تقارير

أُسر في مدينة تعز تعيش ظروف المجاعة

03/07/2021, 07:58:54
المصدر : خاص - هشام سرحان

تُقيم أم رياض (25 عاماً) مع طفليها في دكان صغير وسط مدينة تعز، ويعيشون ظروفاً قاسية، وأوضاعاً مادية ومعيشية بالغة السوء والتعقيد، إذ تقتصر وجباتهم الغذائية على الشاي والروتي أو الخبز، الذي تُعدِّه من المساعدات الإغاثية، التي تتلقاها، في حين يصعب عليها ذلك أحياناً لشحة الغاز المنزلي وغلاء أسعاره، وعدم توفُّر المال لديها لشرائه.   

تقف مع صغيريها على بُعد خطوة من الجوع، الذي ينهك قواهم البدنية، وسط مسكن متواضع يفتقر إلى التهوية والفرش والبطانيات والملابس والإضاءة والأدوية، ولا يحوي سوى القليل من السُّكر والشّاي والزيت والقمح وعددٍ من العُلب البلاستيكية المليئة بالماء، الذي تجلبه من أحد الخزانات الخيرِيّة المجاورة. 

تسُوء أوضاعهم الإنسانية والاقتصادية والصحية يوماً بعد آخر، وتتفاقم معاناتهم، كما يحدِق بهم الفقر وشدّة الحاجة، في ظل عدم قدرة عائلهم على الإيفاء بالتزاماته، جراء ندرة الأعمال والمساعدات، ومصادر الدخل، وغلاء المعيشة، ما يزيد من مأساوية أحوال هذه الأُسرة، ويدفع بها نحو المزيد من التدهور، في ظل الأوضاع الراهنة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانهيار قيمة العُملة المحلية. 

يتطلّعون نحو الحصول على وجبات غذائية مناسبة، كما يشتهون العصائر والفواكه والحلويات، حسب ياسمين التي تنفي حصول طفليها على الغذاء والدّواء المناسب، ما أثَّر على نموِهما وبنيتيهما الجسدية، وتسبب لهما بالضَّعف، وعدم القدرة على السير بأقدامهما، رغم تجاوز عُمر أحدهما العام والنِّصف. 

تعاني الكثير من الأُسر في تعز شبه مجاعة، في حين تقف أخرى على بُعد خطوة واحدة منها، إذ تشهد هذه المحافظة  أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي، ويضعها 'برنامج الغذاء العالمي' التابع للأمم المتحدة في مرحلة الطوارئ: المستوى الرابع من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، إلى جانب ثماني محافظات هي: حجة، والجوف، وعمران، والحديدة، وريمة، والمحويت، وصعدة، وذمار. 

يعيش عشرات الآلاف في عموم البلاد ظروفاً شبيهة بالمجاعة، فيما يقف 5 ملايين تقريباً على بُعد خطوة واحدة منها، طبقاً لتقارير دولية حذّرت من حدوث مجاعة مدمِّرة، وأرجعت تزايد حدَّة الجوع في البلاد إلى تصاعد وتيرة النزاع منذ العام 2015، ما أدَّى إلى نزوح الأُسر للمرة الثالثة أو الرابعة، كما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى 200 %، مقارنة بما قبل الحرب. 

وجبات متواضعة 

أضحى -حالياً- الغذاء بعيداً عن متناول الملايين في عدّة محافظات، بينها تعز، التي يقتصر فيها اهتمام أولياء الأمور على تأمين قُوت يومهم الضروري، في حين يستبعدون المتطلبات الأخرى من قائمة اهتماماتهم، ومع ذلك قد تجد في هذه المدينة من يعجز عن توفير الطعام الصحِّي والكافي لأُسرته، التي تعيش على وجبات متواضعة وغير مكتملة، لأسباب مختلفة، بينها انقطاع الرواتب، وغياب فرص العمل. 

يقول المواطن عبدالله أحمد (58 عاماً)، موظف حكومي انقطع راتبه منذ بداية الحرب، لموقع 'بلقيس': "أعيش مع 7 من أفراد أسرتي ظروفاً صعبة وقاسية، ووجبتنا الرئيسية، في أغلب الأيام، لا تتعدّى الخبز والسحاوق والزبادي". 

وأضاف، وهو طبيب بيطري: "رغم كُبر سِني، ومعاناتي من عدة أمراض مُزمنة، أجبرني انقطاع الراتب على العمل في تنظيف أحد الجوامع مقابل أجر زهيد، لا يمكّنني من توفير أبسط المتطلّبات المعيشية". 

تتوسّع يوماً بعد آخر دائرة عجزه عن إطعام أسرته، وتعليمهم، وكسوتهم، وتوفير مصاريفهم، وسداد إيجار المنزل الذي يقيمون فيه، ناهيك عن شراء المواد الأساسية، التي يعتمد في تأمينها على معونات الأصدقاء، أو مساعدات بعض المنظّمات، التي قد تكون أحياناً تالفة ومسوِسة، ومليئة بالحشرات، كما يقول. 

لم يعد يتذكَّر أحمد آخر مرّة اشترى فيها فواكه أو عصائر أو حلويات لأطفاله، الذين يرغبون في الحصول على القليل ممّا لدى البعض من جيرانهم الميسورِين، الأمر الذي يُؤلمه كثيراً، ويتسبب له بمضاعفات صحيّة متعددة. 

يقترب مع أسرته من المجاعة كثيراً، كغيره من المواطنين، الذين أفقدتهم الحرب رواتبهم ووظائفهم ومصادر دخلهم، في بلد فقَد فيها قرابة 600 ألف شخص أعمالهم، وانقطعت رواتب أكثر من مليون موظف، معظهم في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية.  

ملامح 

وتتعدد، في مدينة تعز، الأُسر التي تعاني شبه مجاعة، وهذا ما خلص إليه موقع 'بلقيس'، في زياراته الميدانية المتعددة، التي اقترب فيها من العديد من الناس، واستمع لمشاكلهم وهمومهم، التي لخّصها المواطن والموظف لدى أحد المكاتب الحكومية، إذ أوضح لموقع 'بلقيس'- دون أن يفصح عن اسمه-: "أنا وأُسرتي على وشك الموت جوعاً، وغالباً ما أصحو مع أطفالي وزوجتي ولا نجد شيئاً لنأكله".

وأضاف: "راتبي منقطع منذ سنوات، ولم أجد عملاً يمكِّنني من توفير لقمة العيش لعائلتي، التي تعاني كثيراً، وتفتقر لأبسط متطلّبات العيش، من غذاء ودواء وملابس وغيرها". 

تتدهور أوضاع أُسرة الرَّجل الخمسيني، ويطول بحثه عن سلة غذائية مجانية للهروب من همومه، وتفكيره المتواصل بسد رمق أسرته، وتوفير جزء ولو يسير من قوتها اليومي، وهو ما يصعب عليه في ظل تصاعد حِدة الحرب، وتفشّي فيروس 'كورونا'، والتدهور الاقتصادي، وانهيار سعر الريال المحلي، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وهي عوامل مقلقة للمهتمين بالشأن الإنساني، لزيادتها في مستوى الجوع الحاد. 

يُفاقم ذلك من استمرار العوامل المسببة لانعدام الأمن الغذائي، ويزيد من هشاشة الأوضاع في البلاد، ويجعلها معرّضة -وبشدة- لتفاقم مستويات الجوع، والظروف المؤدية إلى المجاعة، وِفقاً لتقييمات أممية سابقة، حذّرت من عواقب نقص تمويل جهود التصدِّي للمجاعة في اليمن، التي ستكون مدمّرة لشعبها. 

تتضح اليوم، في تعز، ملامح المشهد الإنساني والمعيشي للكثير من الأُسر بشكل ملحوظ، ويكشف تزايد حالات سُوء التغذية عن حقيقة الوضع المأساوِي الذي تمرّ بها، إذ سجلت العام الماضي زيادة بنسبة 10% مقارنة بالعام 2019، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية. 

وذكرت مصادر رسمية لموقع 'بلقيس' أن حالات سُوء التغذية في تزايد مستمر وكبير ومقلق وشديد الخطورة، إذ تحتل تعز الترتيب الثاني بعد الحديدة، وذلك بفارق ضئيل. 

وأرجعت ذلك إلى الحرب، والحصار، وتردّي الوضع الاقتصادي، والمادي، والمعيشي للسكان، إلى جانب غلاء الأسعار، وتدهور الأمن الغذائي، وشِحة المساعدات، وتفشّي فيروس 'كورونا'، الذي عطّل الحياة والأعمال، وأثّر بشكل كبير على مصادر دخل المواطنين، ووجباتهم الغذائية، حيث يعتمد مُعظمهم على وجبة واحدة متواضعة، وغير مكتملة.

تقارير

عائلات عاملي الإغاثة اليمنيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تشعر باليأس بشأن مصيرهم

تحوّل فرح عائلة أحمد اليمني باحتفالهم بزفاف ابنته إلى رعب في اليوم التالي، عندما داهمت قوات مقنّعة منزلهم في صنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واعتقلته.

تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.