مقالات

كلمة على غيمة

21/03/2022, 08:39:59

تبدو لي هذي الحرب، أحياناً، حُمّى ليلٍ مسعورة، أطاحت بالسكينة الزائفة في منطقة الحياد، بين غبار الخنادق.. وملاءات الفنادق.

وحيناً تبدو لي قصيدة حُبٍّ سريَّة، كتبها عاشقٌ يائسٌ مغمور، خبَّأها في قصعة البخور، ليُخفيها عن عيون النقاد.. وأنوف المُخبرين الأُميّين.

وحيناً تبدو حفلة شعارات تلطَّخت بها أعمدة النور المُطفأة.. والتصقت برؤوسٍ قابلة للطيّ والخواء.. وتدحرجت من أول النيون حتى آخر الكهف.

وتبدو لي حيناً رقصة جنٍّ أخيرة، دمدمت في منتصف الموت، على كومةٍ من جماجم رخوة، كلها مثقوبة من الخلف.. وملساء من كل الجهات.

سأُغلق باب خوفي على شغفي، وأترك هذه الحرب تعوي في عراء الفضيحة. وأنام ملء حريقي، لعلَّ الجحيم يُترجمني إلى لغةٍ لا يُجيدها القتلة.. يتحدثها الأطفال بطلاقةٍ مدهشة.. وتفهمها النساء الطريَّات كرائحة الخبز، كما يفهمن الإشارة الخفيَّة إلى زرّ الإضاءة بجوار السرير.

لم تعد هذي الحرب تبدو لي شيئاً، غير تلك الأسمال الملطخة بالخيانة، وتلك الأشلاء المعلبة في الخطابات والأخبار، وتلك الأحلام التي دهستْها مدرعة تقطع الطريق بين شارعين، في مدينة يقطنها أطفال لا يعرفون جدو نويل، وتحرسها أسراب من العصافير الملوّنة، صدر فرمان بتجنيدها في إحدى الجبهات.

تدور النهارات حول مدارها المغلق على خمس جهات وعشر جبهات وسبع دول. وتدور الليالي بلا هدفٍ، ولا شرفٍ، ولا بوصلة.

وإذا ما انتبهنا إلى دمنا، يتقطَّر من عورة أيامنا، تبدَّتْ لنا سيرتنا:

سوداء كالفضيحة.. شمطاء كالإشاعة.. وساخنةً كالمقصلة!

أقفُ مُنتصباً عند بوابة الستين.

لا شيء ينتصب في هذا الوطن، لا العمر الموغل في الأسى، ولا الحلم المُمرَّغ في الوحل، ولا الأمل الذاهب مع الريح ووراء الشمس.

لا شيء.. لا شيء سوى الموت والخراب والأمس.

قيل إن الظل لا يستقيم والعود أعوج.

من زعم ذلك لم يرَ حقيقة المشهد في هذا البلد. هنا يأتي كل شيء - ويستقيم - على غير ما اعتقد الأولون واللاحقون.

وقيل: لا تسل رجلاً عن راتبه، ولا امرأةً عن عمرها.

هنا، في هذا البلد، لا راتبَ للرجل.. والمرأة نسيت عمرها. 

في هذا البلد، لا تسل مواطناً عن حلمه. الحلم هنا جريمة، ونفق لا آخر له.

منتصباً عند بوابة الستين.

لكنني لم أستطع الاقلاع عن الحلم، عن الحب، وعن التدخين.

وفي وطن تسمى فيه الديدان أحزاباً، والفئران زعماء، والصراصير ساسة، ومزارع الدواجن جامعات، في بلد كهذا بات في إمكانك أن تطلق على المواطنين أرقاماً بدلاً عن الأسماء والألقاب والصفات.. أرقاماً تبدأ من الصفر، وتنتهي إليه إليه.

إن كنت على عَجَل، اطلق عليهم الرصاص، ثم انتحر.

عند بوابة الستين.

بالأمس مزّقت كمية من الأوراق يُطلق على بعضها نعت شهادات، وعلى أخرى مسمى قصائد وخواطر ومقالات، وعلى غيرها صفة وثائق هامة. شعرت - بل أوقنت - بعدم الحاجة إليها.

لا شيء.. لا شيء على الإطلاق في هذا الوطن ذو أدنى أهمية. 

كل شيء في هذا الوطن ليس أغلى من سعر نصف كيلو باذنجان ورُبع كيلو بامية.

مقالات

الوطن، الوثن.. وسارق الأحذية!

أحتاجُ إلى فُسحةٍ من التبصُّر الذاتي، أو قَدْرٍ من السلام الروحي، لتبيان الفرق بين الوطن والوثن، فقد تشابه الوطن عليَّ (أَمْ تُراه تشابه الوثن!) حتى بات الأمر ضرباً من الهُلام المتداخل بين قرص الشمس المجوسية وروث البقرة الهندوسية، يسقط هذا في نتن ذاك، أو ينأى هذا في الوعي ليصبح في هيئة ذاك في الوجدان!

مقالات

البكاء بين يدي مدينة تعز!!

لم تعد تعز تلك المدينة، التي نعرفها، لقد أضحت مدينة حزينة ذليلة باكية، رغم كل ما يحيط بها من جمال الطبيعة وعبقرية المكان، أضف إلى ذلك عبقرية الناس الذين يعيشون فيها بشكل متجانس منذ حُقب بعيدة، فهي مثلها مثل صنعاء وعدن من حيث التجانس بين فئات كثيرة من كل أنحاء اليمن

مقالات

مطهر الإرياني.. الشاعر الذي راكم على تغريبة اليمني وحكمة الفلاح وإرثه (1-2)

في كتابنا (الهجرة والمهاجرون في أدب اليمن - 2023 )، خصصنا مساحة لقصيدة "البالة" لمطهر الإرياني بوصفها أحد العناوين الصريحة لهذا النوع من الكتابة الشعرية الملتحمة بتغريبة اليمنيين الكبرى، وهي الهجرة، وقد حازت على شهرتها الواسعة بواسطة عملية التلحين والغناء التي قام بها الفنان "علي عبدالله السمة".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.