلك يكفي يا رب ...ولسنا ندري في هذه العجالة المنظور الديني لدعاء هذا الرجل سوى أنها لحظة إنسانية فارقة لما وصل إليه الإنسان نفسه قبل شهور وهو يرفع يديه للسماء لكي تمطر ويقع الخير في الأرض، إذن نحن بين نقيضين ومفارقتين تتكرر في كل الأحوال .
ولاشك أن المطر قد يكون نقمة حين تحكمك عصابة
ونعمة حين تحكمك دولة حقيقية