مقالات
عن كتاب "القيد والمروَد" للأستاذ والباحث سعيد الصوفي المخلافي
- بين يديّ الكتاب الصادر مؤخرا للصديق العزيز الأستاذ سعيد محمد قايد الصوفي المخلافي، الذي أهداني إياه بعنوان "القيد والمروَد" بفتح واو "المرود".
يحتوى الكتاب على 120 صفحة حجم متوسط؛ كُرِّس لتدوين مُذكرات واقعة الاعتقال السياسي، الذي تعرّض له المؤلف قبل قرابة 40 عاما "في عهد التشطير" بين عامي 1983 - 1986م.. الاعتقال على خلفية الصراع السياسي والعسكري، الذي انفجر، منتصف السبعينات، بين ما كان يُعرف بالنظام الحاكم في شمال الوطن، والنظام الحاكم في جنوب الوطن؛ ممثلا بالحزب الاشتراكي والموالين له من أحزاب ومكوٍِنات سياسية ذات التوجّه اليساري في شمال الوطن، التي تحالفت في ما كان يسمى بـ"الجبهة الوطنية الديمقراطية"؛ حيث اتخذت هذه الجبهة من المواجهات المسلحة مع النظام الحاكم في الشمال ومؤيديه.
واتخذت المناطق الوسطى ومناطق شرعب والعُدين مسرحا للمواجهات العسكرية بين الطرفين، إبان عهد التشطير، وقبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م.
- يستهل المؤلّف تصديره للكتاب بمقطع شعري لرفيق دربه الشاعر جازم سيف، وأسدى الشكر للقاص والروائي محمد عبدالوكيل جازم، ونبيل قاسم اللذين تعاونا معه على إخراج الكتاب إلى النور.
- يحتوي الكتاب على عدد من العناوين الفرعية كعلامات تذكرية للقصص والأحداث التذكارية.
.....
ـ يتميّز الكتاب بالسرد الشيِّق والممتع، وبحضور وتوهّج مُلفت لذاكرة المؤلف في تذكر ووصف تفاصيل الأحداث والأسماء والمواقف والرفاق الذين قابلهم، خلال رحلته حينها، وتجاه من ضمتهم معه زنازين الاعتقال؛ إضافة إلى التعاطف الحميم والاحتفاء والإشادة بالروح "الرفاقية" والود والعلاقات الطيّبة بين رفاق دربه، الذين يشاركهم ظروف الاعتقال، تلك المشاعر التي يبديها المؤلف وهو يصف الأحداث التي واجهته.
- سأحاول في هذه التوقّف أمام ثلاث محطات كمحتوى لما ورد في الكتاب:
- الرحلة صوب مدينة عدن:
- تعد عدن المحطة الأولى في مسيرة ذكريات المؤلّف..
- يصف المؤلّف رحلته إلى عدن في عام 1979 للدراسة فيها (دورة حزبية)؛ بناءً على مُذكرة وتوصية من منظمة الحزب في تعز؛ يشرح مسيرة رحلته إلى عدن برفقة إحدى الأسر المسافرة.
وفي عدن، يصف دهشته بالمعمار، وبعض معالم المدينة، وتشكّل فترة دراسته هناك، وفي قاعة الدرس اللقاء بعدد من الشخصيات القيادية؛ أهمها اللقا بكل من عبدالفتاح إسماعيل أمين عام الحزب الاشتراكي (جنوب الوطن)، وجار الله عمر القيادي للحزب الاشتركي في شمال الوطن؛ بالإضافة إلى عدد من رفاق دربه الذين كانوا يشغلون مواقع قيادية، ويتولون مسؤولية قيادة العمل السياسي والجبهوي في شمال الوطن.
- عقب إكمال المؤلف للدراسة في عدن، التي يتلقى فيها دورة دراسية حزبية، يقرر العودة إلى مقر إقامته في تعز.
وفي تعز، تأتي مدينة صنعاء هي المحطة القادمة للرحلة؛ يقرر مواصلة دراسته الثانوية فيها.
وفي صنعاء، بعد أيام من الوصول، سرعان ما يجد المؤلف أن رغبة البقاء في صنعاء بدأت بالتلاشي، وذلك -بحسب المؤلف - على أثر رسالة ذات طابع أمني يتلقاها من شخص لا يعرفه في أحد المقاهي؛ الامر الذي يستشعر معه المؤلف أنه بات مراقبا وملاحقا؛ مما يجعله يقرر المغادرة فورا صوب تعز؛ لكن تعز الذي اعتقد بأنها مصدر للأمان من الملاحقة الأمنية والشعور بالترصد والاعتقال، لم تمنحه هذا الإحساس طويلا.
وما هي إلا أيام معدودة، إذا بالمؤلف يقع في قبضة مجموعة من أفراد أجهزة الاستخبارات، وما كان يعرف سابقا بــجهاز "الأمن الوطني"، والشُّعبة التابعة له المُسماة "وحدة مكافحة الشيوعية"، كما يصف المؤلف.
- السجن:
يشكِّل السجن محطة افتراق حقيقي مع الحياة والحركة والحرية فوق الأرض، وتحت النور إلى حياة تحت الأرض بين الجدران المعتّمة وأطواق القيد والمرود، الذي يطوق يديه وأطرافه، وتحت قسوة ورحمة المحقق، والاستجواب والتعنيف والتعذيب الجسدي والنفسي، كما يصف المؤلف بغرض انتزاع الاعترافات.
وبقدر ما شكَّل السجن للمؤلف عنوانا للقسوة والحرمان، فقد شكل له إضافة، حيث يلتقى في السجن ويتعرف على عدد من رفاقه الذين كان قد سمع عنهم أو رفاق جدد.
يصف المؤلف طبيعة مكان وموقع اعتقاله، والسجون التي أودع فيها المؤلف.
وفي السجن، يسرد عددا من قصص المعتقلين، وأسمائهم من رفاقه، وتلك المواقف والآلام والحكايات والأوجاع والجراح، التي تطفح بها قصص التحقيق، ومحاولة
الاستجواب والقسوة، التي تعرّض لها، وطالت رفاقه؛ كاشفا عن صمود ومقاومة يصفها المؤلف، برغم أصناف عديدة من وسائل الترهيب والترغيب، التي كانت تمارس ضد المعتقلين، كما يذكرها المؤلف.
- كما يصف المؤلف المعاناة والمشقة، التي تتكبّدها أسر المعتقلين وأهاليهم وأقاربهم؛ بسبب التحفظ والإخفاء لأماكن احتجازهم، بالإضافة إلى الصعوبات في محاولة الوصول إليهم للمعتقلات بالزيارة أو الاطمئنان.
كما يستعرض الكتاب الأدوار والمسؤوليات، التي كانت قائمة آنذاك، حيث كان المؤلف هو من يتولَّى المسؤول الثقافي للحزب في كل من مناطق شرعب والعُدين.
- يُعد المؤلف سعيد الصوفي المخلافي أحد الأصدقاء الذين جمعتني بهم الدراسة الجامعية، وربطتني به صداقة طيّبة وحميمة، واهتمامات ثقافية وفكرية وعلمية وسياسية.
ويتميَّز عن كثيرين التقيتهم بالواقعية السياسية والمرونة والحوار وتقدير الاختلاف، وعدم الغلو والشطط السياسي.
كما يتميَّز بروح المثابرة في البحث العلمي والتحرِّي في المعلومة وروح حميمة إزاء أصدقائه، وكل من يعرفه.
وله عدد من الأبحاث الاجتماعية والسياسية المتميُزة.