مقالات
مازال السلام بعيد المنال وسط أكوام الحرب..!
ضحكٌ كالبكاء وبكاءٌ كالضحك، ما يسمعه اليمنيون -طوال سنوات- عن أضحوكة السلام وبكائيات الحرب، منذ القصف الأول لليمن وعقلاء اليمن يعرفون تماماً أننا دخلنا في نفق مظلم لن نغادره لسنوات طويلة، وقبل ذلك حين تمَّ تهجيرْ سكان دمَّاج، وما بعد ذلك طريق طريق حتى وصول الحوثيين إلى عمران، وتسليمهم المعسكرات كلها، ودخول صنعاء، والاستيلاء على بقية المحافظات، الخاضعة لسيطرتهم اليوم، بعدَّة طقومات بطريقة دراماتيكية لم تحدث عبر التاريخ السياسي والعسكري، ثم التحالف الغريب الذي قام بينهم وبين صالح، الذي لم ينجح في الرقص فوق رؤوس الثعابين للمرة الأخيرة في حياته.
عندما كان يلوِّح علي صالح بالصوملة والأفغنة والملشنة، وتفكك اليمن إلى دويلات كثيرة، كان الجميع يسخرون منه، وخاصة الأحزاب، وها نحن اليوم نجد أنفسنا وقد تحققت كل نبوءات صالح ولعناته، ولقد انتقم من جميع الأحزاب، ومن جميع اليمنيين بمن فيهم أسرته، ويا له من انتقام!! ما عدا الحوثيين الذين حاربهم لسنوات طويلة في صعدة، ووصفهم بأبشع الخطابات في حياته قبل التحالف معهم، وحشد كل اليمنيين ضدهم، ومع ذلك تعاطف كلُّ اليمنيين مع الحوثيين ومظلمتهم، وها هم اليوم يدفعون جميعاً ثمن تعاطفهم، حتى أولئك النفر الذين ركبوا البيجوتات من كل اليمن إلى صعدة لإيصال تعاطفهم وشجبهم وتنديدهم بحرب نظام صالح على الحوثيين؛ ها هم اليوم منفيون خارج اليمن بإرادتهم وبغير إرادتهم.
لم يقرأ اليمنيون بشاعة التفكير، وبشاعة عقليات المليشيات، والمنطلقات السلالية الإمامية، وإدمان الحروب والقتل والدم، وتفجير الخصوم وبيوتهم لمجرد الاختلاف الفكري، ولم يقرأوا الملازم التي تضج بالسطحية والسذاجة والتفكير المريض في تفسير آيات الله.
هل كانت كل الأحزاب وشباب فبراير مغيبين حين قاموا بثورة 2011م، ولم ينظروا إلى أبعد مسافة ممكنة للنظر حول ماذا، ومن يتربص باليمن واليمنيين؟!
إنَّ السلام غير ممكن بين قوة تصعد وقوة تنتكس وترتكس كل يوم وليلة، بين قوة تدعمها كل أنظمة الاستعمار القديم والجديد، وقوة ترتخي وتتهاوى في كل المجالات، وينحسر نفوذها واقتصادها كل يوم وليلة مع بزوغ شمس المليشيات في كل اتجاه، وفي كل مدينة، وحلفاء أثبت التاريخ أنهم أعدى أعداء اليمن أرضاً وإنساناً.
ما الذي يجعل اليمنيين محبطين وغير مؤملين بسلام حقيقي في بلادهم سوى هذا التشظي والانقسام والتفتت والقوة الهشة والاقتصاد المتهاوي إلى الحضيض، الذي يفجعنا كل يوم وليلة، وسوى هذا الضعف القاتل والفساد المتواصل، في مقابل قوة متنامية عمياء في عاصمة اليمن صنعاء.
إن الشرعية لم تستطع أن تثبت، منذ سنوات، قدرتها على حكم مدينة واحدة وتقديمها كنموذج حي يستدعي التفات واهتمام كل الجاثمين تحت حكم المليشيات، سواء في عدن أو صنعاء أو شبوة، أو غيرها من المدن، بل إنها لم تستطع حكم شارع جمال في تعز، ولم تستطع حتى توحيد الخطاب الديني في مساجدها، والتعليمي في مدارسها، والإعلامي في وسائلها الضعيفة والهشة، وهلم جراً.
هناك حلقات كثيرة مفقودة ليتحقق السلام في اليمن، حلقات داخلية وحلقات خارجية، وهذا -على ما يبدو- غير مرغوب فيه من القوى الإقليمية والدولية حتى الآن، وفي المستقبل القريب المنظور، لقد اهتدت السعودية والإمارات إلى تلقين حزب الإصلاح درساً بالحوثيين بمباركة دولية، الذين أثبتوا -عقب ثورة فبراير- أنهم غير جديرين بحكم اليمن المليء بالتناقضات، وها هي اليوم الدول الغربية تلقن السعودية درساً بالحوثيين، ووجودهم في خاصرتها، أو ما يسمى "حديقتهم الخلفية"، ودعمهم بكل الطرق المباشرة وغير المباشرة، بصرف النظر عن علاقة الحوثيين بإيران، وزواجهم الكاثوليكي تقريباً.
وها هم السعوديون والإماراتيون يحاولون استرضاء الحوثيين بكل الطرق، وتقديم التنازلات تلو التنازلات في سخرية بشعة من قدومهم عام 2015م بدعوى استعادة الدولة الشرعية، في الوقت الذي يتصارع فيه الطرفان على جنوب اليمن، وزرع مليشيات موالية لكل منهما، وها نحن نشهد مراحل جديدة للصراع في اليمن، ووصول حالة الارتهان إلى أبعد صورها للأجنبي، مادام يدفع الثمن، فأصبح السعودي والإماراتي هو الذي يحرِّك خيوط اللعبة التي لا يبدو أن هناك نهاية قريبة لها، ولا نحتاج إلى ضرب الأمثلة لتوضيح ما وصل إليه اليمن من ارتهان خارجي، وعجر كلي عن اتخاذ أي خطوات تنتشل البلاد مما وصلت إليه.