مقالات
حكاية البنت المُهمَّشة "دَلَا دلَا" (2)
كان في الحديدة عدّة سينمات؛ لكن السينما الوحيدة، التي كان منصور الصوفي يرتادها أكثر من غيرها، هي سينما 26 سبتمبر؛ والسبب أنها كانت سينما نظيفة وراقية، وفي حي راقٍ، فضلا عن أنها كانت تقدم أفلاما جديدة.
وعلى طريقه للسينما، مر منصور الصوفي على دكان أحمد الفتيني لشراء حاجته من البيرة، وكان أحمد الفتيني هذا في الستين من عُمره أسمر ممشوق القامة ينتمي إلى قبيلة "الزرانيق"، ولديه دكان صغير بداخله ثلاجة روسية كبيرة أكبر من الدكان؛ معبّأة بزجاجات الخمر، وعُلب البيرة الباردة، ومنه اشترى منصور ثماني حبات بيرة. وكان منصور الصوفي لا يشرب سوى البيرة، وإذا شرب يشرب في السينما أثناء العرض ، وكان في العادة يكتفي بشراء أربع عُلب، لكنه هذه المرة أراد أن يشرب كمية تكفي لبث روح الشجاعة في نفسه، خصوصا وأن الذهاب بعد السينما إلى المحوى كان يعني له الذهاب إلى المجهول، وإلى عالم مخيف لا يعرف عنه شيئا.
كان فيه خوف؛ لكنه كان قد وافق على شرط دَلا دَلا في أن يبيت عندها في المحوى مقابل أن تكشف له سر اسمها، وأسرار جسدها الجميل، والمنحوت.
بعد وصولهما السينما، أبصر منصور طابورا طويلا، وازدحاما شديدا أمام شباك قطع التذاكر، وكان سبب الازدحام والإقبال ليس فقط أن الفنان عبد الحليم حافظ يمثل في الفيلم مع الجميلة نادية لطفي، وإنما لأنه كان قد شاع بأن فيلم "أبي فوق الشجرة" أكثر الأفلام جُرأة. وكانت ملصقات الفيلم المعلقة في أكثر من شارع يسيل لها لعاب الشباب، وتغري بالذهاب لمشاهدته، ويومها كان الواقفون في طابور التذاكر قد راحوا يتذمرون ويجاهرون بسخطهم وغضبهم على خادم عجوز، كان قد سبقهم، ووقف في رأس الطابور، ووقفت إلى جانبه خادمة صغيرة ظنوا أنها ابنته.
وكان وقوف الخادم العجوز وابنته في مقدمة الطابور قد استفز مشاعرهم، فراحوا يحتجون ويصرخون ويقولون له:
"ارجع ورا -يا خادم- استحي على نفسك، وارجع ورا".
وصاح رجل من وسط الطابور قائلا:
"لو يدخل الخادم وبنته قبلنا، والله لا نكسِّرالسينما".
وكان أن راحت الأصوات ترتفع محتجة على وجود الخادم العجوز وابنته في مقدمة الطابور، واعتبروا وقوفهما في المقدمة شيئا غير مقبول وغير معقول، وفيه إهانة لهم.
وعندما كانوا يطلبون منه أن يعود إلى الخلف كان يرفض ويقول لهم:
"أنا وصلت السينما قبلكم كلكم".
وكان رده ذاك يستفزهم، ويثير حنقهم وحقدهم عليه.
وفي اللحظة، التي انفتح فيها شباك قطع التذاكر راح الواقفون في الطابور يصرخون، ويطلبون من الموظف المختص عدم قطع تذاكر للخادم العجوز وابنته قبلهم، لكن الموظف راح يطمئنهم، ويقول لهم إن نظام السينما لا يسمح بدخول الأخدام، وحتى لو النظام يسمح بدخولهم فليس من المعقول أن يقطع تذاكر للخاددم وابنته قبلهم.
ولكي يثبت لهم صدق كلامه طلب من الخادم العجوز أن يخرج من الطابور، ويسمح للواقفين خلفه أن يتقدموا نحو الشباك.
رد الخادم العجوز عليه، وقال له إنه حضر قبلهم كلهم ولا يحق له أن يبدأ بهم قبله.
قال له قاطع التذاكر إن النظام في سينما 26 سبتمبر لا يسمح بدخول الأخدام.
قال له الخادم إنه ليس خادما وإنما هو شيخ الأخدام.
وكان في ظنه أن الموظف سوف يتراجع عن موقفه حين يعرف أنه شيخ الأخدام، لكن الموظف أعاد على مسامعه الكلام نفسه، وقال له بنبرة حادة:
"قلت لك ممنوع دخول الأخدام".
وصُدِم الخادم العجوز من رد قاطع التذاكر، وراح يتذلل ويتوسل إليه، ويقول له -وهو يشير إلى الفتاة بجانبه- إنها زوجته الجديدة تزوجها حديثا ووعدها بأنه سوف يدخلها أحسن سينما في الحديدة بمناسبة زواجهما..
ولشدة ما كان محرجا من زوجته ومتألما من موقف قاطع التذاكر، الذي قطع حبل أمله تدخل بعض الطيبين الذين تعاطفوا معه، وقالوا للموظف:
"اعمل معروف واقطع لهم تذاكر، وخليهم يدخلوا يسينموا ويفرحوا بمناسبة زواجهم".
بيد أن قاطع التذاكر انزعج من هؤلاء المتضامنين مع شيخ الأخدام وزوجته، وقال لهم إن إدارة السينما من أجل راحتهم وصحتهم وسلامتهم تمنع دخول الأخدام.
وراح يسأل الواقفين في الطابور، ويقول لهم:
"هل تقبلوا تجلسوا في السينما جنب أخدام؟".
صاحوا جميعا بصوت واحد:
"لا، لا، مش قابلين.. مش ممكن".
وصاح رجل من سط الطابور قائلا:
"من جلس جنب خادم بكر نادم".
وبعد أن تفاجأ منصور الصوفي بأن سينما 26 سبتمبر تمنع الأخدام من دخولها طلب من دَلا دَلا أن تغطي وجهها حتى لا تُمنع من الدخول.
وبعد أن غطَّت وجهها، تقدم منصور نحو الشباك وقطع تذكرتين. وبعد دخولهما وجلوسهما فوق مقعدين متجاورين لم تصدق دَلا دَلا أنها في السينما، التي طالما حلمت بدخولها..
وفي تلك اللحظة، التي انطفأت فيها الكهرباء وضوّت الشاشة، أخرج منصور الصوفي علبة بيرة وبدأ يشرب، لكن دَلا دَلا -وقد لاحظت أنه يشرب لوحده- استغربت ذلك منه، وقالت له:
"هات لي بيرة -يا منصور".
وارتبك منصور، وكان في ظنه أنها لا تشرب، وقال لها وهو غير مصدّق:
"من صدق تشربي؟".
قالت له دَلا دَلا إنها وكل النساء والصبايا في المحوى يشربن البيرة والخمرة كلما توفرت.
وبعد أن ناولها منصور علبة البيرة، راحت دَلا دَلا تشربها بشغف، وتستمتع بشربها، وبدا له من طريقتها في الشرب أن لها خبرة في الشرب.
ولشدة ما كانت متجمِّلة من منصور، الذي عزمها وادخلها السينما، التي طالما حلمت بدخولها، مسكت يده ورفعتها ودستها بين نهديها؛ تعبيرا عن شكرها وامتنانها. فرح منصور حين رأى كفه تستقر مثل عصفور في عش نهديها.
وبعد أن أجهزت على علبة البيرة، قدم لها علبة أخرى وراحت تشربها على مهلها، وتحملق في الشاشة.
ثم وقد أجهزت على العلبة الثانية، وصعدت البيرة إلى رأسها، وسرت النشوة في كامل جسدها، تسللت يدها بخفة إلى ما بين ساقي منصور، وراحت توقظ الصوفي الصغير، وتسأل الصوفي الكبير عن اسم الفيلم.
وحين قال لها منصور إن اسمه: "أبي فوق الشجرة"، ضحكت ضحكةً من قلبها، وقامت من مقعدها، وقالت له وهي تجلس فوق الصوفي الصغير، وتواصل الضحك:
"هو جلس فوق الشجرة واني جلستو فوق الصبرة".
وكان جلوسها فوق الصوفي الصغير قد حجب الشاشة عن الصوفي الكبير، ولم يعد يبصر العرض.
وحين طلب منها منصورالصوفي أن تعود للجلوس في مقعدها، رفضت وقالت له:
"أول هات لي بيرة".
وطلبت منه أن يناولها علبة ثالثة مقابل عودتها إلى مقعدها، لكن الولد منصور كان قد أدرك أن علبة ثالثة سوف تزيد طين سكرها بلّة، وراح يترجاها ويتوسل إليها أن تعود إلى مقعدها، وهي ترفض وتقول له:
"هات لي بيرة؟".
وفي الأخير رضخ منصور لمطلبها، وأعطاها علبة ثالثة، وعادت إلى مقعدها.
وحين بدأ عبد الحليم حافظ يغني، راحت تدندن وتغني معه بصوت خفيض، وفيما بعد حين غنى "الهوا هوانا"؛ ارتفعت نبرة صوتها، وأما حين غنّى أغنية "جانا الهوى جانا" فقد نست نفسها ونست أنها في السينما ونست كذلك أنها فتاة مهمشة؛ وسرعان ما انتقلت بقوة الكحول من الهامش إلى المتن؛ وراحت تغني بصوت مسموع وكان صوتها جميلا في غاية الجمال حتى إن أحد السكارى في الصف الخلفي صاح قائلا:
"والله إن صوتها ادأجمل من صوت العندليب".
وبعد كلام الرجل السكران، رفعت دَلا دَلا نبرة صوتها، وراحت تغني بصوت أعلى من صوت العندليب، وكان أن هاجت القاعة، وراح المسينمون يصخبون ويصرخون ويديرون رؤوسهم للخلف لمعرفة من تكون هذه التي تغني داخل السينما. وأما المفتونون بصوت العندليب عبد الحليم فقد راحوا يشتمونها ويلعنونها ويطلبون منها أن تسكت.
ولكثرة الشغب والفوضى، انطفأت الشاشة، وضوَّت القاعة، وتوقف العرض، وقام المسينمون من مقاعدهم، ووقف بعضهم فوق الكراسي؛ ليروا من هذه التي كانت السبب في توقف العرض، وفي كل هذا الصخب، وكل هذه الضجة.
وصاح أحدهم قائلا من فوق مقعده، وقد تعرف عليها :
"هذي دَلا دَلا الخادمة".
وبعد أن عرفوا أنها خادمة، ثار المسينمون في القاعة، وهاجوا، وراحوا يلعنونها ويشتمونها، ويهددون بتحطيم الكراسي إن لم يخرجوها..
ولشدة الشغب والصخب؛
حضر مدير السينما والموظفون وأمن السينما، وقال المسينمون لمدير السينما:
"يا تخرِّجوا الخادمة من السينما يا ترجِّعوا لنا فلوسنا".
وراح المدير يطمئنهم؛ ويقول لهم إن لم تخرج برضاها سوف يخرجونها بالقوة، لكن دَلا دَلا وقد اقتربوا منها ليخرجوها راحت تقاوم وتشتم وتتشبث بالكرسي، وتبصق في وجه كل من يقترب منها ليخرجها.
وفي تلك اللحظة، التي كانت فيها القاعة في ذروة الصخب والهيجان والغضب، نهض رجل ضخم الجثة ممشوق القامة من مقعده في الصفوف الأمامية، وراح يتقدم ناحية المسينمين الغاضبين في مؤخرة السينما، وقال لهم بصوت قوي:
"عيب عليكم، استحوا، أيش هذي الفوضى، ارجعوا اجلسوا في مقاعدكم، وخلونا نسينم".
قالوا له إنهم لن يسينموا، ولن يسمحوا بمواصلة العرض إلا بعد أن تخرج دلا دلا من السينما.
وسألهم الرجل عن دَلا دَلا ومن تكون؟!
قال له مدير السينما: "دَلا دَلا هذي خادمة دخلت السينما، ولا ندري كيف دخلت، ومن هو الذي سمح لها بالدخول".
وأردف قائلا للرجل الضخم إنهم في سينما 26 سبتمبر لا يسمحون بدخول الأخدام في الليل، وانما يسمحون لهم
بالدخول نهارا؛ لتنظيفها وكنسها.
واستغرب الرجل الضخم من كلام مدير السينما، وقال له ولرواد السينما الغاضبين:
"ثورة 26 سبتمبر، التي فتحت لكم أبواب المدارس لتدرسوا وأبواب المصانع لتشتغلوا وأبواب السينمات لتسينموا، هي التي سمحت للخادمة دَلا دَلا بدخول السينما، ومن حق الأخدام الذين ينظفون السينما أن يدخلوا يسينموا مجانا".
قال لهم ذلك وأمرهم أن يعودوا إلى مقاعدهم، وطلب من مدير السينما أن يأمر الفنِّي بتشغيل الفيلم ومواصلة العرض.
والغريب أن رواد السينما الغاضبين، وبعد أن كانوا يهددون بتحطيم السينما -إن لم يخرجوا الخادمة- لاذوا بالصمت، وعادوا إلى مقاعدهم وهم يتساءلون:
"من يكون هذا الرجل؟! هل هو ضابط في الجيش؟ هل هو طيار في سلاح الجو؛ أم هو مسؤول في الحكومة؟!".
وحين سألت دَلا دَلا منصور عمن يكون؟ كان هو الآخر يجهل هوية الرجل، ولم يكن يهمه أن يعرف من يكون بقدر ما كان يهمة مشاهدة الفيلم حتى آخر مشهد.
ثم إن الفيلم كان قد إحلوَّ، وغدا أكثر إثارة، وكانت القبلات المتبادلة بين العندليب والراقصة الجميلة نادية لطفي تشعل القاعة وتهيجها.
وأما دَلا دَلا، التي كانت قد سكرت بعد علبة البيرة الثالثة، فقد راحت تنافس نادية لطفي وتنقض على شفتي منصور الصوفي تقبله بنهم، وبالشراهة نفسها التي تقبل فيها نادية لطفي العندليب، ونفس الشيء كان منصور تحت تأثير البيرة التي شربها قد راح يتماهى مع العندليب، لكنه لم يكتفِ بتقبيل شفتي دَلا دَلا، وإنما راح يعري صدرها ويلتهم نهديها بشراهة، وكأن أمه فطمته قبل أن يحين وقت فطامه.
وكان الاثنان (منصور ودَلا دَلا) بسبب الظلام، وكذا بسبب انشغال الجميع بمتابعة ما يحدث في الشاشة، قد راحا ينتجان ويخرجان فيلماً موازياً لفيلم "أبي فوق الشجرة"، مع الفرق هو أن فيلمهما كان متحررا من الرقابة، ومن مقص الرقيب.
وفي المشهد الذي يظهر فيه العندليب وهو في سرير نادية لطفي، وفي غرفة نومها، داهم دَلا دَلا شعور قوي بالغيرة، فكان أن نهضت من مقعدها وانتقلت إلى مقعد منصور، لكنها هذه المرة لم تُدِرْ له ظهرها، وإنما واجهته وألصقت وجهها في وجهه وصدرها في صدره، وعلمته كيف يجعل من مقعده سريرا، وكيف يلجها ويدخل فيها، وكأنّ منصور الصوفي ولدا بكرا وأميا يجهل ألف باء النكاح، ثم إنه كان خجولا وخائفا.
وحين أبصرته دَلا دَلا خائفا قالت له متهكمة:
"هيا مش قلت لي إنك أكبر خادم!!".
ولحظتها شرب منصور آخر علبة بيرة، وكانت الخامسة، لكنه هذه المرة -وبعد أن راحت دَلا دَلا تتهكم عليه- شربها دفعة واحدة، وقال لها وقد أجهز عليها:
"والله إننا أكبر خادم". وكانت علبة البيرة الخامسة قد حررته من خوفه وخجله.
وفي تلك اللحظة، التي راح فيها يخترقها ويدخل فيها، شهقت دَلا دَلا شهقة عظيمة، وقالت له:
"دَلا دَلا يا منصور .. دَلا دَلا أني فدا لك دَلا دَلا".
وما لبثت أن راحت تتأوه وتصرخ بصوت ما انفك يتصاعد مع تصاعد شعورها باللذة، وكان من حسن حظها أنه لا أحد سمع تأوهاتها وصرخاتها، ليس فقط بسبب تركيزهم على ما يحدث في الشاشة، وإنما لأن المسينمين توقفوا عن النظر إليها والالتفات نحوها، والانشغال بها، بعد أن عرفوا أنها خادمة نجسة.
ثم وقد خلا الجو لهما، راحا يتصرفان كما لو أن السينما غرفة نومهما، أو كما لو أنها جنتهما.
ومثلما راح آدم وحواء يقترفان المعصية، ويلتهمان ثمار الشجرة المحرمة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها، راح منصور الصوفي والخادمة دَلا دَلا يلتهمان بعضهما.
ولشدة ما كانا مستمتعين ومستلذين نسيا نفسيهما ودخلا في غيبوبتين اثنتين: غيبوبة صغرى ناتجة عن سكرهما بالبيرة، وغيبوبة كبرى ناتجة سكرهما بالجنس.
وفي تلك اللحظة، التي انطفأت فيها الشاشة وضوّت القاعة معلنة نهاية فيلم "أبي فوق الشجرة"، تناهى إلى أسماع المسينمين وهم ينهضون من مقاعدهم صوت دَلا دَلا وهي تصرخ من فرط شعورها باللذة، وحين اقتربوا من مصدر الصوت، وأبصروها مع الولد منصور الصوفي، وهما متلبسان بممارسة الفاحشة داخل السينما، راحوا يضربونهما ويلعنونهما، ويصرخون قائلين:
"خادم يركب خادمة داخل السينما".
ولحظتها أفاق منصور الصوفي من غيبوبتيه بفعل قوة الضربات واللكمات والركلات واللعنات، وراح ينكر أنه خادم ويقول لهم وهو يبكي:
"مش أنا خادم، أقسم لكم بالله ما نا خادم".
لكنهم لم يصدقوه، فقد كانت بشرته السمراء الشديدة السمرة تشهد ضده، فضلا عن أنهم كانوا على يقين بأنه الذي أدخل الخادمة دَلا دَلا السينما.
ولشدة حقدهم عليه، راحو يواصلون ضربه، وهو يواصل الإنكار، وحتى يبرئ نفسه وينفذ بجلده؛ وينجو بنفسه، اتهم دَلا دَلا بأنها التي أغوته وأغرته بطلوع البَلَسَةْ.
-وزعلت دَلا دَلا منه، وقالت لهم:
"والله إنه كذاب؛ هو اللي عزمني على السينما، وهو اللي شربني بيرة".
وكان هناك من المسينمين من أصدر حكما بجلدهما، وصرخ قائلا:
"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة".
لكن آخرين اعترضوا، وقالوا إن دَلادَلا ومنصور ينتميان إلى فئة الأخدام، والأخدام ليسوا مسلمين حتى
تقام عليهما الحدود.
واقترح آخرون أن يتم تسليمهما إلى قسم الشرطة، لكن الرجل الضخم الجثة تدخل، ومنعهم من تسليمهما للقسم، وطلب منهم أن يتركوهما وشأنهما.
وبعد خروجهما من السينما، تنفّس منصور الصوفي الصعداء، وحمد الله، وراح يشكر الرجل الضخم الذي أنقذهم مرتين: مرة من الضرب وأخرى من الذهاب إلى قسم الشرطة.
وبعد أن خرجا من السينما إلى الشارع، كان في نية منصور الصوفي أن يترك الخادمة دَلا دَلا ويعود لينام في سريره الميداني، الذي ينصبه في رصيف شارع "المطراق"، لكن دَلا دَلا اعترضت، وقالت له:
"تجي ترقد معي بالمحوى يا منصور؟".
قال لها منصور:
"مش أنا مجنون أخرج من الجنة لا جهنم".
وزعلت منه دَلادَلا؛ لأنه شبّه المحوى بجهنم، وقالت له:
"والله إن المحوى جنة، لكن أنت -يا منصور- مثلهم تكره الأخدام، وتكرهني؛ لأنني خادمة، وفوق هذا تكذب وتقول إنك أكبر خادم".
وشعر منصور بوجع من كلامها، وأوجعه قولها إنه مثل غيره من اليمنيين يكره الأخدام.
وحتى يثبت لها بأنه خادم، ولا يكره الأخدام، قال لها:
"المحوى، المحوى".
وذهبا باتجاه المحوى..