مقالات

عالقون في منصات التواصل

24/02/2024, 07:16:34

توصف منصات التواصل الاجتماعي بأنها جزء من "عالم افتراضي" تمثله شبكة الإنترنت، لكنها تكاد أن تزيح "العالم الحقيقي" جانباً، وتأخذ مكانه كمجتمع افتراضي يستقطب طاقات البشر اليومية واهتماماتهم.

توقفت الصحف والفعاليات المدنية والاجتماعية خلال سنوات الحرب في اليمن، وهذا ما منح التواصل عبر منصات مثل "فيسبوك"، "تويتر"، وبجانبهما تطبيق "واتس"، أهمية استثنائية في اليمن خلال السنوات العشر الماضية.

المفسبك اليمني هو الثرثار الكبير حول موضوعات الدين والعلمانية والعلم والحروب والطب والموضة وزيجات الفنانين والفنانات. إنه جهاز استشعار لسيل يومي من المعلومات والمعارك الدولتية والشخصية.

"كنس المدخنة" هذه طريقة في العلاج النفسي. الكلام وتفريغ المشاعر، وما يخطر على البال.  

من هذه الزاوية تأتي نسبة كبيرة من كتابات اليمنيين على منصات التواصل الافتراضية، المساحة الوحيدة المتبقية للتنفيس، في مدن تكاد أن تكون سجوناً ضخمة لقاطنيها.  
التنفيس والسخرية والتهكم والثرثرة والكلام كيفما اتفق وحتى السذاجات، هذه نسبة مهمة من حجم ضخ يومي تجد فيه النقاشات الجادة، المعارك الشخصية، المعلومات المضللة، الادعاءات، الكتابات الإبداعية، وكل ما يخطر في بالك تجده معروضاً في عالم فرجة يُتْعِبْ متصفحيه ويستنزف طاقاتهم، ولا ينال منه التعب، ولا تنضب طاقته.  

هذه المساحة تتسع للجميع؛ للحقيقيين والزائفين، المثقلين بحس الانتماء الحقيقي لليمن، والمضللين الذين تحركهم شبكات إعلام إلكتروني موجّه، المترفين الباحثين عن تسلية، والمفقرين المعزولين والمجردين من كل وسائل الحياة الحقيقية.

- عالم فوق الواقع .. وديكتاتورية خفية   
 
نحن نعيش في "عالم افتراضي" فوق الواقع. يذهب جان بودريارد إلى حد القول ب "اختفاء الواقع"؛ وفي رأيه أن هذا ما يحصل جراء مضاعفة فعالية الإعلام الذي حوُل كل الحياة الاجتماعية، وكل الواقع إلى صورة يقدمها الإعلام.

إن ما يقدمه الإعلام ليس الواقع كما هو، ولا هو صورة عنه، بل هو صورة ولّدها الإعلام عن صورة أخرى هي بدورها مولدة عنه.

وهكذا ضاع الواقع في متاهة الصور اللامتناهية، المتخيلة والوهمية التي تروّجها الميديا. وبذلك يفقد الواقع وجوده، ويصبح تلك النسخ المصطنعة رقمياً عبر أجهزة الكمبيوتر. وعليه فإننا نعيش الآن في عالم "فوق الواقع" هو العالم الافتراضي.

في كتابهما عن "الإنسان العاري"، يتحدث المؤلفان ماري دوغان وكريستوفر لابي بإسهاب عن الديكتاتورية الخفية للرقمية.

هذا التمازج اليومي بين البشر والشاشات يجعلهم مكشوفين تماما:
"لقد أصبح سلوك الإنسان متوقعاً بسبب الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك فهو قابل للبرمجة والتوجيه. لقد كان بإمكان الشرطة، وكل الأجهزة السرية أن تعرف عن الناس كل شيء، إلا ما تقوله النفس لنفسها، فتلك مناطق ظلت عصية على كل الطغاة. أما الآن، فإن الفاعلين في الميدان الافتراضي "big data“ يعرفون عن المرء ما خفي عنه، أو ما لم يفكر فيه أبداً"

العالم لم يعد حياة الناس الحقيقية في الواقع، بل الصورة المعكوسة عنهم في شاشات يلهثون عدة ساعات يومياً للتحديق فيها.

البيج داتا، الخوازن الضخمة للمعلومات؛ يتتبعون خطوات الممسك بالشاشة، ويتعرفون على ميولاته الواعية واللاواعية، ويلتقطون تفاصيل "شخصيته" من الصور التي يشاهد، والبرامج التي يختار، وتلك التي يرفض  ومن الكتب التي يقرأ، والفقرات التي يقفز عليها؛ وبذلك لم يعد للفعل السياسي أي معنى، فاللوغاريتمات كافية في توجيه الرأي العام، وهي التي تحدد له توجّهه السياسي كما حددت له رغباته وشكل تحققها.

- الذكاء الاصطناعي ينصحنا بالتأمل!

التصفح وإدمان التحديق في مواقع التواصل وشاشة الموبايل هاجس يومي لغالبية الناس في عالمنا؛ أكنت تتحدث مع فلاح من قرية نائية في اليمن، أو تدردش مع تطبيق للذكاء الصناعي، حول آثار إدمان التصفح وحضارتنا الحديثة، سوف تواجه من يقترح عليك أن تتأمل، وتسعى إلى الصمت، وتتواصل بشكل أوثق مع الناس الحقيقيين من حولك، ومع الطبيعة، وتخفف من وقت حضورك في الشاشة.

نتعرض يومياً لتدفق مستمر من المعلومات ولا يوجد مقياس واضح لإبقاء الأمور تحت السيطرة، أو على الأقل يمكن التحكم فيها.

هل الناس المعاصرون مدمنون على تيارات المعلومات اليومية؟ كيف تكون المدخلات من الحضارة الحديثة شكلا من أشكال التشويش على عقولنا؟

زاوية تساؤل كهذه لا تصدر فحسب عن أمهات ريفيات لا يستخدمن شبكة الإنترنت، ومنصاتها وتطبيقاتها، يشعرن بالمعاناة من انهماك أولادهن في شاشات الموبايل؛ هذه النظرة تتفق معها أحدث تطبيقات العالم الافتراضي.

طُرِح هذا السؤال على تطبيق للذكاء الاصطناعي، وكانت إجابته حاسمة:
"نعم.. يمكن أن يصبح الناس المعاصرون مدمنين على تيارات المعلومات المستمرة والتشتتات التي تقدمها الحضارة الحديثة، ويمكن أن يؤدي هذا الإدمان إلى الشعور بعدم الراحة والقلق، ما يمنع الأفراد من السكون والوعي اللازمين للتعرف على طبيعتهم الحقيقية".

في سياق البوذية، يشير مصطلح "سامسارا" إلى دورة الميلاد والموت والولادة من جديد، التي تنشأ من الارتباط بالظواهر غير الدائمة والوهمية في العالم. من هذا المنظور، يمكن النظر إلى التيار المستمر للمعلومات والتشتتات، التي تقدمها الحضارة الحديثة كشكل من أشكال "السامسارا"، حيث إنها يمكن أن تخلق تعلقًا بظواهر العالم المتغيرة باستمرار وتمنع الأفراد من التعرف على طبيعتهم الحقيقية.

يمكن للمدخلات، من الحضارة الحديثة، أن تجعلك عالقاً بآراء وهويات معينة؛ يمكن أن يؤدي هذا التعلق إلى المعاناة والوهم، حيث يصبح الأفراد محاصرين في ازدواجية وصراعات العالم.

سؤال آخر وُجِه إلى تطبيق للذكاء الاصطناعي: هل يمكنك إعطاء 10 تغييرات محددة يجب أن يقوم بها الناس المعاصرون للتخلص من تيارات المعلومات والتشتتات، التي تقدمها الحضارة الحديثة؟

أجاب بعشر نقاط تُلخص كيف يمكن أن يحل "العالم الافتراضي" بديلاً لنا حتى ونحن نفكر في الوسائل الملائمة للتخلص من آثاره، والإفلات من سيل معلوماته.

يقول، ناصحاً المدمنين على تيارات المعلومات اليومية، وتصفح منصات التواصل: بالتأكيد، إليكم عشرة تغييرات محددة يمكن أن يقوم بها الناس المعاصرون للتحرر من تيارات المعلومات والتشتتات المستمرة التي تقدمها الحضارة الحديثة:


1- تقليل وقت الشاشة: الحد من الوقت الذي يتم قضاؤه على الهواتف المحمولة والحواسيب والأجهزة الإلكترونية الأخرى لتقليل التعرض للتيارات المستمرة من المعلومات والتشتتات.
2 - ممارسة التأمل: ممارسة التأمل اليومي لتنمية الوعي بالذات، والانفصال عن التيار الدائم للأفكار والمشاعر التي تنشأ في العقل.
3- قضاء الوقت في الطبيعة: تواصل مع العالم الطبيعي لخلق الشعور بالترابط والانسجام مع العالم.
4-اقرأ الكتب: اقرأ الكتب بدلاً من الاعتماد فقط على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر عبر الإنترنت للحصول على المعلومات.
5- ابتكر الهوايات: الانخراط في الأنشطة والهوايات التي تتطلب التركيز والاهتمام، مثل الرسم أو تشغيل الموسيقى أو البستنة.
6- الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي: ضع حدودا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وضع في الاعتبار إمكانية الإدمان والتعلق بالإعجابات والمتابعين، وأدوات القياس الأخرى.
7- ممارسة الحضور الذهني على مدار اليوم، أن تكون حاضراً في الوقت الحالي، وأن تشارك بشكل كامل في أي نشاط تقوم به.
8- الانخراط في محادثات هادفة: ابحث عن محادثات ذات مغزى مع الآخرين، بدلاً من الاعتماد فقط على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر عبر الإنترنت (هذه متوفرة في اليمن عبر مجالس القات).
9- ابحث عن الصمت: خذ استراحة من الضجيج المستمر، وتحفيز الحضارة الحديثة؛ لتنمية السكون والصمت.
10- تأمل في عدم الثبات: تأمل في عدم ثبات كل الأشياء، بما في ذلك تيارات المعلومات المستمرة والتشتتات التي تقدمها الحضارة الحديثة، لتثبيت الشعور بالانفصال والتحرر من التعلق.

في عالم كهذا، قدرتك على إدارة وقتك وطاقتك النفسية والعصبية يومياً هذه وحدها تقرر مصيرك وكل حياتك.

تواجه يومياً سيلا من المعلومات تقصفك دون توقف في شاشات التلفزة، الموبايلات، ومنصات التواصل الاجتماعي: أخبار، منشورات، قضايا، أحداث، آراء، هلوسات ومزاجات معروضة للفرجة في منصات مفتوحة 24 ساعة في 24 ساعة.

أن تأخذ ما يهمك، وتفلت من الدوران المستمر، ذلك هو امتياز لا يحظى به سوى القلة الناجية من اللهث اليومي في الشاشات.

مقالات

حلفاء أم محتلون؟

الأوضاع الاقتصادية الكارثية، التي نعاني منها اليوم، ليست سوى انعكاس أكثر بؤسًا وكارثية لوضع سياسي مخجل.

مقالات

أبو الروتي (8)

بعد أن وصلتني رسالة جدتي الغاضبة، التي تطلب مني فيها أن أخرج من المعهد العلمي الإسلامي وأدخل مدرسة النصارى، بقيت حائراً لا أدري كيف أتصرف!! ولا ماذا أفعل!!

مقالات

من اليمن إلى العالم.. حينما تتحدث الموسيقى

الإبداع الفني ليس مجرد انعكاس للمهارة، بل هو ظاهرة اجتماعية تتشابك مع ثقافة المجتمع وتاريخه وقيمه، في هذا السياق كان الحفل الأوركسترالي اليمني في العاصمة السعودية (الرياض)، الليلة الماضية، الذي حمل طابعًا ثقافيًا عميقًا، حيث قدّم المايسترو اليمني محمد القحوم، وفريقه الموسيقي، عرضًا أوركستراليًا فريدًا احتفى بالموروث اليمني ضمن إطار فني عصري يعكس تاريخ اليمن وثقافته العريقة والمتنوعة.

مقالات

متوالية مصائب اليمن!

بعد مرور كل هذه السنوات، لايختلف اثنان، ولا ينتطح عنزان على أنَّ الشرعية الرخوة سبب رئيسي في بقاء الحال في اليمن عصيًا على التغيير في اليمن "شمالاً وجنوباً شرقاً و غرباً "، شرعية رهنت كل أوراقها بيد السعودية والإمارات، وارتهنت وتعايشت مع الفساد والمفسدين بكل الطّرق وبكل أسف، وغرقت في الفساد العظيم، وماتت الوطنية في نفوس كل من ينتمي لها

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.