مقالات

حكاية البنت المهمَّشة دَلا دَلا (الحلقة الثالثة)

28/09/2024, 07:50:22

وهما في طريقهما للمحوى، قال لها منصور الصوفي: "أنا خايف يا دَلا دَلا".
 
وحين سألته دَلا دَلا عمّا يخيفه؟
قال لها إنه يخاف من ردود فعل الأخدام، وأنهم حين يرونه معها قد يلحقون به الأذى.

وضحكت دَلا دَلا من مخاوفه، وقالت له إن الأخدام يفرحون حين يرون شخصا غريبا يأتي للمحوى، ويحتفون به.

وسألها منصور عن المكان الذي سينام فيه، فقالت له إنه سينام معها في عشتها، وسيكونان لوحدهما..

وسألها عن أبيها وأمها، وأين سينامان؟
فأخبرته بأن أباها وقع في حب خادمة من محوى آخر، وأنه منذ وقع في حبها طلق أمها، وطلق المحوى..

 وقالت له إن أمها سوف تنام معهما في العشة، وسيكون بينهما وبينها ستارة؛ لكن منصور كان مازال خائفا، وكان خوفه ما ينفك يتفاقم ويتعاظم كلما اقترب من المحوى.

كانت السَّكْرة قد طارت من رأسه بعد الضرب الذي لقيه في السينما، وكان لديه رغبة شديدة في أن يشرب؛ كيما يتحرر من مخاوفه.

ولحظة اقترابهما من مدخل المحوى، توقف، وقال لها:
"نرجع إلى دكان الفتيني".
 
قالت له دَلا دَلا: "أيش نرجع نعمل؟".
قال لها إنه لا يصح أن يحضر المحوى من دون أن يحمل معه هدايا لأمها وأفراد أسرتها.

ومن مدخل المحوى عادا إلى دكان الفتيني، وعند وصولهما وجدا الدكان مغلقا، وراح منصور يطرق الباب، وبعد طرقتين اثنتين نهض الفتيني من نومه، وسأل عن الطارق، وحين عرف بأنه منصور الصوفي، يريد بيرة فتح له الباب.

ودخل منصور، وطلب عشر حبات بيرة، وبعد خروجهما، اقترح منصور على دَلا دَلا أن يدخلا "حديقة الشعب"، ويشربا، ومن بعد يذهبان إلى المحوى..

اعترضت دَلادَلا، وقالت له إن أمها سوف تقلق عليها بسبب تأخرها، لكن منصور راح يطمئنها، ويقول لها إنه  سوف يستأجر تاكسي يوصلهما للمحوى.

وبعد دخولهما الحديقة جلسا على العُشب في مكان بعيد عن السكارى والفضوليين، وبعيدا عن الأضوء وبعد جلوسهما أخرج منصور علبتي بيرة؛ واحدة له وأخرى لها.

وسرعان ما راحا يشربان  ويضحكان ويسترجعان ماحدث لهما في السينما؛ قال لها منصور -متبجحا- إنها لولاه لما دخلت سينما 26 سبتمبر، وزعلت دَلا دَلا من كلامه، وقالت له:
"أني خادمة، وانت -يا منصور- خادم من جيز الأخدام".

قال لها، وقد زعل، وتحسس من كلامها:
"مش أنا مثلكم، ولا أنا خادم".
 
قالت له: "أنت أسود -يا منصور- والأسود خادم".

قال لها: "مش أنا أسود، أنا أسمر".
قالت: "والله انك أسو، وأنك خادم، ولو مش أنت خادم تكون زنوة خادم".
 
وبعد قولها عنه بأنه زنوة خادم زعل منها، وفقد السيطرة على نفسه، ولطمها لطمة قوية أوجعتها، وأبكتها..

وبعدئذ شعر بالندم، وراح يعتذر لها، ويطلب منها أن تسامحه، وكانت هي ترفض، وتقول له وهي تواصل البكاء:
"والله ما أسامحك يا منصور".

لكن منصور الصوفي، الذي عرف عالم النساء من خلالها، كان بعد أن افتضت دَلا دَلا بكارته، وجعلت منه رجلا، قد صار متيَّما بها.

ثم أنها وقد راحت تبكي أنعظ واشتهاها، وتملكته رغبة شديدة في أن يضاجعها داخل "حديقة الشعب"، بيد أن دَلا دَلا راحت تصدّه، ولم تسمح له حتى بتقبيلها، وقالت له:
"والله ما خلوك تنكحني بعد ما لطمتني".

قال لها منصور:
"لطمتك بعد ما قلت علي زنوة خادم".
 
قالت له: "أنت قلت لي بنفسك أنك أكبر خادم".
 
 قال لها: "أنا كنت أضحك معك، لكن الصدق مش أنا خادم".

بيْد أن دَلا دَلا لم تصدقه، فقد كان لديها يقين بأنه خادم؛ ليس فقط لأنه أسمر البشرة، وإنما لأن سلوكه معها كان أقرب إلى سلوك الأخدام.

فقد ألغى المسافة بينه وبينها، وعزمها على العشاء في المطعم، وشاركها الطعام، وأكل معها من الصحن نفسه، وأخذها للسينما، ثم ما لبث أن لامسها وجامعها، وبعد هذا كله ينكر أنه خادم، ويريدها أن تصدِّقه؟!!
 
وكان ما أوجع دَلا دَلا أكثر من اللطمة هو أن اللاطم خادم، ولو أنه رعوي أو قبيلي أو سيّد لكان من حقه أن يلطمها أو حتى يقتلها، أما أن يلطمها خادم مثلها فذلك هو اللا مقبول واللا معقول.

ولشدة ما كانت موجوعة منه، قالت له:
"والله إنك أسود وخادم، لو تقول ماتقول".
 
قال لها منصور، وقد اكتسى وجهه بالغضب:
"لا تخلينا أصفعك ثاني، قلت لك مش أنا خادم، ولا أنا أسود، أنا أسمر، ولو أنا خادم ما كانوا وظفونا بالبنك.. الخادم يدخل البنك يكنس القمامة، وينظف الوسخ، وأنا موظف، ومعي معاش ثلاثمئة ريال".

ولحظتها ذهلت دَلا دَلا حين عرفت أنه موظف في البنك، وراتبه ثلاثمئة ريال، وأيقنت بأنه ليس خادما، وراحت تعتذر له، وتطلب منه أن يسامحها:
"سامحني -يا منصور- كنت احسبك خادم".
وراحت دَلا دَلا تسأله عما جعله يسايرها ويعزمها ويأكل معها ويلامسها وينكحها وهي خادمة نجسة، لكن منصور قال لها إنه متعلم، وليس مثل بقية اليمنيين الجهلة، الذين يعتقدون بنجاسة الأخدام.

وأردف قائلا لها إن ما جعله يقترب منها هو أنها جميلة:
"أنت جميلة -يا دَلا دَلا- أجمل من بنات الحديدة، وأجمل حتى من الروسيات".
وفي تلك الأيام، وبسبب الوجود الروسي، والخبراء الروس، كانت الروسيات يتمخطرن في شوارع الحديدة، ويُشاهدنَ وهنَّ مستلقيات في شاطئ البحر شبه عاريات.

وحين قال لها منصور إننها أجمل من الروسيات صعد الدّم إلى وجنتيها، وقالت له:
"لكن الروسيات بيض يا منصور؛ واني سوداء".

قال لها منصور:
"صحيح  أنت سوداء، لكنك أجمل منهن، وجمالك عابر قارات".

ولم تفهم دَلا دَلا معنى قوله إن جمالها عابر قارات، وبعد أن راح يوضح لها المعنى، فهمت، وفرحت، وكانت دَلا دَلا تحس بجمالها، وتشعر بأنها جميلة من خلال نظرات المارة في الشارع، والتفاتاتهم، وتعليقاتهم، لكنها لأول مرة تجد من يقول لها إنها أجمل من الروسيات وجمالها عابر للقارات.

ولشدة فرحتها بكلمات منصور، قالت له وهي تمسك بالصوفي الصغير:
"أنت -يا منصور- سيّدي وسيّد أمي  وأبي وسيّد الناس كلهم، ويحق لك تضربني وتنكحني غصب عني".

قال لها منصور إنه يحبها وإنه إنما لطمها لأنها قالت عنه زنوة خادم، واتهمت أمه بالزنا، وأما الاغتصاب فلا يحق له، ولا لأيٍ كان أن يغتصبها.

 لكن دَلا دَلا قالت له إن كل من ليس بخادم يستطيع أن يغتصب الخادمة، ويقتل أخاها أو أباها إن هو دافع عن شرف بنته، أو أخته.

وراحت دَلا دَلا تحدّثه عن فتيات مهمَّشات تعرّضن للاغتصاب، وفلت مغتصبوهن من العقاب.

وقالت له إن اغتصاب خادمة عمل سهل وأسهل من شربة ماء.

وكان منصور يستغرب، وهو يسمعها تحكي بهذه الطريقة، ويخامره شعور بأن البيرة لعبت بعقلها وجعلتها تقول كلاما هو أقرب ما يكون إلى الهذيان.

 لكن دَلا دَلا -حين رأته يشكك في كلامها- راحت تذكر له أسماء صبايا ونساء موجودات في المحوى  تعرضن للاغتصاب بما فيهن خالتها.

ثم وقد أجهزت على علبة البيرة الثانية، قالت له إنها هي نفسها تعرضت للاغتصاب وهي في السادسة عشرة من عمرها، وراحت تحكي له حكايتها مع مغتصبيها الثلاثة.

مقالات

الوجْه الآخر للمملَكة

التحوّل والبناء، الذي يجري في السعودية، مُثير للاهتمام، لكن بقدر إثارته للاهتمام يقدم صورًا شديدةَ التناقض في جوانب أخرى.

مقالات

الاستعراض اللغوي والمعرفي

الكثير من الكتابات تشدنا إليها وتدعونا إلى الغَوص في أعماقها، وأساليبها المتباينة والمتنوّعة، وقليل من الكُتاب الذين يستطيعون الإمساك بزمام الأمور، وشَد انتباه القارئ من أول لحظة بالفطرة والثقافة الموسوعيّة، والإبهار المعرفي عن طريق الإبهار اللغوي، واللغة المكثّفة المُوحِية، وتنوُّع أساليب العَرض، ومناقشة قضايا جوهرية تتّصل بالوجود الإنساني، وإشكالياته المُعاصرة.

مقالات

أبو الرُّوتي

مثلما كان البَوْل يسيل منّي لا إرادياً، كان المُخَاط هو الآخر يسيل من أنفي لا إراديا مع الفارق، وهو أن البَوْل يسيل في الليل أثناء النوم، فيما المُخَاط يسيلُ في النهار وأنا يقظ؛ لكنه كان يسيل بطريقةٍ مَرَضيَّةٍ لكأنّ أنفي جُرح ينزف، وكان الذين يَعبُرون من أمام بيتنا -حين يبصرون السائل الفيروزي يجري في سائلة أنفي- يصرخون بي: "اتْمخَّط ياب".

مقالات

فلسطين جرح الإنسانية النازف

لا يمكن في الأصل أن نفّوت عند الحديث عن القضية الفلسطينية حادثة وفاة السنوار الأخيرة التي توجت بعد مسيرة صمود ونضال طويلة أسطورية بالشهادة. وذلك لشيئين واحدٌ منهما حزن الناس العام في الوطن العربي، الذين بكوا عجزهم، وصمت زعمائهم الخاذل للشعب الفلسطيني وقادته الذين تركوا في الأرض الفسيحة مهوى لنيران العدو مواجهين مصيرًا هو أقذر ما يمكن للبشرية أن تصل إليه من الممارسة العدوانية القائمة على سفك الدماء وتدمير المنازل وقتل كل مظاهر الحياة، كل الحياة، شجرها وحجرها وناسها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.