صحيفة أمريكية: تصاعد هجمات الحوثيين يضع الغرب في مأزق ويربك الملاحة في البحر الأحمر

تضيق الخيارات المتاحة أمام القوى الغربية في مواجهة التصعيد البحري المتواصل من قبل جماعة الحوثي في البحر الأحمر، وسط إخفاق الضربات العسكرية المتكررة في وقف الهجمات أو الحد من تأثيرها على حركة الشحن الدولي.

ويشير تقرير نشرته صحيفة The New York Sun إلى أن الحلول المستدامة قد تقتضي ممارسة ضغوط مباشرة على إيران، الداعم الرئيسي للجماعة، أو دعم قوى محلية داخل اليمن قادرة على تقليص نفوذ الحوثيين ميدانياً، في ظل غياب أي مؤشرات على تراجع وشيك في وتيرة التصعيد.

ويرى مراقبون أن الحوثيين باتوا يوظفون الهجمات البحرية كجزء من إستراتيجية أوسع تتجاوز الرد على الحرب في غزة، لتصبح أداة ضغط سياسية واقتصادية تمس المصالح الغربية بصورة مباشرة. ويؤكد محللون أن الجغرافيا البحرية، والدعم الإيراني المتقدم، والانقسام الدولي بشأن سبل الرد، كلها عوامل منحت الجماعة قدرة غير مسبوقة على التأثير.

وقد شنت الولايات المتحدة أكثر من ألف ضربة جوية وبحرية منذ أكتوبر 2023 ضمن عملية "الفارس الخشن"، إلا أن تلك العمليات لم تمنع الحوثيين من مواصلة هجماتهم. بل على العكس، شهد يوليو الجاري تصعيداً لافتاً تمثل في غرق سفينتين تجاريتين هما MV Tutor وMV Verbena، ما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد طاقميهما، وأثار موجة قلق واسعة في أوساط صناعة الشحن البحري.

وتسببت الهجمات الحوثية في ارتفاع كبير في كلفة التأمين على السفن العابرة للبحر الأحمر، مع إضافة رسوم مخصصة لـ"مخاطر الحرب"، وهو ما دفع العديد من شركات الشحن العالمية إلى تجنّب المسار البحري التقليدي عبر مضيق باب المندب، واختيار طرق بديلة عبر رأس الرجاء الصالح رغم التكاليف والوقت الإضافيين.

الخبير الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بهنام بن طالبلو، يرى أن الحوثيين تمكنوا من فرض كلفة استراتيجية على خصومهم بتكتيكات منخفضة الكلفة، مما يجعل ردعهم أكثر تعقيداً. 

وأضاف أن الجماعة تعتمد في عملياتها على أدوات فعالة وبسيطة مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ما يجعلها قادرة على الاستمرار في الهجمات رغم الضغط العسكري.

بدوره، شبّه الخبير البريطاني إدموند فيتون-براون المواجهة الحالية بلعبة "ضرب الخلد"، مؤكداً أن الحوثيين نجحوا في تطوير قدرة دائمة على المناورة والتهرب من الاستهداف، مستفيدين من أنظمة خداع إلكترونية وتكنولوجيا بحرية متقدمة يُعتقد أنها إيرانية المصدر.

وتخلص الصحيفة الأمريكية إلى أن الهجمات الحوثية لم تعد مجرد رد فعل ظرفي، بل باتت تشكّل استراتيجية طويلة الأمد، تستثمرها الجماعة لتعزيز مكانتها الإقليمية، ولفرض تأثير سياسي واقتصادي واسع يتجاوز حدود اليمن.

ويُعد البحر الأحمر واحداً من أهم الممرات الملاحية العالمية، حيث يمر عبره نحو 12% من التجارة البحرية الدولية، بما في ذلك صادرات النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا وأمريكا. 

ومنذ اندلاع الحرب في غزة أواخر عام 2023، صعّدت جماعة الحوثي هجماتها على السفن التجارية وناقلات النفط في هذا الممر الحيوي، تحت شعار الضغط على إسرائيل وحلفائها لوقف العمليات العسكرية في القطاع.

غير أن هذه الهجمات سرعان ما تحولت من رد فعل محدود إلى سياسة ضغط أوسع نطاقاً، استهدفت مصالح غربية متنوعة، وأربكت حركة التجارة العالمية برمتها، ما دفع الولايات المتحدة وشركاءها لإطلاق عمليات عسكرية في محاولة لتأمين خطوط الملاحة.

وبرغم تنفيذ مئات الضربات الجوية والبحرية ضد مواقع ومنصات إطلاق الحوثيين، لم تفلح هذه الجهود في إنهاء تهديداتهم أو الحد بشكل ملموس من قدرتهم على استهداف السفن.

ويُعزى ذلك جزئياً إلى الدعم العسكري الإيراني، الذي مكّن الحوثيين من استخدام تقنيات أكثر تطوراً مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بعيدة المدى، فضلاً عن أساليب التمويه والخداع الإلكتروني.

وقد أسفر استمرار الهجمات عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف الشحن والتأمين البحري، بينما لجأت بعض الشركات إلى تغيير مسارات سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، رغم زيادة الكلفة ومدة الرحلة.