مقالات
مُفتتح للعام الجديد
في البدء، كان الكلمة... وفي البدء،
علَّق أجدادي على أستار الكعبة قصائدهم..
وعلَّق أخوتي بيان نعي وخطاب عزاء..
وانتخبوا مكاناً قصيَّاً... وانتحبوا..
ولعنوا الزمان والمكان والأهل..
وفي لحظةٍ فاصلة،
بين جمرة الوعي.. ورماد الواقع..
مزَّقوني.. وفرَّقوا أشلائي بينهم..
وعادوا مبتسمين ألى خليلاتهم..
وبكوا عند أقدام أمي، قائلين:
- أكله الذئب!
.....
وكان أجدادي يصنعون آلهتهم من تمر، فاِنْ جاعوا أكلوها..
وصرنا نصنع زعماءنا من وهم، فإنْ حوصرنا قتلناهم..
ثم رجعنا نندب، ونندم، ونبحث عن زعامة أخرى كنا نناصبها العداء!
أنا لا أتشفَّى.. ولكنني أتشظَّى..
فمتى نعي ونرعوي ونتيقَّن من حقيقتنا الآثمة:
أن مآسينا كلها ليست من صنيعة الاستعمار والكهنوت والتشطير والشيوعية والرجعية.. إنما من صنعنا نحن في مبتدأ الأمر ومنتهاه..
حصلنا على استقلالنا عن سلطات الاستعمار، وعلى انعتاقنا من ربقة الكهنوت، منذ أكثر من نصف قرن، وهي فترة نقلت جميع الشعوب والدول من مجاهل التخلف ألى مراتب السؤدد.. ونظرة خاطفة في المحيط الجغرافي تكفي لاستجلاء هذه الحقيقة الساطعة..
غير أننا أدمنَّا العبودية والتخلف والضلالة والانتكاس.. فصارت فرصة التحرُّر وسوسة أبليسية، وخاطرة التقدُّم وشاية هندوسية، وامكانية الانعتاق جريرة مجوسية.. حتى أيدينا أدمنت التصفيق أكثر بكثير من الإنتاج والإبداع.
نحن شعب أصيل النخاسة.. عهدنا عُهرٌ وطُهرنا نجاسة!
.....
ولكن لم يبقَ من الأسئلة غير الرماد.. ولا بقيَ من الفلسفة غير دفتر أزرق الغلاف، أصفر الورق وأسود الحبر.. رميتُهُ منذ أكثر من ثلاثة عقود في ركنٍ قصيٍّ في المكتبة ونسيتُه.
قبل بضعة أيام فقط، تذكَّرتُه عندما لاحت خلال شقوق صدئة في الذاكرة أطياف شبحيَّة تتسلل من ثنايا كهف رابض في الخيال البعيد، كان يلجأ إليه سيّدي أفلاطون.
.....
ولذا، في الختام... كان الكلمة أيضاً.
وكان الكلمة عند الله.. وكان الكلمة الله.