مقالات
من "ووترجيت".. إلى "بيغاسوس"!
يُعد التجسُّس والتنصُّت على خصوم الرأي والموقف من السياسيين والصحافيين والناشطين ظاهرة ليست قريبة المنشأ في تاريخ الأنظمة السياسية في أربع جهات البيضة الأرضية.
ولازالت "ووترجيت" مُعشّشة في الذاكرة السياسية والإعلامية الكونية.
ففي يوم 17 يونيو 1972م، تمّ القبض على عدد من معاوني الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، وهم ينصبون أجهزة تجسُّس وتنصُّت في مكاتب تابعة للحزب الديمقراطي (المنافس للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس نيكسون)، فيما كان الأخير يخوض معركة التجديد للرئاسة. وقد تدحرجت كرة هذه الفضيحة حتى اضطرت نيكسون إلى الاستقالة في 8 سبتمبر 1974م، وبالتالي محاكمته، ووصمه بالتورّط في أشهر وأكبر فضيحة سياسية في تاريخ بلاده.
وهذه الأيام تتشكّل ملامح فضيحة تنافس الأولى في حجمها وخطورتها. والفضيحة ترتبط بشركة إسرائيلية تُدعى NSO، مختصة بإنتاج وتسويق منظومة متطوّرة من الأجهزة والبرامج الاستخبارية والتجسسية، وبضمنها بطل الفضيحة: برنامج بالغ الدِّقة والتعقيد يسمى "بيغاسوس"، يُستخدم لاختراق الهواتف الذكية، ورصد المكالمات والرسائل الصادرة عنها والواردة إليها.
وقد تواترت معلومات وثيقة المصادر عن استعمال هذا البرنامج من قِبل جهات رسمية في عدّة دول (بينها السعودية والإمارات)، ضد خصوم مُفترضين (بينهم يمنيون!).
والخصوم المستهدفون - في هذه الفضيحة كما في كثير غيرها - هم سياسيون وإعلاميون ونشطاء حقوقيون ورجال أعمال، وقعوا تحت طائلتها منذ نحو 5 سنوات على الأقل، غير أن انكشافها تمّ مؤخراً.
وفي الوقت نفسه، تعرّضت صحف وقنوات دولية لهذا الانتهاك، مثل: قناة الجزيرة القطرية، وجريدة لوموند الفرنسية، وواشنطن بوست الأمريكية، وجارديان البريطانية، وغيرها قنوات وصحف مختلفة.
إن أعداد الهواتف، التي تمّ الكشف عن اختراقها حتى الآن، بلغت خمسين ألفاً، وبضمنها هواتف رؤساء دول وحكومات، كالرئيسين الفرنسي والمكسيكي، ورئيس الوزراء الباكستاني، عدا رؤساء مؤسسات سيادية هامة، ومجموعات استثمارية ومالية دولية كبرى.
ولازالت كُرة الثلج تتدحرج بسرعة وقوّة قياسيتين، ما يشير إلى احتمالات فضائحية مهولة خلال الأيام القليلة القادمة. ولا عزاء لكل مفاهيم الحرية والخصوصية والأمان.