مقالات

الوحدة والدعوة إلى الجمهورية (2)

19/09/2023, 08:30:00
بقلم : محمد صلاح

ففي الأثر، الذي تبقَّى من تراث ذلك الرائد الوطني وقام الدكتور عبدالعزيز المقالح بتقديمه ونشره، قال عنه (المقالح) إنه أول برنامج إصلاحي لمسيرة النضال، وإن المفكر الدعيس قد اعتبر عام 1934م حداً فاصلا بين حياة الماضي والمستقبل.

وفي البرنامج، الذي كتبه، وضع عددا من النقاط، أو المبادئ التي يجب أن تقوم عليها شروط الحياة الجديدة، وكان أول شرط لقيام هذه الحياة هو "أن نبني حياتنا الجديدة على وحدة شعبنا داخل حدوده الطبيعية البرية والبحرية، واستقلالاً تاماً لا يتداخل فيه ولا يخل بزعامة مؤسس استقلالنا" [د. عبدالعزيز المقالح "حكيم الثورة الشيخ حسن الدعيس"، ص 48، طبعة مركز نشوان الحميري]. وهنا علينا أن نلاحظ بأنه شرط التطوّر بالوحدة والاستقلال، وجعل منهما ركيزة الخروج من حياة الماضي إلى المستقبل.
 
وإذا أردنا التأكد من صحة هذه المقولة، فيمكن العودة إلى التاريخ، لنكتشف مدى مصداقيتها أو بطلانها. فخلال تاريخ الدولة اليمنية، الممتد خلال أكثر من ثلاثة آلاف عام، نجد أن أزهى عصور اليمن، ورخاءها، وصيانة سيادتها، هي تلك التي تحقق فيها اتحاد اليمن تحت راية واحدة، ابتداء من عهد الدولة السبئية في القرن السابع قبل الميلاد، وهو قيام أول دولة يمنية موحدة في عهد كرب إيل وتر، الذي استطاع أن يوحِّد البلاد تحت ظلال حكومة مركزية واحدة، ثم في عهد الدولة الحِميرية، وبعدها في العصور الإسلامية، سواء في زمن الخلافة الراشدة، أو بعدها في عصر الدولة الصليحية، والرسولية، والطاهرية، بل وفي عهد الإمامة، وتحديدا في زمن المتوكل على الله إسماعيل.

حيث تحقق لليمن، خلال عصور التوحُّد، وهي كثيرة، وتشكَّل الأصل في التاريخ اليمني، حضور تاريخي مشرق، بينما كان يغيب دور اليمن التاريخي، وتغرق في الصراعات الداخلية، وتأكل نفسها، في أوقات الانقسام والتفكك.
 
أما ما ورد في هذا البند عن ضمان بقاء الإمام على رأس السلطة، كما جاء في برنامج الدعيس، فإنه كان أمراً منسجما مع الظروف التاريخية القائمة آنذاك، ليس في اليمن، بل وفي كل البلاد العربية، التي كانت آنذاك محكومة بأنظمة ملكية، ولم تكن بعد قد عرفت الثورات الحديثة، والأنظمة الجمهورية، حيث كان "المفكر الدعيس يرى أن في تحقيقها إزالة للوحشة القائمة بين الحاكمين والمحكومين في يمن الثلاثينات، فالحكم سيضمن بقاءه في الحكم دون منازع، احتراما للميثاق وللإجماع الشعبي، والمحكوم سيجد في تحقيق هذه المبادئ ما يضمن له الحياة الكريمة وما يضمن لبلاده الارتقاء المادي والمعنوي، ويجعل من اليمن وطناً قوياً محترماً" [المصدر نفسه].
كما قدم الدعيس مقاربة، لها اهميتها، حول دور القيادة الوطنية في صناعة الوحدة، وذلك من خلال الحديث عن المهاتما غاندي، الذي استطاع أن يعبِّر عن وحدة الهند، ويوحِّد 350 مليون هندي، من مختلف الأديان واللغات والإثنيات، في الوقت الذي عجز فيه الإمام يحيى عن تحقيق الوحدة الوطنية بين أبناء شعبه، الذين ينتمون إلى ديانة واحدة، ويتحدثون لغة واحدة، ولهم تاريخ واحد، وعادات وتقاليد واحدة، وثقافة وطنية واحدة، بل كان نظامه كارثة ماحقة حلت بالبلاد، وحالت دون قيام دولة يمنية واحدة.   
 
لقد تلازم منذ أوائل الثلاثينات في اليمن بين ظهور الحركة الوطنية اليمنية، ودعوتها إلى التغيير وإصلاح أوضاع البلاد السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والوعي بالوحدة اليمنية، وفي ذلك يقول المشير عبدالله السلال -قائد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المباركة، والرئيس الأول للنظام الجمهوري الذي أطاح بالإمامة- إن قضية الوحدة اليمنية "احتلت حيزا كبيرا من نضال القوى الوطنية عبر مسيرة النضال الطويلة في كلا الشطرين، ولم تبرح أذهان روّادها الأوائل وأبنائها من الجيل الوسيط والمعاصر منذ الثلاثينات"، [يحيى حسين العرشي "الاستقلال والوحدة"، ص64]. كما يؤكد على أن "اتفاقية عام 1934، التي وقَّعها الطاغية يحيى مع الغاصب المحتل في جنوب الوطن، كانت أحد أسباب اشتداد المعارضة لحكمه، وقد شاركت في إلهاب الحس الوطني لدى الأحرار والقوى الوطنية، التي شعرت بالمرارة والإهانة بعد توقيعه واعترافه بوجود الغاصب المحتل في أرض يمنية"، [يحيى حسين العرشي "الاستقلال والوحدة" ص 65].
 
تشير جميع الشواهد، والكتابات اليمنية لمن قادوا مرحلة النضال في اليمن، ضد نظام الإمامة المستبد في شمال الوطن، والمستعمر الخارجي في جنوبه، إلى محورية الحدث، الذي جرى في العام 1934، والذي تمثَّل في تراجع النظام الإمامي عن تحقيق وحدة البلاد، حيث بدأت الكتابات والمنشورات تطال الإمام وسلطته، وترتفع في أوساط الناس من قِبل المثقَّفين والأدباء.


وإذا كان الدعيس قد كتب أول برنامج للإصلاح -كما يقول الدكتور المقالح- فإن أول صرخة ناقدة تُحمّل الإمام بلا مواربة نتيجة ما جرى بعد الهزيمة أمام ابن سعود، هي ما وجهه الرائد التنويري، وأبرز مثقفي اليمن في النصف الأول من القرن العشرين، الشهيد أحمد المطاع، حيث كتب أول انتقاد مزلزل على هزيمة الإمام يحيى عام 1934م، وفقدان اليمن أجزاء منها، وتردده في تحرير الجزء الآخر، وذلك في صحيفة "الإيمان"، الجريدة الوحيدة في مملكة الظلام  - بحسب تعبير الدكتور علي محمد زيد -، والجريدة الرسمية للسلطة، وقد جاء ذلك في افتتاحية العدد 95 – 1353ه – 1934م، ويلخصه الدكتور محمد عبدالملك المتوكل باعتباره "حملة مغلفة ضد حكم الإمام يحيى، وضد الفساد المستشري في جهاز دولته. وضد الاشتغال بقشور الدين. وتأكيداً أن ترك الصدق وحب الذات هما الأسباب الرئيسية لضعف الشعوب وإذلالها، إلى جانب الزعماء الذين تراهم حكماء في سلب الأموال وضعفاء إذا جاء دور العمل"، [عمر الجاوي "وضع اليمن عام 1934م في المناطق الثلاث"، ص21، مجلة الحكمة، عدد 139، السنة السابعة عشرة، يونيو 1987، عدن].

مقالات

الرؤية الرومانسية للمصير...!

"يبدو المجال واسعًا لدراسة الشعر الذي ارتبط بالمصير الإنساني، والتعرف على وجود رومانسيته باعتبار الموت أحياناً يكون ملاذاً آمناً أكثر من الحياة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات والأمراض اليوم، وكما قال المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكُنَّ أمانيا".

مقالات

عندما يكون اليمنيون مجرد كرة!

لا شيء يشير إلى أن اليمنيين يتحرّكون بمحض إرادتهم. لا السلام يتدحرج إلى الأمام ضمن مسار أولويات يمنية، ولا الحرب وضعت أوزاها تحقيقاً لرغبة ومصالح داخلية.

مقالات

حكاية غرام

كان الوقتُ عصراً، حين انتهى أعضاء فريق المشي وتسلّق الجبال من تناول طعام الغداء في مخيمهم، الذي أقاموه عند منابع المياه الدافئة في "عيون سردد" بمحافظة المحويت.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.