مقالات
هل أصبح الحوثيون حقاً في دائرة الاستهداف؟
أكثر من مجرد الرّعب والفزع اللذين أحدثتهما الغارات الأمريكية على صنعاء، مساء السبت الماضي، فلا شيء يُذكر يمكن أن يؤثر على قدرة "جماعة الحوثيين"، وعلى استمرارها في استهداف إسرائيل، حتى ولو لمجرد المشاغبة عبر إطلاق مسيِّرةٍ هنا أو إسقاط صاروخ هناك على أرضٍ "فارغةٍ"، وكلُّها وسائل لا تقدِّم أو تؤخر شيئاً.
الرّد الأمريكي جاء -على ما يبدو- نيابةً عن إسرائيل، بشكلٍ مؤقت، إلى أن تنتهي الأخيرة من تحضيراتها للانتقام بنفسها من الجماعة على نحوٍ مضاعف وعنيف، كما تعهد بذلك بالأمس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين ناتنياهو، وقبله وزير دفاعه، الأسبوع الماضي.
الأمريكيون -كما هو واضح- لا يريدون القضاء تماماً لا على الجماعة ولا على قدراتها العسكرية كما يزعمون، وذلك بذريعة مراعاة الوضع الإنساني، وعدم خلق المزيد من العقبات أمام أي حل سياسي للصراع في اليمن، ولكن لم لا تُبقي واشنطن على الجماعة ورقةً للتلويح بها في أي وقت، أو فزاعةً لابتزاز دول المنطقة، وخصوصاً الجارة السعودية؟
غير أن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة لإسرائيل، التي وضعت الحوثيين في دائرة الاستهداف، ولن تتردد عن تصفية الحساب مع قيادة الجماعة طال الزمن أم قصر، في ضوء ما فعلته مع قيادات حماس في غزة وحزب الله في لبنان، كما قال نتانياهو، غير عابئة بأي أثرٍ يمكن أن يتركه تحركها ضد الحوثيين، سواء على الوضع الإنساني، أو السياسي، أو غيرهما، فالمسألة -في نظر إسرائيل- جزء من ثأرها مع إيران، ولا بُد أن إسرائيل ستحاول الإفادة من الدعم المطلق لها في ظل إدارة 'ترمب" المقبلة، حتى لو اضطرت إلى التصرف بمفردها مباشرة مع الحوثيين.
كل تحليلات الخبراء والمراقبين في لندن وواشنطن وغيرهما ترجح ذلك بقوة، سواء تم التوصل إلى وقفٍ لإطلاق في غزة، وتوقفت هجمات الحوثيين، أو لم يتم ذلك.
من وجهة نظر الإسرائيليين، وغيرهم في أوروبا والولايات المتحدة، فالحوثيون -لوحدهم حتى بمعزلٍ عن إيران- أصبحوا يمثلون "مشكلة" ليس للمنطقة وحدها بل وللأمن والسلم العالميين.
ولكن هل تتطابق حسابات هؤلاء مع الواقع على الأرض في اليمن؟ قطعاً لا، إلاَّ بواحدٍ من خيارين اثنين، إما باستهدافٍ مباشر وسريعٍ لقيادات الحركة، وهو أمرٌ غير مستبعد ولا مستحيل إذا ما تم الذهاب إلى استخدام تكنولوجيا التعقب والترصد، وتحديد مواقع تلك القيادات، واستهدافها على غرار ما جرى في غزة وجنوب لبنان.. وإما بالتحرك ضدها (براً) من محاور مختلفة عبر دعم خصوم الحوثيين، وهم في الواقع كثرٌ، متربصون وجاهزون حتى من داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ويسيمون سكانها سوء العذاب -كما يقولون.
بالطبع، الملعب ليس ممهداً تماماً للقيام بكل ذلك بسهولة، فالأرض التي يسيطر عليها الحوثيون شاسعة ومعقّدة جغرافياً واجتماعياً، وتختلف عن غزة وجنوب لبنان وسوريا، كما أن حروباً ضروساً ودورات عنفٍ خاضها الحوثيون -خلال العقدين الماضيين- راكمت من خبراتهم القتالية، وفي كيفية استخدام السلاح وتطويره، وفي الإفادة من التحصينات الطبيعية التي توفّرها لهم جغرافيا اليمن للتمويه والتخفي والاختباء، وإخفاء أماكن تخزين السلاح في الجبال والكهوف، وغيرها.
المشهد -على أي حال- لن يظل ثابتاً من كل النواحي تقريباً، والسيناريوهات، التي يمكن الأخذ بها، ستظل مرهونةً بتطور الأحداث ومفاجآتها، لكن المرجّح -في نظر كثيرين- أن العجلة دارت، وإن لم يكن من الآن توقع مسارها واتجاهاتها.
بعد "خراب البصرة" -كما يقال في غزة وجنوب لبنان وسوريا- وانكشاف هشاشة محور المقاومة الإيراني كله، وبعد تنصل "خامنئي" عن وكلائه لم يعد ثمة ما يْخشى من حدوثه، جراء مفرقعات الحوثيين والفصائل الشيعية في العراق.
الخشية في حال قيام إسرائيل بأي عملٍ انتقامي أن يتجاوز هذا العمل قدرات الجماعة، أو قياداتها إلى الإضرار بمصالح اليمنيين، وخصوصاً أولئك المغلوبين على أمورهم، الذين تدفع بهم الجماعة كل جمعة للتظاهر في "ميدان السبعين"؛ تأييداً بالإكراه لهجماتها في المياه الدولية، أو الأجواء الإسرائيلية (نُصرةً لغزة)!
يخشى يمنيون عديدون كذلك من فوضى عارمة محتملة إذا أدى أيٌ من السيناريوهات المرجّحة إلى حالة من الفوضى الأمنية في مناطق سيطرة الجماعة، التي تغلي بالكثير من رغبات الثأر والانتقام من ممارساتها.