مقالات
سيرجيو!
بُعيد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كان الدبلوماسي البرازيلي سيرجيو فييرا دي ميلو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يعتزم تسليم ملف جرائم أبو غريب وغيره إلى مجلس الأمن حين وقع الهجوم الدامي على مقر البعثة الأممية في بغداد.. ومات سيرجيو .. قبلها بأيام كانت خلافات سيرجو مع الحاكم العسكري الأمريكي بول بريمر على أشدها وصلت حد التهديد، كما يقول فيلم SERGIO .
الفيلم من إخراج غريغ باركر، وسيناريو كريغ بورتون، ومن بطولة فاغنر مورا بدور سيرجيو، وآنا دي أرماس بدور كارولينا لارييرا زميلة سيرجيو التي تعرف عليها خلال عمله في البعثات الدبلوماسية للأمم المتحدة ثم أصبحت لاحقاً حبيبته.
أحد أبرز أوجه الخلاف كان حول دور الأمم المتحدة في العراق، تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون هذا الدور بمثابة ستار يمنح المشروعية للاحتلال وممارساته لكن دبلوماسيا ثوريا مثل سيرجيو يرفض هذا الدور، حسب الفيلم على الأقل وانتهى به المطاف تحت أنقاض مبنى فندق القناة في العاصمة بغداد الذي كانت تتخذه الأمم المتحدة مقرا لبعثتها..
بصرف النظر عن الدور المشبوه الذي لعبه سيرجيو في انفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا، لكنه رغم علاقته الوطيدة بالمكتب البيضاوي كان شديد الحرص على احترام الإرادة الشعبية للعراقيين وإنهاء مظاهر الاحتلال، لكن الإدارة العسكرية الأمريكية كان لها رأي آخر، لذلك ظل سيرجو ورفيقه غيل تحت أنقاض مبنى الأمم المتحدة حتى فارقا الحياة بينما العاصمة بغداد تضج بجحافل الأمريكان أقوى جيوش العالم.
لا أدري ما الذي قادني للحديث عن سيرجيو والفيلم والهجوم الدامي على مقر الأمم المتحدة في بغداد؛ لكن الشيء بالشيء يذكر، فالأمم المتحدة تعد أحد أوجه النظام العالمي وأداة ناعمة لأقوياء العالم، وهي ذروة الإدارة الحديثة ورمز قوة الدبلوماسية الدولية، لكن البعض يحملها أكثر مما تحتمل، ويتوهم أن الحصانة الدولية لموظفيها يجعلهم قادرين على حل كل أزمات العالم بغمضة عين، بينما في الحقيقة ثمة تعقيدات عميقة في شغل الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها، ولا يعدو أن يكون كوادرها مجرد موظفين متفاوتي القدرات والمؤهلات ورغم الصرامة في معايير التوظيف ومدونة سلوك الموظفين الأمميين إلا أنهم في الواقع عرصة للإغراءات والتهديد في آن واحد ولديهم كأي بشر قابلية للاستقطابات لتمرير مواقف وأجندات وتحديد مصائر بلدان برمتها.
وبقدر ما تلعبه الأمم المتحدة من أدوار رائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية وما تمثله من قيم التضامن الإنساني؛ لكنها في الوقت نفسه تجسد حالة من الغبن وغلبة منطق القوة وغياب المساواة حين يُختزل مصير شعوب العالم في يد خمس دول.