مقالات
لماذا تغيّرت سياسة الولايات المتحدة تجاه الأقليات الشيعية في المنطقة؟
في كتابه الدبلوماسية، أشار وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر (1923–2023)، الذي وُصف بثعلب السياسة الخارجية الأمريكية، إلى أهمية دعم الولايات المتحدة للأقليات في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الشيعة.
وكان ذلك في مطلع سبعينيات القرن الماضي، حين كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي، ولاحقًا وزير الخارجية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد (22 سبتمبر 1973 – 20 يناير 1977).
كيسنجر، صاحب فكرة تحويل إيران إلى دولة حاضنة للأقليات الشيعية في المنطقة، دعم وصول الخميني إلى السلطة في ما سُمي بـ"الثورة الإسلامية" عام 1978.
ومنذ ذلك الحين، تبنّت الولايات المتحدة نهجًا يقوم على تمكين الشيعة، خاصة عبر دعم إيران ضمنيًا كقوة إقليمية.
اتّبعت السياسة الأمريكية هذا المسار لعقود. فبدأت بإضعاف العراق – العدو الأكبر لإيران – عبر الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، ثم فرض الحصار عليه في التسعينيات.
وفي بداية الألفية الجديدة، سلمت الولايات المتحدة أفغانستان لحكومة شيعية موالية لها، ثم تدخلت عسكريًا في العراق عام 2003 وأسقطت النظام البعثي، بتواطؤ شيعي واضح، حيث لم يُبدِ الشيعة مقاومة تُذكر، بينما قاومت المحافظات السنية في شمال غرب العراق الغزو الأمريكي.
وهكذا، تحوّل العراق إلى دولة ذات حكم شيعي، خاضع لنفوذ إيراني مباشر. وفي اليمن، بدأت تحركات الحوثيين عام 2004 بدعم إيراني غير معلن، كان يُحضّر له منذ الثمانينيات.
وقد نجح الحوثيون في السيطرة على العاصمة صنعاء عام 2014، وسط اتهامات بتواطؤ أمريكي واضح. المشهد تكرر في سوريا ولبنان، حيث عزّزت إيران نفوذها من خلال ميليشيات شيعية على رأسها "حزب الله".
لكن خلال السنوات الثلاث الماضية، شهدت السياسة الأمريكية تحولًا استراتيجيًا تجاه المنطقة وتجاه إيران، في ظل تصاعد الصراع الأمريكي الصيني، واقتراب إيران اقتصاديًا وعسكريًا من الصين وروسيا.
هذا التحول دفع واشنطن إلى مراجعة سياساتها، بعدما رأت أن دعم الأقليات الشيعية لم يعد يخدم مصالحها الجيوسياسية.
انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، لتعود الأكثرية السنية "طالبان" إلى الحكم.
كما أبدت واشنطن دعمًا ضمنيًا لمحاولات تركيا والسعودية وقطر في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، بما في ذلك الضغط على نظام بشار الأسد.
وفي لبنان، سُجّلت خطوات نحو إضعاف حزب الله. أما في اليمن، فقد تدخلت الولايات المتحدة عسكريًا مؤخرًا ضد الحوثيين، بعد أن باتوا يمثلون ذراعًا إيرانية تهدد الملاحة الدولية كورقة ضغط ضمن المفاوضات النووية.