مقالات

الطبيعة الخلابة والفحّامون

10/09/2024, 14:08:22

مازالت المقولة المشهورة "أن اليمن جوهرة بيد فحامين" تفرض نفسها بالطول والعرض، التي يقصد بها الحكام البلداء التواقون للحروب والدمار والقتل والحصار والفساد، حيث عجزت الطبيعة عن تهذيب نفوسهم، فما بالنا بالدّين والعقيدة، التي أصبحت تجارة رابحة بالنسبة لهم، وكذلك الفساد والإفساد في طول البلاد وعرضها.

وللأسف الشديد جدا، كلما زادت طبيعة اليمن جمالا خلابا زاد عدد الفحّامين والمتاجرين بكل شيء جميل في هذي البلاد، التي تحولت من السعيدة إلى التعيسة بحكامها وبمليشياتها وعصاباتها التي لا تنتهي، ولا تبدو في الأفق أي معالم على أنها ستنتهي في القريب المنظور.

ولذلك على اليمنيين إما التحلّي بالصبر لتتغير السُّنن التاريخية من تلقاء نفسها، وهذا يلزمه أجيال وأجيال، أو يكونوا هم الوقود التي تعيد الكرامة إلى ناصيتهم، وينفون التراب والحاكم الظالم من نواصيهم.

كل هذا الجمال المبثوث في هذا الكون، وعلى هذه الأرض، عاجز تماما عن اقناع الفاسدين في هذي البلاد بالعودة إلى صوابهم، وجادة الحق، وطريق العدل والمساواة، والشراكة  السياسية والديمقراطية، وتقاسم الثروات بين اليمنيين بالقسطاس.

طبيعة اليمن الخضراء أكبر وأجمل من كل الألوان السياسية والطائفية والسلالية.

لقد افتقدت اليمن، وافتقد اليمنيون الليالي المقمرة  والنجوم الزاهرة، والإحساس الخرافي بجمال اليمن، وأخفوا أرواحهم، ودفنوا وجوههم تحت البطانيات واللحافات؛ حتى لا تتلوث أرواحهم وأبصارهم باللون الواحد البغيض.

لقد قامت أنظمة سابقة بتكريس لون واحد مع هامش ديمقراطي محدود، وتحت السيطرة، لكنها لم تنجح للأبد.

القراءات التاريخية تشير إلى أقل من جيل لكثير من الأنظمة المعتوهة قبل انحطاطها وانحلالها، لكننا لم نرَ نظاما  يحمل بذرة فنائه من بدايته  كما هو الحال اليوم، ولكن -للأسف- ومن سُوء الحظ أن كثيرا من الظروف ساعدت هذا الكيان الفاني، ومنحته الحياة والبعث، والجميع يعلمها بلا شك.

ولعل غياب النموذج في طول البلاد وعرضها ساعد على نمو قوة غير مرغوب فيها، ومنحها القدرة على الإمساك بزمام الكثير من الأمور، وهو أمر عجيب وغريب، ولم يسبق أن حدث على امتداد التاريخ إلا نادرا، والغريب النادر لا يُقاس عليه.

خلال الشهرين الماضيين، تحولت الطبيعة في اليمن إلى جنة عدن تجري من تحتها الأنهار.

وللأسف، لا يجد المواطن اليمني الإمكانيات المادية  للانغماس بهذا الجمال الفاتن البديع، والتنقل في طول وعرض الجغرافيا اليمنية؛ بسبب الفقر والجوع، اللذين يرزح تحتهما ملايين اليمنيين، سواء كانوا موظفين أو مواطنين، ولم يتمكنوا من العيش الرغيد؛ بسبب الغلاء وانقسام العُملة والحصار الذي مازال يضرب وحدة البلاد والعباد، وها هي مواسم الزراعة وخيرات الأرض اليمنية الغزيرة تمر من أمام الناس وأعينهم وعيون أطفالهم وهم غير قادرين على شراء كيلو عنب أو رمان أو موز أو تفاح، الخ.. القائمة الطويلة لمنتجات وخيرات الأرض اليمنية.

مازال أكثر اليمنيين يعانون الشتات في بلادهم، وخارج بلادهم، ويحِنّون لمسقط روؤسهم وأريافهم، وسيظل هذا الشيء، الذي اسمه الحنين، يعذبهم لسنوات طويلة طالما بقيت الحال على ما هي عليه، وهي حال اللا حرب واللا سلم.

لم يعد اليمنيون قادرين حتى على التفوّه بكلمة "الحسم"؛ لأن أمورهم لم تعد بأيديهم بل بأيدي غيرهم، وتحول اليمنيون إلى عبيد حقيقيين لتلك الأدوات وللمال والفساد.

ستظل الطبيعة اليمنية الخلابة هي التي تُلهم اليمنيين استعادة وطنهم من أعدائهم الداخليين والخارجيين، الإقليميين والدوليين.

قبل عشر سنوات وأكثر، لم  يكن يخطر في أحلامنا وعقولنا -نحن اليمنيين- جميعا أن نصل إلى ما وصلنا إليه من الحضيض والسقوط، أو كما يقال: ولا في الأحلام والكوابيس.

إن هذا الكابوس، الذي ظل يتربص باليمن واليمنيين لسنوات طويلة، بحاجة إلى القلع من الجذور.

كابوس الجهل والفقر والمرض، الذي بقينا نتغنى بقلعه لسنوات طويلة، ولكننا صحونا على عودته بأقوى قوته، مستغلا الضعف والشتات والارتزاق والفساد كنتيجة حتمية لثلاثة وثلاثين عاما أسود بغيضا، فكم بحساب السنوات والجوع يحتاج هذا الشعب للتحرر والعودة إلى الطريق المضيء الصحيح، سؤال سيبقى معلقا على الألسنة، والسنوات، وأقدار اليمنيين.

اثنان وستون عاما على ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ولم يعد أحد يجرؤ على المطالبة برواتب الموظفين المنقطعة، منذ عشر سنوات  بفعل الحرب واللصوصية، التي سكنت حتى عظامهم!!!

مقالات

الوجْه الآخر للمملَكة

التحوّل والبناء، الذي يجري في السعودية، مُثير للاهتمام، لكن بقدر إثارته للاهتمام يقدم صورًا شديدةَ التناقض في جوانب أخرى.

مقالات

الاستعراض اللغوي والمعرفي

الكثير من الكتابات تشدنا إليها وتدعونا إلى الغَوص في أعماقها، وأساليبها المتباينة والمتنوّعة، وقليل من الكُتاب الذين يستطيعون الإمساك بزمام الأمور، وشَد انتباه القارئ من أول لحظة بالفطرة والثقافة الموسوعيّة، والإبهار المعرفي عن طريق الإبهار اللغوي، واللغة المكثّفة المُوحِية، وتنوُّع أساليب العَرض، ومناقشة قضايا جوهرية تتّصل بالوجود الإنساني، وإشكالياته المُعاصرة.

مقالات

أبو الرُّوتي

مثلما كان البَوْل يسيل منّي لا إرادياً، كان المُخَاط هو الآخر يسيل من أنفي لا إراديا مع الفارق، وهو أن البَوْل يسيل في الليل أثناء النوم، فيما المُخَاط يسيلُ في النهار وأنا يقظ؛ لكنه كان يسيل بطريقةٍ مَرَضيَّةٍ لكأنّ أنفي جُرح ينزف، وكان الذين يَعبُرون من أمام بيتنا -حين يبصرون السائل الفيروزي يجري في سائلة أنفي- يصرخون بي: "اتْمخَّط ياب".

مقالات

فلسطين جرح الإنسانية النازف

لا يمكن في الأصل أن نفّوت عند الحديث عن القضية الفلسطينية حادثة وفاة السنوار الأخيرة التي توجت بعد مسيرة صمود ونضال طويلة أسطورية بالشهادة. وذلك لشيئين واحدٌ منهما حزن الناس العام في الوطن العربي، الذين بكوا عجزهم، وصمت زعمائهم الخاذل للشعب الفلسطيني وقادته الذين تركوا في الأرض الفسيحة مهوى لنيران العدو مواجهين مصيرًا هو أقذر ما يمكن للبشرية أن تصل إليه من الممارسة العدوانية القائمة على سفك الدماء وتدمير المنازل وقتل كل مظاهر الحياة، كل الحياة، شجرها وحجرها وناسها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.