مقالات

خواطر " مُخزٍّن " سابق

07/11/2022, 08:57:31

لم أعد أدري كم من السنين مرت منذ اقلاعي عن تعاطي القات . كل ما أدريه أنني شُفيت - والحمد لله - من الاصابة بهذه الجرثومة التي لا تقل أثراً ولا ضرراً عن الاصابة بالسرطان . ولعمري ، أن القات ليس بسرطان يُصيب الشخص ، بل المجتمع والأُمة بكاملها !

لا أبتغي قول ما يجرح المشاعر الآدمية لمُتعاطي القات ، لكنني أشعر حقاً أنني - بالاقلاع عن تعاطي هذه النبتة الشيطانية - قد أنتقلتُ من طورِ الى طور ، حتى لو كان الانتقال من نعجة الى ثور !

ووالله ، لم يُغالِ قط ذلك الذي وصف شجرة القات بأنها أشبه بشجرة الزقوُّم الوارد ذكرها في القرآن الكريم .

والحق - كل الحق - أن كوارث اليمن واليمنيين كثيرة ، غير أن القات احدى أفدحها  من دون أدنى شك ، على الصُّعُد كافة ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وصحياً وبيئياً .. وحتى سريرياً !

كان نابوليون بونابرت يقول دائماً : " فتٍّش عن المرأة " في سياق زعمه بأنها وراء الكثير من النوائب والمصائب والنكبات . ولكن لدى حدوث كثير من الويلات والأزمات والخيبات في هذي البلاد وفي حياة أهلها ، عليك أن  تفتٍّش عن القاااات !

لعمري ، ليس ثمة ما  يشغل بال اليمني - وبصورة يومية - ويقلق راحته ويقضُّ مضجعه أكثر من التفكير في كيفية الحصول على رُبطة القات ، وكيف وأين يقضي ساعات مضغها ، ومع من بالذات . فلا غذاؤه ولا دواؤه ولا رداؤه ولا هواؤه ، ولا أية حاجة من حاجات بيته وأهل بيته ، يمكن أن ينال حيزاً من تفكيره وتدبيره ، قدر ما تناله هذه الشجيرة الأبليسية !

ولطالما كانت جرثومة القات سبباً في نهب ثروات الأُسر ، بل لطالما كانت سبباً في انهيار هذه الأُسر . ويُحدّثك بعضهم زاعماً أن القات قد حفظ اليمنيين من السقوط في براثن الخمور والمخدرات ، فيما الحقيقة الساطعة تؤكد أن القات قد قام مقام هذه الآفات وزاد عليها في كثير من الأحيان . ومن يُشكّك في صحة هذه المعلومة ، عليه بالركون الى دراسات جمّة اجتماعية وأمنية ، والى أطروحات لأساتذة اجتماع وبالذات الدكتور العلاّمة حمود العودي .

لقد قضى القات - أو يكاد - على المخزون المائي للبلد ، وأضرَّ بقدرات الناس على تنمية مواردهم المالية ، لما فيه مصالح أُسرهم ، وتسبب في أمراض كثيرة بينها السرطان ، وأصبح عنواناً مباشراً للكثير من قصص الفساد والافساد ، والقائمة تتطاول وتتفرع الى عديد من أزمات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والصحة وغيرها .

وثمة احصائيات ليس لها حدّ في جميع هذه المجالات لمن أراد الاستزادة في الافادة ، غير الوافر من البحوث والدراسات والمقالات التي تزخر بها المكتبات أو الدوائر الرسمية ذات الشأن والاختصاص .

في مقالٍ له نُشر في ُأوّل أعداد مجلة " العربي " الكويتية الشهيرة ( ديسمبر 1958 ) كتب الثائر الأديب والسياسي الأريب القاضي محمد محمود الزبيري ، ناقداً ومُكافحاً لابرز ويلات اليمن وأخطر أعدائها التاريخيين : شجرة القات . وقد أسهب في تعداد مثالبها ، وأطنب في تحديد أضرارها بل أخطارها ، واصفاً هذه الشجرة الخبيثة في متن ذلك المقال :

" شيطان في صورة نبات ، أوقع الانسان اليمني في فتنته ، وزاحم الأغذية البريئة في معدته ، وجرى مجرى ابليس في دمه ، وولج ولوج اللص الى خزائنه ، يُطارده صباحاً في رؤوس الجبال ، ويُؤرّقه ليلاً في متاهات الخيال ، متنقلاً بين السرور والحزن وبين العقل والجنون " ... " يفني الانسان نصف عمره ، في صور ملونة مفتعلة ، تُستهلَك فيها رجولة الرجال ، وعزائم الأبطال ، بتأثير القات ، تلك الشجرة الملعونة التي تعمل عمل الطاغية المستبد ، يتحكّم في حياة الشعب ومصيره ومصالحه " ... " واذا كان الفروديون ( المقصود : أتباع فرويد ) يقولون أن الطاقة الجنسية هي التفسير الحق لكل سلوك انساني ، والماركسيون يقولون أن الاقتصاد هو السرّ الكامن وراء التاريخ والحضارات ، فأننا - نحن اليمانيين - نستطيع أن نقول أن شجرة القات هي الحاكم والمتحكّم في حياة الشعب العربي في اليمن ، المتحكّم حتى في الاقتصاد وفي الطاقة والدوافع الجنسية " !

مقالات

اليمنيون في الشتات.. أسئلة ومتاهات (4-4)

كلما ذهبت إلى بلدٍ يقصده اليمنيون؛ إمَّا هرباً من جحيم الحرب في بلادهم، أو للحصول على التطبيب الذي يفقدونه في وطنهم، تتسع أمام ناظري حدود المأساة التي يكابدها اليوم اليمن، والممتدة منذ نحو عشر سنوات.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.