مقالات

مستقبل الشرعية اليمنية إلى أين؟ (2-2)

19/05/2025, 08:48:39

في هذا الجزء الثاني من المقال، محاولة للتركيز على تحديات الوضع العسكري، حيث يدرك الحوثيون ومن ورائهم إيران أن مربعات الملعب تغيرت عسكريًا وسياسيًا في غير صالحهم.

لكن اللافت هو ارتباك “الشرعية” وترددها في التعامل مع الوضع الجديد الذي فرضته الحملة العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية الجارية ضد “جماعة الحوثيين” في مناطق سيطرتهم.

صحيح أن حسم الأمر، أمريكيًا، أمر متعذر دون عملٍ عسكري بري من قبل القوات اليمنية الموالية للحكومة، لكن ذلك ليس ممكنًا من غير دعم فعال من قبل واشنطن، التي لا تبدو متحمسة لما هو أكثر من ضمان عدم تعرض خطوط الملاحة الدولية وإسرائيل للمزيد من هجمات الحوثيين المتحالفين مع إيران.

تنفق “الشرعية” الكثير من الوقت والجهد للحضور في محافل دولية ومنتديات إقليمية، لكن هذه لم توفر لها فرصة كالتي توفرت خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للمنطقة.

كان مسؤولون عسكريون أمريكيون ويمنيون قد تحدثوا عن “جاهزية” القوات التابعة للحكومة اليمنية لحسم الأمر مع الحوثيين من خلال هجوم بري “منسق” ومتعدد المحاور والجبهات والجهات، يدعمه الجيش الأمريكي جوًا وبحرًا.

غير أن نائب وزير الخارجية اليمني، مصطفى نعمان، قال في تصريحات لمحطة “بي بي إس” إن الحكومة اليمنية طلبت من واشنطن مساعدتها لوجستيًا وماليًا لخوض الحرب البرية ضد الحوثيين، لكنها لم تتلقَّ أي رد.

تصريحات المسؤول اليمني لقيت ردود فعل متباينة، بين من اعتبر أنها تصب في مصلحة الحوثيين وتثبط همم الناقمين عليهم، ومن رأى أنها كانت مكاشفة واقعية وغير مجافية للحقيقة.

إذًا، ما يمكن فهمه من هذا أن التوجه نحو استعادة العاصمة صنعاء من خلال عمل عسكري بري، لم يعد مطروحًا بقوة كما كان عليه الحال قبل أيام، بعد أسابيع من بدء الحملة العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين.

ماذا على جوانب هذه الأزمة؟

المشهد العام يبدو أشد التباسًا وتعقيدًا. فأمام حالة الارتياب وانعدام اليقين هذه، يحاول معظم مكونات الحكومة الشرعية المتنافسة أو غير المنسجمة كما ينبغي، التموضع في مكانه بطريقتين: إما بالتمسك بما يقع تحت يده من أرضٍ ومقدرات وتحالفات داخلية وخارجية، أو محاولة التوسع بمشاريعه “الصغيرة الخاصة” ما أمكنه ذلك، خصوصًا في المناطق شبه (الرخوة) أمنيًا وعسكريًا.

يحذر رئيس الوزراء الأسبق، سفير اليمن حاليًا في المملكة المتحدة، ياسين سعيد نعمان، من أن “أي مكوِّن يواصل عمله خارج رحم الدولة، أو بمعزل عن منظومة الدولة القانونية والسياسية والإدارية، لن يستطيع أن يوفر مقومات بقائه على قيد الحياة، مهما كانت النوايا مخلصة، وأيًا كانت الحجة التي يستند عليها في تبرير هذه الوضعية، ومهما كانت إيجابية النتائج التي تتحقق على الصعيد الخاص المنعزل”.

ماذا بعد؟ وما الذي ينتظر اليمن؟

من الواضح أن فرص إحلال السلام في اليمن وعودته إلى حياته الطبيعية تضاءلت، وتتضاءل كل يوم بفعل تعقيدات إضافية، إقليمية ودولية، لا علاقة “مباشرة” لليمن بها. ولكن “القوة الناعمة”، أي الدبلوماسية، لا بد لها أن تعمل حتى في أسوأ الأحوال والظروف.

الهدنة “الهشة” التي توصلت إليها الأمم المتحدة عام 2022 مع بعض الأطراف اليمنية والإقليمية المنخرطة في النزاع “لا تزال تعمل” من وجهة نظر المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، في “وقف القتال العنيف آنذاك”، وإن لم تؤدِ إلى سلام دائم، إذ لا تزال المناوشات والاشتباكات مستمرة في مناطق التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.

وعلاوة على ذلك، يرى المسؤول الدولي أن تسييس الاقتصاد واستخدامه كأداة صراع أدى ـ في رأيه ـ إلى أضرار واسعة وغير تمييزية طالت الغالبية العظمى من اليمنيين. إن ما يحدث لا يقتصر على كونه غير مقبول، بل يهدد بشكل مباشر كرامة المدنيين وسبل عيشهم الأساسية.

أحاديث وتصريحات المبعوث الدولي تلقى هي الأخرى الكثير من الانتقادات، فالأحداث ـ في رأي البعض ـ تجاوزت نقاشات مكتب المبعوث في عمّان، ولم تعد تترجم إلى إنجازات ولو نسبية، حتى على الصعيد الإنساني، خصوصًا بعد تراجع مستويات الاستجابة لاحتياجات اليمنيين العاديين المتضررين من الصراع، وسحب العديد من وكالات الإغاثة الدولية لممثليها ووقف أنشطتها، وتعرض بعض موظفيها المحليين اليمنيين للاعتقال من قبل الحوثيين بتهمة “التجسس تحت غطاء العمل الإنساني لصالح أجهزة استخبارات أجنبية” معادية.

الخلاصة

ما يكابده اليمن، إذًا، ليس فقط أزمة معقدة على مستوى الدولة، بل كذلك على صعيد المجتمع، الذي بات يائسًا ومحبطًا، وذلك بحسب ما يطفو على السطح من السجالات الحادة بين القوى والنخب السياسية، وحتى الأفراد، وتضج بها وسائط الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ولكن ما بعد هذا من مصير لمستقبل الوضع برمته في اليمن، فكل ذلك بات مدعاة للحيرة والتساؤل: أين يذهب اليمن؟ وما الذي لا يزال ينتظره بعد كل ما عاناه من الويلات والكوارث؟

اليمن الكبير، إذًا، بلد الحكمة والإيمان، يعيش اليوم تيهًا سياسيًا خطيرًا، بلا رؤية واضحة، ولا قيادة سياسية كفؤة وموحدة، ويسير في طرقات ملغومة لعالمٍ مشغول عنه بمصالحه. ولا خيار أمامه إلا ما يتوافق عليه أبناؤه، سلمًا حين تتوفر الإرادة، أو حربًا إذا اقتضى الحال، فالوقت يمضي، والمعاناة كبيرة، ولا تحتمل الانتظار.

مقالات

الوحدة اليمنية يتيمة بين المتقاربين

في مشهدٍ لافتٍ وغير مسبوق، تراجعت مظاهر الاحتفاء بذكرى قيام الوحدة اليمنية. يحل عيدها الـ35 وسط حالة من التجاذبات والاستقطابات داخليًا وخارجيًا، انعكست سلبًا على مستوى الاهتمام المطلوب بمنجز وطني وتاريخي بقيمة وحجم الوحدة اليمنية.

مقالات

لماذا نحتفي بالوحدة؟

الوحدة في سُلّم القيم أرقى وأعلى من التجزئة، وعلى مستوى المصلحة، فإن بناء الدول أهم وأجدى، ويحقق قدرًا أكبر من المصالح، وتنوّع الإمكانيات ومصادر القوة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.