مقالات
عن الإنسانية المزيفة أو محاورة "جيرمي بنتام"
يعيش الشعب الفلسطيني هذه المأساة ويتعرض للتهجير ومحاولات الإبادة منذ عقود وحتى الآن، ولم يحصل على حقوقه بالمفاوضات مع المحتل المشهور بعدم احترامه للمعاهدات وقرارات الشرعية الدولية، وتتعاظم مأساته في ظل متاجرة ما يسمى بالمحور بالقضية، والخذلان العربي، والدعم الغربي لدولته الوظيفية، وعلاوة على كل ذلك يأتي بعض مثقفينا وباسم العقلانية والبراجماتية ليتبنوا موقفًا غير أخلاقي وغير إنساني من هذه القضية الانسانية، ويلقون باللوم كل اللوم على الضحية!.
أن تكون نفعياً حقيقياً لا يعني مطلقاً اعتمادك لمبدأ المصلحة والعقلانية في السياسة، فالمصلحة مفهوم واسع في ثقافتنا وعند الغير ربما، و قد يتضمن الكثير من الأبعاد بما فيها القيم الإنسانية برأيي، بل لعل بداية تبلور النفعية كمنظور واتجاه فكري واجتماعي لم يكن تماماً بهذا الشكل الذي تطور في أمريكا وأصبح على ما هو عليه اليوم من حيث الممارسات، والمنفعة كاتجاه تتضمن تصورًا فلسفيًا ماديًا بالتأكيد، ليس للسياسة فقط، وإنما لكل شيء حتى للمعرفة والأخلاق أيضاً، ولا تعرف أي قيم أخلاقية إنسانية ثابتة وإنما تهتم بالنتائج المادية المباشرة بشكل سطحي إجرائي دون الإلتفات لأي بعد معنوي أو إنساني، فلا تصدقوا مادياً حقيقياً (غير مقلد بدون فهم) يستخدم النفعية في التحليل ثم يتحجج باسم حفظ الأرواح ليبرر موقفه من رفض حق الفلسطينيين في المقاومة، ولتذكروا جيداً أنهم كانوا دائماً ضد هذا الحق حتى قبل هذه الأحداث.
إن أي فعل رافض ومقاوم في فلسطين حتى بالكلمة يثير حفيظتهم وحنقهم، ربما لأنه يعبر عن محاولة الضعيف لتجاوز موازين القوة نسبياً، والتعبير عن إنسانيته وكرامته وسعيه لتحقيق أي قدر من العدالة، في الوقت الذي يفترضون فيه أن عليه التكيف والإذعان، فتصرفه الرافض لاحتلال أرضه وطرده منها وسلب حقوقه رغم ضعفه غير عقلاني من وجهة نظرهم!.
أما رد الفعل المجنون والمبالغ فيه من المحتل فأمر معقول عندهم، فالقوة تعبر عن نفسها!.
لذا يوجهون اللوم الشديد للضحية حتى وإن كان فعله مدروساً إلى حد ما، وتفاجأ برد فعل غير متوقع لم يكن ليحدث أبدا في القرن الواحد والعشرين بما فيه من مؤسسات ومنظمات وإعلام، ولم يكن ليتم أو يستمر هكذا في أي عالم غير عالمنا الذي يقوده الجنون والنفاق ويعترف بالقوة وحدها.
ألا تلاحظون كيف أن البعض يستطيعون بسهوله تفهم سحق القوي لضحيته واستخدامه للقوة المفرطة فوق الحاجة وبلا ضوابط ولا قانون دولي وخارج أعراف الحروب، رغم كونه المحتل والمغتصب حتى وفقاً لقرارات الشرعية الدولية!، ولا يستطيعون تفهم جرأة الضعيف وبذله للجهد وصبره على تقديم تضحية معينة من أجل قضيته ونضاله وتجاوزه النسبي لواقعه! .
وحاشا أن يكون هذا الموقف نابعًا من عقلانية أو إنسانية وإنما هي رجعية جديدة تصنع إنسانًا مدجنًا لا يحرك ساكناً باسم العقل والإنسان .
ولو كان في المنفعة بهذه الطريقة التي أصبحت عليه مثقال ذرة من إنسانية، ما كان "جيرمي بنتام" رائد النفعية ومؤسسها حاول التلميح و التبرؤ من بعض الأفكار في آخر حياته بقوله: "خير لي أن أكون سقراط ساخطًا على أن أكون خنزيرًا راضيًا"..