مقالات

عن الكتابة

02/05/2024, 09:08:59

تاريخ الكتابة هو محاولات مستمرة لتجاوز الهوة الفاصلة بين الإحساس الحقيقي والنص المكتوب. كل المشاعر الحقيقية هي في الواقع غير قابلة للترجمة.

في الكتابة الفلسفية استخدم فريدريك نيتشة أسلوب الشذرة المُكثفة لتقليص المسافة بين التفكير و«التعبير عنه» إلى أدنى مستوى.
أراد أن يتجاوز أسلوب الشروحات الأكاديمية والجدلية التي رأي أنها تشوّه حالة الفكر الحقيقية.

أسلوب المقطع النيتشوي لا يسعى إلى الإقناع  وإنما إلى نزع الأقنعة. أهمية الكتابة هنا لا تتحدد في ما يقول ويثبت، بل كيف يقول ويثبت.

أسلوب التفلسف بالمطرقة يتوخّى طَرْق ما يركن إليه المرء من أفكار وأصنام فارغة لتحسّ بخوائها. الطَرقْ في الجهاز العصبي للقارئ كي يحس بالإحساس نفسه الذي ولّد الفكرة في ذهن الكاتب، وهو ما يسميه جاك دريدا «المهماز» الذي يشق عنان البحر من مقدّمة السفينة.

«كلما اتسعت الروية ضاقت العبارة»، بهذه الجملة اختصر النفري، المتصوف والفيلسوف والأديب، عجز اللغة عن استيعاب المعنى والإحاطة بما يمور في النفس، وما يتوقد في القلب، ويلتمع في الإحساس.
"التعبير الحقيقي يخفي ما يجعله واضحًا"، هذا هو جذر تطوّر الكتابة الأدبية والإبداعية في كل مجال، وهو سبب استخدام الصورة، الحكاية، الرمز الذي يكثف المعنى ويرمزه، وهذا الترميز يصل أكثر من وضوح الكلام وشروحاته.

فن الرسم كذلك محاولة للتعبير عما لا يمكن للغة أن تعبّر عنه.
كتب ليوناردو دافنشي عن عجز الكتابة، وكثافة الرسم وقدرته المتجاوزة للغة، متهكماً من الكاتب وعدته اللغوية:

"أيها الكاتب، بأي حروف سوف تصوغُ هذا التمثيل كله الذي يصوغه الرسم ههنا، بمثل هذا الكمال؟ بأي حروف سوف تصفُ هذا القلب ما لم تملأ كتاباً؟ إنك كلما قطعت في الكتابة على المسودة شوطاً أكبر زدت ذهن السامع تشويشاً على تشويش!".


- خصوبة الذات.. ثراء الكتابة

ثراء الكتابة وأناقتها يتحددا داخلك أنت، وليس بنوع الحياة التي تعيشها.

طالما بقيت محتفظاً بعافيتك في داخلك، فإن كل ما يصدر عنك سيبقى خلاقاً ومتسماً بدفق الحياة. أن تكون بخير في داخلك ستكون كتابتك مُلهمة، وفائضة بالقوة حتى وهي تنظر في واقع بائس مليء بالهزائم، وتعمُّه المأساة من تحته ومن فوقه.

بالمقابل، إذا كانت روحك تالفة واستوطن الوهن والخور داخلك القصي سيتسم كل ما يصدر عنك بالوهن والانحطاط، وستكون كتابتك مريضة يتطاير الوباء من كل سطر فيها، حتى وأنت تكتب عن حياة فائضة في ثرائها المادي والإنساني.
في داخلك أنت تأخذ المشاهد شكلها وألوانها، وتكتسب الكتابة جودتها ورداءتها، على حد سواء.

الاحتمال الأكثر سوءاً لك ككاتب وكائن حي هو أن تصل إلى نقطة التشبع واللامبالاة أمام واقع يكرر نفسه يومياً، ويبقى في الدائرة المفرغة نفسها.
عندما تصل إلى وضع لا يستفزك فيه شيء فأعرف أنك انتهيت، قُضي عليك، ككاتب على الأقل، إن لم يكن ككائن حي .

احتمالان يفسرا خمود الانفعال وبرودة الكائن؛ إما أن جذوة الوجود قد انطفأت في قلبه، أو أن موجات الحياة المتتابعة قد أنهكته ونالت منه.
لا أحد يكتب شيئاً ذا قيمة إلا لكونه لا زال مهتماً، ولم يصل بعد إلى اللامبالاة.

حتى الكتابة التي تخوض في أدغال اليأس وتفلسفه لم يكن أصحابها يائسين في قرارة أعماقهم، وإن ظهروا كذلك من النظرة الأولى في سطح كتابتهم.

أجد هذا المعنى لجمال الكتابة، أيا كان موضوعها، في قول نيتشة: "كل الأشياء الجميلة تحث بقوة على الحياة، وكذلك يفعل كتاب جيد، كُتِبَّ ضد الحياة".

"الكائن الحي كائن محكوم بنظام اللاتوازن"، بالتعريف الديناميكي للقانون الفيزيائي، وبالتعريف الفلسفي للإبداع والخلق اللذين لا يأخذا إمكانيتهما إلا في التغيّر الدائم. إذا توازن الكائن الحي مات، فلا توازن إلا بالموت. أنت كائن تبديدي، فيزيائي، كل خلاياك في حركة دائبة، تأخذ من المحيط الطبيعي حولك الأكسجين والغذاء والطاقة، وتفرز ثاني أكسيد الكربون ومخلفات الهضم والخلايا الميتة وقمامة الدم.

موت الجسد هو التوازن؛ أن ينقطع تيار الحياة وتستقر خلاياك، وتتوقف الحركة الداخلة والخارجة عبرها، تماما مثل هذه، لديك حركة نفسية شبيهة بهذه الحركة الفيزيائية، فإذا توازنت "لا تتفاعل، ولا تأخذ، ولا تعطي، ولا تتغير" تكون قد مُتْ، وإن بقيت جثتك الفيزيائية.

- الكتابة والمعاناة

التحدّيات هي التي تنمِّي قوى العقل. إذا كنت سعيدًا طوال الوقت فلن تحتاج كثيرًا إلى تطوير عقلك، ويمكن أن يصبح مملًا.
كل صعوبة في الحياة تقدم لنا فرصة للحفر في أعماق الذات، واستنهاض قدراتنا الداخلية المغمورة. التجارب التي نتحملها تمكننا من اكتشاف نقاط قوتنا.

السعادة ورخاء الحياة مفيدة للجسد، لكن الألم والمعاناة، بحسب مارسيل بروست، هي التي تنمِّي قوى العقل.
الألم والمعاناة جزء من الحياة، ويوجد في الألم من الحكمة قدر ما يوجد في المتعة.

يرى نيتشه أن الألم مثل المتعة ينتمي إلى القوى الأساسية لحفظ النوع؛ ولو لم يكن كذلك لماتت هذه القوة منذ زمن طويل؛ وكونه يؤذي ليس حجة ضده، فتلك طبيعته.

لكي يبدع المرء يحتاج إلى تجربة تذهب به إلى أعماق ذاته، إلى حافة الأشياء وإطلالاتها باتجاه المجهول، الهاوية، والعدم الكبير.
أن يكون ذاته، وأن يعيش حقيقته، يعيش الحياة بأصالة وتلقائية وصدق وشغف.

ما هو استثنائي وإبداعي ليس إلا نتاجاً لحالة شغوفة جامحة: حب جامح؛ كراهية متأججة، أو حتى "حالة عُصَابْ"؛
حتى إنه يقال: من يمتلك "عُصَاباً" يتوفر على كنز.

العصاب ليس كافياً بحد ذاته لإنجاز حالة استثنائية إبداعية؛ فقد يهدره المرء في التشظِّي الذاتي.
غير أن المعنى هو أن أي حالة طبيعية ومتوائمة و"هانئة" لا تحفز الذات بل تطمرها تحتها.

وحتى القول الشائع إن المعاناة تولِّد الإبداع ليس صحيحا على عِلٓاته، وفي كل الأحوال؛

هو صحيح فقط من زاوية منطقية تقول: إن المعاناة والخبرة القاسية في الحياة تمكِّن صاحبها من الحفر في أعماق الذات، وتعظم من فرصه للوصول إلى منابعه العميقة.
وقد يحصل المرء على مفاتيح الحفر في أعماقه الشاسعة بواسطة حالة الابتهاج والفرح والاحتفاء بالحياة.

غير أن الاحتمال الأقرب دائماً ما يؤدي إلى ترافق حالة الحياة الميسورة البهيجة بقلة الإحساس الذاتي، وتزييف الذات.
أو بمعنى آخر؛ فقدان التجربة العميقة التي تفجّر قدرات الذات، وتستنفر كل كوامنها.

الألم والحزن واللااستقرار، تقدم فرصة للكاتب المبدع كي يصل إلى أعماق ذاته وإجادة الكتابة عنها.

ليس قانوناً أن تكون كل معاناة ملهمة، فبعضها يسحق المرء ويطفئ أنواره. ربما يكون أثر الألم وقسوة الحياة مرهونا بالفرد الذي يواجه هذه التحديات، ولكن الحياة القاسية والألم يقدما - ابتداء- فرصة للحفر في الذات والإشراق، أكثر مما يفعل الفرح والعيش الهانئ والسعادة.

الكتابة الفارقة هي تدوين لتجارب إنسانية عميقة وثرية.

المعنى العميق موجود في الحياة وتجاربها الغنية
وما فعله المفكرون والفلاسفة والشعراء والأدباء، الذين نحتوا أسماءهم في التاريخ، هو أنهم تمكنوا من نقل جزء من هذه التجارب الحياتية إلى كلام مكتوب.

- دفاتر الملاحظات

مضت أكثر من عشر سنوات لم أعد أكتب فيها على الورق. مع ذلك لا زلت أعتقد أن الكتابة بالقلم الحبر على الورق الأبيض أكثر عمقا من الكتابة على الجهاز.
في الأولى تكون سرعة الكتابة قادرة على مجاراة تدفق الأفكار. في الثانية تعيقك طريقة الكتابة، وتحول دون التمكن من مجاراة تدفق الأفكار.

ومع طول الاستخدام تعدل طريقة التفكير والتدفق نفسها بالتقليل من سرعتها لتلائم سرعة التدوين البطيء.
ومع أن الكتابة على الشاشات تشبه تماماً الكتابة على صفحة بيضاء، إلا أنها ربما تبقى عاجزة عن مجاراة تدفق الفكرة. تدفق الأفكار ليس معطى جاهزا ومكتملا ومؤرشفا في الذهن. ليس لدينا الخيار المفتوح لنحوِّله إلى نص مكتوب في اللحظة التي نشاء.

الفكرة، التي لا تدوِّنها في اللحظة نفسها، لا تبقى ثابتة في شاشة الذهن؛ تحل محلها سلسلة متواصلة من الأفكار والشذرات والانطباعات والتصوّرات؛ تتوه وتختلط بغيرها، ومن الصعب استرجاعها؛ لأنها أصلا لم تعد حاضرة في لحظة الذهن الآنية وتركيزها، لا تستعيدها إلا إذا ذكرتها، وتجدد الاهتمام بها في لحظة جديدة.

تعوّد أن تكتب الفكرة المهمة التي تقفز إلى ذهنك في اللحظة نفسها. أمسك برقبتها وسيِّل حبرها على الورق، أو في الشاشة الرقمية.
الفكرة التي تعتقد بأنها ستبقى في ذهنك تحل محلها أفكار أخرى، والتفكير اليومي.

كنت دائماً أصطحب دفتر ملاحظات يومية منذ دراستي الإعدادية والثانوية وبعدها؛ أي قبل أن أدخل إلى مجال الكتابة في الصحف الورقية.
علمتني هذه العادة كيفية تحويل الملاحظات اليومية من تدوين محكوم بالمزاج والحالة النفسية إلى تدوين محكوم بالفكرة الجديدة والملاحظة التي تفتح آفاق التفكير.

الومضة الخلاقة تتحوّل -إذا أمسكت بها- إلى مفتاح بإمكانك أن تفتح به آفاقا شاسعة في فضاء الذهن، وعالم الخيال.
تنفتح أمامك عوالم جديدة وآفاق لا حدود لها. هنا تكون المعرفة التي تلبِّي حاجاتك؛ ليس فقط للكتابة؛ وإنما الأهم لفهم ذاتك وما حولك أولا.

دفاتر الملاحظات هي الكتابة التي لا تأبه بالجمهور العريض؛ كتابة تستجيب لحميمية داخل الذات، بؤرة في الأعماق تتجمع فيها كل انعكاسات الحياة.
كل كتابة إبداعية تولد هنا في التوحد المطلق بين الكاتب وذاته غير آبهٍ بأحد خارجها.

أهم كتب فرناندو بيسوا، لم يكتبه ليُنشر في حياته؛ لم يعده ككتاب، ولم يخطط له متخيلاً وقعه على جمهور مفترض؛ كان انعكاسا لحياته اليومية ومونولوجاته داخل ذهنه وأحاسيسه، يهرب منها ليرسمها في فضاء الصفحات البيضاء؛ يتخفف من أحمالها.

في كتابه الأهم «اللاطمأنينة» نتعرّف على الكتابة التي لا تأبه بالكتابة؛ الكتابة كأنها حوار مع الذات؛ الكتابة كمحاولة حثيثة لخرق حجاب خفي يفصلنا عن حقيقتنا؛ الكتابة كتمرين عابث وبريء في آنٍ.
الكتابة التي سيتعذّر عليك الدخول في عوالمها إذًا لم تضع معاييرك كلها جانبا في أول صفحة؛ الكتابة بجناحي المتجرد من كل القياسات؛
الكتابة التي ستبدو لك كومة من الطلاسم حين تخطو إلى أفقها بذهن مكتظ بأزيز الرقميات؛ الكتابة التي تشترط عليك الوقوف أمامها نقياً صافياً كمن ألقى بالحياة كلها وراء ظهره.

لماذا تكتب يا فرناندو بيسوا؟
هذا ما وجدته من إجابة:
"لا ينبغي أن تعتقدوا أنني أكتب للنشر، ولا للكتابة نفسها،
ولا حتى لأصنع فناً، ولا لكي أجعل النثر يتألق ويرتعش؛ أكتب لأن الأمر هكذا. لكي أمنح برانية كاملة لما هو جواني،
ولكي أنجز على هذا النحو ما لم يتم إنجازه، مُصرِّفاً التناقضات، وواهباً الحلم الخارجي أقصى طاقة على الحلم الخالص".

ـ الكتابة في الراهن اليومي

في الحياة سلسلة لا نهاية لها من القضايا تتسع للتقديرات المتباينة باختلاف زوايا النظر ومنطلقاتها. وهناك وقائع واضحة لا مجال لتمويهها وإبهاتها وصرف النظر عنها بتوجيه عدسة الكتابة إلى مكان آخر بعيد عنها.

الحقائق ليست عجينة نشكِّلها كما نشاء. ومع ذلك؛ الكتابة المؤثرة ليست سيفاً بتاراً يحسم قضايا، ويخوض معارك يومية في حقول الجدب السياسي، والفضاء العام المدجج بالتوترات الهوسية. الكتابة المؤثرة تحدد اتجاه، لا أن تكون غارقة في الدائرة المغلقة للجدل اليومي.

الكتابة التي تهدف إلى التعبئة والتحريض تختلف عن الكتابة التي تتوخّى غربلة الرؤى المطروحة عن طريق إخضاعها لاختبارات العقل والمنطق. الأولى عمياء ومنفعلة، والثانية تنير الزوايا المظلمة، وتثري معرفتنا بمنطلقات الآراء المتباينة.
الأولى تغلق الأفق أمامنا وتعطل أفهامنا، والثانية تجعلنا أكثر قدرة على بناء رأي منطقي، وتحديد موقف عقلاني.

كتابة تستكشف الراهن، وتضيء جوانبه المظلمة، وتتجاوز اليومي، أو تقاربه من منظور فكري متحرر من أسر السياسي الآني، ولغته المستهلكة.

الفكرة الجديدة إذا لم تُخلق في سياق الجدل مع حياة الناس، وتُمْتحن في اشتباكها مع قضايا من لحم ودم، تغدو أشبه بحراثة براقة أنتجها صاحبها للفرجة والعرض، ينبهر بها المشاهد، ويمر بجانبها دون أن يُتاح له اقتناؤها واستخدامها لمنفعته.

الفكرة المُنْتَجة للاستهلاك الفرجوي المُبهر مؤقتة، وتوضع جانبا في تسارع قياسي لتحل محلها أخرى في عجلة يومية شبقة لا تكل ولا تمل، بينما الفكرة الخلاقة بإمكانها أن تحدد اتجاهاً يستمر زمناً ممتداً قبل أن تُبلى، وتتجاوزها الحياة المحكومة بالتغيير المستمر.

ذهنية الرطانة الفكرية الاستعراضية لا تفرق كثيرا عن العقلية الجدباء المستنزفة إلا في بريقها الخادع.

تختلف ذهنية الرطانة الفكرية الاستعراضية المشار باتجاهها في السطور السابقة، عن ما تظهره المواهب الجديدة المهجوسة باكتشاف نفسها من خلال التجريب، وإثبات ذاتها بواسطة التجديد، وتجاوز المألوف والراكد.
حيوية الجملة اللامعة عند المواهب الجديدة حالة تجاوز مستمر تنطوي على إمكانات لا حصر لها من التأثيرات الفعالة في ذات صاحبها والحياة التي يتشابك مع دفقها اليومي وإشكالاتها.

أما شبيهتها في المظهر ونقيضها في المضمون فتجسِّدها رطانة خاوية تغذو سِمة قارة ترافق صاحبها حتى سن اليأس؛ رطانة تولد كهوس مظهري للإبهار، وتتثبت لاحقاً كخواء لزج لا فكاك منه، خواء مزخرف يطبع صاحبه بطابعه، لا فقط ما يصدر عنه؛ رطانة كتابة لا تعدو أن تكون "كلاماً ساكتاً".

- خاتمة

نكتب؛ لأن الكتابة جهاز تنفس اصطناعي في زمن الكتمة والانهيارات المؤلمة.
نكتب؛ لنقول إننا ما زلنا أحياء.
نكتب؛ لنتحسس ما تبقّى من قدرتنا على التواصل.
نكتب؛ لنمنع اليأس من التسرّب إلى أعماقنا.
نكتب؛ لنهرب من عزلة تحتشد فيها كل أثقالنا.
نكتب؛ لنمنع أصداء الخراب من التسلل إلى دواخلنا.
نكتب كمن يصدر أصواتا تساعده على عبور ممر مظلم.
نكتب حتى لا نتثبت تحت الثقل المتجمّع في الرأس المتعب.
نكتب؛ لأنها الطريقة المتاحة لقياس النبض الخافت بين جوانحنا.
نكتب؛ لنرسم كلمات تقينا المرض.
نكتب؛ لنفلت من التحديق في أفق مغلق.
نكتب؛ لنوزع ضيقنا في الأرجاء المفتوحة.
نكتب؛ لأن الكلمات تتشكّل مثل يدٍ باردةٍ فوق جبينٍ محموم.
نكتب؛ لنشارك الكل هروبهم من قسوة الحياة إلى افتراضها في اللغة.
نكتب لنتحكم بآلامنا.
نكتب؛ لأن من المآسي والإعاقة والتحديات تأتي القوة في تدفقات متتالية.
نكتب؛ لنقول إن القدر المؤلم هو مصدر قوة لنا.
نكتب؛ لأن الكتابة فعل حياة.
نكتب؛ لأن عدم الاستسلام أبدًا أمام القسوة والمصاعب والعثرات هو السبيل الوحيد لتحويل الألم إلى نافذة نطل منها على أفق لا يُحد.

مقالات

أبو الروتي ( 10)

في أول يومٍ أذهبُ فيه إلى المدرسة (المعهد العلمي الإسلامي).. وفيما كنتُ أعبرُ بجوار السوق المركزي، وانعطفُ يساراً باتجاه "مدرسة السّيْلة" الابتدائية، شاهدت خمسة أطفالٍ شياطين يخرجون من الشارع الموازي للسوق المركزي؛ أربعة منهم بنفس عمري، وخامسهم أكبر مني، ومن أصحابه الأربعة، وكانوا جميعهم يشترون الرّوتي من فُرن الحاج، ويرونني هناك، لكن كبيرهم كان أول من لفت انتباههم إلى وجودي، وأول من صاح قائلا، وهو يشير إليَّ:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.