مقالات

بين السلام الواقعي والسلام الذهني

09/07/2021, 12:41:50

توضيح
لم أسعُ يوماً للنشر في موقع "خيوط"، لاعتبارات سياسية، وسيكلوجية تخصّني، إلا أنه وتحت طلب من الأخ العزيز لطف الصراري للكتابة معهم، سلّمت المادة، التي بين أيديكم، لهم، عبر إميل الأستاذ أحمد الجبلي، مع الالتزام بالشروط الفنية: أن لا تزيد عدد كلمات المادة عن 1500 كلمة. ولأسباب سياسية، وليست فنية، لم تنْشر المادة.. وبدوري أُقدّم المادة للقُراء الكرام لاكتشاف أسباب التحفّظ/ الاعتراض السياسي لعدم نشر المادّة، بعد طلبهم منّي الكتابة، والتي لبّيتها، تقديراً لشخص الطالب، وليس للموقع المذكور،
وهي دعوة منّي لكل مُهتم لقراءة الموضوع إلى استنتاج ما يحلو له من أسباب الاعتراض..


إن شعارات وبيانات السلام، التي تطل وتهل علينا بين الفينة والأخرى، سواءً بوعي قصدي أو بسلامة نيّة، تُوسع من دائرة الحرب، وتسهِّل تحرّكات أمرائها.
فشعارات "السلام"، مع انتشارها بدون رؤية نقدية (سياسية/ تاريخية)، لما يجري حقيقة على الأرض في كل البلاد، إنّما تقلّص من مساحة حضور السلام المُرتجى في الواقع، وتبقيه سلاماً معلقاً في فضاء القول المُجرّد، وهو ما تقوله تجربتنا السياسية مع شعارات "السلام" طيلة الست السنوات الماضية.


بل هو -حقيقةً- ما تقوله تجربتنا السياسية والعسكرية في ستينات القرن الماضي، حين كان البعض يرفعون في قلب العدوان على الثورة (السبتمبرية)، والجمهورية الوليدة (المحاصرة)، شعار "إيقاف الحرب" و"المصالحة" و"السلام" بدون رؤية سياسية وطنية واضحة.. كان البعض من رموز "الجمهورية القبلية" وبقايا الأحرار يرفعون هذه الشعارات ضداً على قيادة الرئيس السلال، ومن يقفون مع خياره السياسي الجمهوري، ومعارضةً ورفضاً للدور السياسي والعسكري التحرري لمصر عبدالناصر في اليمن، معارضةً بدأت مع مؤتمر "عمران" ومؤتمر "خمر" ومؤتمر "سبأ"، وغيرها من المؤتمرات السياسية والقبلية / المسلحة. كان شعارها "إيقاف الحرب"، و"المصالحة"، و"السلام"، حتى تحوّلت هذه الشعارات إلى نغمة سياسية/ أيديولوجية، ولم تكن مصادفة أن نجد رديفها أو مقابلها السياسي في جنوب البلاد -في الفترة ذاتها- في صورة شعارات مشابهة، بدءاً من مؤتمرات "لندن" لتسوية قضية "جنوب اليمن": مؤتمرات لندن 63 إلى 64، وحتى آب / أغسطس 1965م، على أساس من رفضهم خيار الكفاح المسلح لتحرير جنوب اليمن، ومن أن المفاوضات والحلول السياسية/ التسويات مع بريطانيا ستمنح جنوب البلاد استقلاله بدون حرب، (حرب الدراويش/ كما كانوا يطلقون عليها/ عبدالله الأصنج)، على أن تحتفظ بريطانيا بقاعدتها في عدن..

وهي تسويات سلاموية كانت تراهن على الخلاف السياسي التكتيكي، بين "حزب المحافظين"، و"حزب العمال" البريطاني، التسويات والمصالحات، التي كان يقودها عبدالله الأصنج، والسلاطين والمشايخ الكبار.
وبهذا المعنى، وفي السياق ذاته، جاءت وكانت التسويات في شمال البلاد، تحت شعارات إيقاف الحرب، والسلام، بدءاً من  مؤتمرات الاسكندرية - 14/9/1964م، وأركويت (السودان) - 9/10/1964م، واتفاقية جدة - 24/8/1965م، و"الطائف" - 31 يوليو 1965 إلى 10 أغسطس1965م، الذي تم فيه التنازل عن خيار الدّولة، والجمهورية، بــِ"الدولة الإسلامية"، وجميعها لمن يقرأ الخيط السياسي الرّفيع، والناظم لها، تطالب بتسويات سياسية فوقية ناقصة  للقضية اليمنية، باسم "السلام" و"إيقاف الحرب" و"المصالحة". تسويات فوقية "لا وطنية"، تحت شعارات سلاموية برّاقة. والنتيجة النهائية كان انقلاب 5 نوفمبر 1967م، الانقلاب الذي حول النّصر العسكري على الملكية (الإمامة) والرجعية العربية (السعودية)، والقوى الاستعمارية في انتصار السبعين يوماً إلى هزيمة سياسية ووطنية في 23/ 24 أغسطس 1968م، التي كانت خاتمتها ما يُسمى بــِ"المصالحة" و"السلام" مع الملكيين والسعودية، وعلى حساب الجمهورية والجمهوريين، في صورة ما يسميه البعض "مصالحة" في مارس 1970م.


وكأنّنا اليوم مع تاريخ يُصر على إعادة إنتاج نفسه في صورة مهزلة، ومأساة معاً، ولكن في قالب مسرحي دراماتيكي، وهو ما يشترك في صناعته قوى محلية (وكلاء)، وقوى إقليمية ودولية مقررة، تسويات نسمع عنها ولا نرى أنفسنا فيها، كما هو حاصل اليوم، وكله باسم السلام.
إننا مع أحاديث السلام الجارية اليوم، نجد أنفسنا أمام رطانة تبشيرية (قديمة/ جديدة) حول "أيقونة سلام" و"مصالحة" ممنوعة من الصرف السياسي في أرض الواقع، سلام كان وما يزال يذهب ولا يأتي سوى مجلل بعار الحرب، لأننا حقيقة نجد أنفسنا أمام شعارات تتحرّك داخل نطاق بيانات تستثمر في المأساة الإنسانية، ولا تبحث في الأسباب المنتجة للحرب في كل ساعة ويوم، ومظاهرها وظواهرها الكالحة تغطِّي وجه البلاد، من الشمال إلى الجنوب.
والشاهد على ذلك أن كل نداء حول إيقاف الحرب لا يقودنا سوى إلى مزيد من الحروب المتنقلة، حتى صرنا نخشى ونخاف من الأحاديث المائعة والملتبسة عن التسوِيات والمفاوضات، حين تبدّت لنا وكأنها الوجه الآخر للحرب، أو هي المقدّمة التالية للحرب.


وكل ما سبق، إلى جانب عوامل سياسية عديدة (داخلية وإقليمية ودولية)، هي التي تفسِّر لنا تقّدم العسكري على السياسي، وتحرّك العسكري عشوائياً، وانقياد السياسي لعشوائية العسكري، في واقع الممارسة، مما أضعف الإرادة، وغيّب الرؤية الوطنية، والاستراتيجية، وأضعف التنظيم المدني، وصادر العمل النقابي، وهو ما نراه في صورة صمت السياسي وانكفائه، -أقصد دور الأحزاب وقياداتها-  وجميعها من عززت مكانة العسكرة/ المليشاوية بدون رؤية، وشجّعت ممارسة السياسة بالحرب.
ولا خيار سوى بانتصارنا جميعاً لمشروع الدولة اليمنية الديمقراطية الاتحادية، التي بإمكانها فتح الباب الموارب لخيار دولة سلطة القانون (دولة المواطنة للجميع)، وإغلاق الباب الموارب/ التلفيقي، للحلول "السلاموية"، التي تجعل الحرب تتدحرج بين الحرب والحرب، بين هدنة وهدنة، وبين شعار "سلام"  يستديم الحرب.


إنهم - البعض- بخطابهم السياسي حول السلام الناقص، إنما كانوا بذلك يعتقلون فكرة وقضية السلام، في محاولة بائسة لاحتجاز قضية السلام، في كلمات ونداءات وبيانات مسلوبة الإرادة، وهنا تكمن مشكلتنا مع مثل هذه الخطابات الصورية/ التلفيقية حول مضمون ومعنى السلام.
إن أي دعوة أو حركة ضد الحرب، ومع السلام، إن لم تتمكن من تشكيل نواة حركة مقاومة مدنية سلمية ضد الحرب، وقواها السياسية والاجتماعية، وليس بإيقافها المؤقت، بالدعوة الشعارية باسم "السلام"، فإنها بذلك لا تستديم سوى سورة الحرب، وجعلها – الحرب - ممتدة إلى كل جغرافية البلاد، وللأسف تحت شعارات سلاموية لا معنى لها.


إن السلام حين يكون فاقداً لبوصلة الرؤية للحل يتحوّل فعلياً وسياسياً إلى سلام للاستهلاك اليومي، ومدخلاً لإعادة تدوير آله الحرب واستدامتها، وكلها باسم "سلام" لن يأتي سوى لتعزيز كفّة ومكانة الحرب، وقوى الحرب، عبر شعارات كلامية حول إيقاف الحرب.
إن نقل فكرة وقضية السلام من الخيال السياسي إلى الواقع هو الأمر المُهم، ولذلك ثمن سياسي وكفاحي يتهرّب البعض من الاقتراب منه، لأنهم يريدون سلاماً ناجزاً جاهزاً متقولباً في شعارات كلامية، وبدون عدة وعتاد للدفاع عن ذلك السلام المنشود.
لن تنهي الحرب شعارات مجردة "وعظيّة"، حول السلام، بل إدارة، وإرادة سلام حقيقية رافضةً مبدأ توريث الحكم (الولاية)، ومقاومة للاستبداد، والعنصرية، إرادة تقضي على جميع محاولات تحويل السلام إلى مصدر رزق مادي، أو ربح سياسي لهذا الطرف أو ذاك.


لا نريد الاختباء خلف أصبع الشعارات والنداءات "السلاموية"، بل طرح رؤانا السياسية الواقعية مع السلام الحقيقي، وضد الحرب، ومن يعوقون ويعرقلون قيام الدولة الاتحادية الديمقراطية "دولة المواطنة"، لحساب دويلات المليشيات، والمذاهب، والطوائف، والقبائل.
وهنا تحديداً يكمن سؤال السلام الحقيقي، بعيداً عن التنظيرات الدعائية حول "السلام المنقوص".
والأكثر إثارة للتساؤل، والحزن معاً، ونحن نتحدّث عن السلام وإيقاف الحرب، أن نجد أن من يتصدر - أحياناً- راية السلام قيادات ارتبط اسمها وتاريخها بالسلطة وبالحرب "والقتل"، من أجل سلطتهم الذاتية، أسماء تحاول غسل تاريخها السياسي الدموي، بتبنّي شعارات نبيلة تظهر وكأنها تتطهر من تاريخ سياسي يؤرِّقها، ولذلك تسعى لتدوير شعارات الدِّفاع عن السلام وإيقاف الحرب.

وهنا تكتمل صورة مأساتنا مع حديث البعض عن فكرة وقضية السلام، حين يتداولها البعض في سياقات لا علاقة لها بمعنى السلام وإيقاف الحرب.
إن المحتال هو الذي يُنصّب نفسه لأمر ليس له، ومناقضاً لذاته، أمر لا يعنيه حقيقة ولا يخصّه.

البعض -طوال عمره- يشتغل بعمارة ذاته الخاصة، بدلاً عن تصحيح عمارة ذاته الأمّارة بالسُّوء، وهذا الشغل ظل/ ويظل يلاحقهم طوال حياتهم.. ومن هنا ضجة، أو فضيحة أن علاقاتهم بالواقع لم تكن سوى بؤس.
إن الأفكار والمفاهيم العنصرية تتهاوى وتتساقط قلاعها وأركانها وأُسسها في كل زوايا العالم، وتسقط دولة الصين العلمية والصناعية الجبارة والصاعدة، تفوق عنصرية "العرق الأبيض"، بالتقدّم الاقتصادي والعلمي على مستوى العالم كله، نحو مستقبل دول مساواة "مواطنية"، إلا في بلادنا، حيث تدخل إلينا العنصرية ليس فحسب من الباب الواسع لاحتكار السياسة، والسلطة والثروة، بل واحتكار الحقيقة باسم "الحق في التفوّق العرقي" (الإلهي)، وهي أسئلة، وقضايا وإشكالات يمرّ عليها بعض دُعاة "السلام" كأنْ لم يكن!!


إن صمت البعض على ذلك يعني أنهم يرفعون شعار السلام الفارغ من المضمون، فوق حق الناس في الحُرية، والكرامة المواطنية والاستقلالية الذاتية، والإنسانية..  يعني أنهم في أعماق وجدانهم، وفي قرارة عقلهم الباطني ليسوا أحراراً بما يكفي، ومايزالون مشدودين إلى تاريخ كامن من العُبودية، والعنصرية، والاستبداد، وهنا تسقط جميع حُججهم، ودعاواهم حول شعار "السلام"، الفارغ من المعنى.
اجعل رجلك في أول الطريق الصَّح في اتجاه بوصلة السلام،
وعقلك يغذي الخطى نحو السلام الحق، وستجد نفسك تعانق تلقائياً حقيقة ما تريد.. ستجد روحك تصنع سلامك الداخلي وسلامك الوطني المُرتجى، وسلامك الإنساني الشامل.
يستحق اليمن تسوية - غير التسوية الأمريكية الخليجية - تسوية تقود إلى سلام سياسي واقعي .. سلام يرتكز على إنهاء شامل للحرب، سلام يستبْعد قوى الفساد، والعنصرية، والاستبداد، وليس إدخال اليمنيين في دوّامة هُدن حربية لا تتوقف إلا لتبدأ!!
ونقطة ع السطر.

مقالات

الحوثي.. وحشية بلا هوادة تفتت النسيج اليمني

لم يعد بيننا وبين الحوثي مساحة يمكن البناء عليها. لا رابط نقي يمكن ترميمه، ولا أرضية أخلاقية تصلح لحوار. ما فعله بهذه البلاد تجاوز حدود الخلاف، هوى بها إلى درك من الوحشية والتفكك، مزّق النسيج الاجتماعي، وحوّل الروابط إلى رماد. ارتكب مجازر لم توثقها كل الكاميرات، وقتل الآلاف بدم بارد. مارس انتهاك الكرامات، وسحق الحقوق، وزرع الخوف داخل كل بيت. من السجون خرجت صرخات لا تجد من يصغي، ومن البيوت خرج الناجون بلا ذاكرة، محملين بألم لا يُحتمل. لا يمكن توصيف الحوثي كجماعة مسلحة فقط، هو منظومة متكاملة لصناعة الرعب.

مقالات

فؤاد الحِميري: فبراير الذي لا يموت

عندما تتأمل قصائد وكتابات وأشعار فقيد الوطن وأديب فبراير، الأستاذ الثائر فؤاد الحِميري، تجد أنها جميعًا تصب في ينابيع مبادئ الحرية والكرامة ومقاومة الظلم. هذه المبادئ هي ذاتها الأهداف السامية لثورة 11 فبراير، ثورة الشباب السلمية اليمنية، التي كان الحِميري أحد أبرز شبابها وشاعرها الملهم.

مقالات

للورقة الباذخ بالشجاعة في جبال السلفية

أعتقدُ جازمًا أن طبيب الأسنان قد فخخ ضرسي تمامًا ببقايا تلك الهدايا التي أرسلها القذافي كعطيةٍ نفطيةٍ كريمة، ليجود بالحياة على من تبقّى بيدٍ واحدة أو بقايا أقدام، وهو يحتفل بأن النبض لا يزال فيه.

مقالات

قبائل برط الجوف: سوسيولوجيا التوظيف الإمامي للقبيلة

ليست هذه الورقة بحثًا مكتملًا، بقدر ما هي دعوة مفتوحة للباحثين والمختصين لتسليط الضوء على ظاهرة تاريخية مقلقة، تعود جذورها إلى أكثر من ألف عام، ولا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم. إنها ظاهرة توظيف قبائل معيّنة، وعلى رأسها قبائل "ذو محمد" في منطقة برط بمحافظة الجوف، كمخزون بشري عسكري في خدمة حروب الأئمة الزيدية في اليمن.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.