مقالات
"غاب اليمن فحضرت إيماءات بن سلمان"
نمارس بين حين وآخر جلدا شديدا للذات، ولكيان الشرعية المترهّل والمتنوّع، يحدث هذا بحُسن نية، وبسوء نية أحيانا من آخرين. لا خلاف على فساد الشرعية.
لا خلاف أيضا على أن هذا الكيان هو أردأ نسخة خرجت به السعودية والإمارات بعد سنوات من تصفية الشخصيات والقيادات الوطنية فيه.
العليمي، وهو فاشل بدرجة امتياز ودُمية السعودية، على رأس مجلس فيه ثمانية نواب متشاكسون وبلا صلاحيات، وواقع محطّم، محكوم بقِطع جغرافية ومليشيات.
تقديري أنّ مثل هذا واضح للجميع؛ لأن في الأخير كُلنا يعرف من يحكم، ومن يُدير.
يتجاهل الكثير هذه الحقائق والمُعطيات، بالقفز إلى النهايات والخلاصات التي انتهت إليها أوضاعنا بتشكيلة مجلس الثمانية فاقد التوحّد والصلاحيات.
لا نريد أن نرمي الفشل على الآخرين، ففشلنا واضح ومفهوم، ولكن هذا الآخر ليس الصومال ولا جيبوتي، فهو الدّولة العميقة والقوية في المنطقة، التي يهرول إليها أكبر زعماء العالم.
حين نتحدَّث عن المملكة، فإننا نشير إلى ترسانة أسلحة وملايين براميل النفط اليومية، وإلى نموذخ جاذب لأكبر دولة في العالم على مدى عقود بمغريات الثراء الفاحش.
من يتتبع سيرورة تعامل السعودية مع الأوضاع اليمنية، على مدى الخمس عشرة سنة الأخيرة، وتدخلها بمبادرة نقل السلطة، يدرك كم كانت حليفا لئيما، ومستمتعا بإغراق البلد في الدَّمار والفوضى.
في لحظات ومناسبات معيَّنة، وجدت السعودية أن الأمور بدأت تفلت من يديها، تدخّلت بقوة عسكرية خشنة لتغيير المُعادلة على الأرض.
لقد أقدمت بشكل صريح على تصفية الشخصيات التي لا تروق لها، وأبقت على هذه التشكيلة الحالية في الحُكم.
أنا لا أبرّئ ساحتنا الرَّخوة والمليئة بفائضٍ من المرتزقة، لكن مسؤولية السعودية أساسية في صناعة الجحيم لليمنيين.
نكرر دائما، ليس بالمال وحده، بل بالمؤامرات، والاغتيالات، والقصف الجوي.
والحال كهذا، يبدو من الطبيعي أن يغيب البلد عن أجندة زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى المنطقة، رغم كونه ملفا ملتهبا في البحر الأحمر.
البلد -كسلطة شرعية- صار ملفا صغيرا في قبضة ولي العهد السعودي.
من المحزن أن تحضر حفلات مديح وإطراء لكل حركات وإيماءات محمد بن سلمان في القمة من قِبل كتبة "اللجنة الخاصة"، في الوقت الذي نغيّب فيه عن أجندة الزيارة الأمريكية.
أصبحت هذه مهنتهم المثلى خلال سنواتهم في المنفى، لا أحد يستحضر مشاكل البلد الحقيقية إلا على سبيل النكايات والوشايات، وإن حدث فهو يأتي على هيئة كتابات طافحة بالنَّقد وجلد الذات.
تبرئة التحالف من جرائم القصف والغارات، وتدمير البنى التحتية، وإغراق البلد بالفوضى، وتشكيل مجلس رئاسي فاقد الصلاحيات، تتم بطُرق ووسائل مختلفة.
بعضهم جنَّد نفسه لمهاجمة طرف في الشرعية، واتهامه بسيل جارف من تُهم الفساد، وإعاقة مسألة التحرير.
بعضٌ آخر يهاجم الشرعية، ليس باعتبارها كيانا مولودا في المكان الخطأ، وأن تركيبتها منذورة للعطل والعمل غير المنسجم، بل باعتبارها سلطة خذلت المملكة، ولم تكن عند مستوى المرحلة.
آخرون موزعون بين هؤلاء وهؤلاء، تارة يتوجّهون بالنقد إلى المجلس الرئاسي، أو أعضاء محددين فيه، وتارة أخرى ضد الحكومة.
كل ذلك على حساب تمييع القضية الأساسية التي أنتجت وصنعت كل هذا الشتات والمنفى، بالمال والجبر العسكري.
الحقيقة، نعيش مرحلة تيه أظيم، وفقدان البوصلة، في ظل غياب أو تغييب ملف اليمن، وتنازعه بين أطراف مختلفة.
أضحت المرحلة كاشفة لحالات وتفاهات غير محصورة في مواقع التواصل الاجتماعي.
سبق لوزير حكومي أن تغزّل بمشيئة ولي العهد السعودي، كما أن هناك آخرين لم يتركوا أية مساحات للرّخص، ولا مقامات للتقدير والاحترام.
في نظر هؤلاء ورؤيتهم، لا مشكلة في أن تغيب اليمن، ومن الطبيعي أن تحضر حتى إيماءات بن سلمان كمنجزات للقرن، دون أي اعتبار لمواقفه من قضايا البلد، أو قضايا المنطقة المصيرية.