تقارير
اعتقال المحامي عبدالمجيد صبرة.. ما الذي تخشاه مليشيا الحوثي من رجلٍ أعزل؟
قبل يومٍ واحد من العيد الوطني الـ63 لثورة الـ26 من سبتمبر، اعتقلت مليشيا الحوثي المحامي عبدالمجيد صبرة، وهو واحد من أبرز الأصوات الحقوقية المدافعة عن حقوق المعتقلين في سجون المليشيا.
الاعتقال تزامن مع حملة الحوثيين ضد الاحتفاء بذكرى الثورة، لكنه تجاوز تلك الحملة إلى بُعدٍ أوسع، وهو الانتقام من عمله الحقوقي ومنعه من القيام بواجبه المهني.
طوال السنوات العشر الأخيرة، ترافع المحامي عبدالمجيد صبرة عن عشرات وربما مئات من ضحايا الاعتقال في سجون الحوثيين، ونجح في انتزاع الحرية لبعضهم، ووثّق من خلال مرافعته كيف تحوّل القضاء في صنعاء إلى أداةٍ سياسية في يد الجماعة ضد خصومها، وواجه التهديدات بصبر، وتحمل المضايقات اليومية دون أن يتخلى عن مهنته، وظل وفيًا لفكرة المحاماة العادلة حتى آخر لحظةٍ من حريته.
-مخفٍ حتى الآن
يقول المحامي ومدير المركز الأمريكي للعدالة عبدالرحمن برمان: "كنا أنا والمحامي عبدالمجيد صبرة معًا في مؤسسة واحدة نعمل على قضايا المعتقلين قبل خروجنا من صنعاء، وبعد أن غادرتُ صنعاء استمر الزميل عبدالمجيد في المؤسسة التي أنشأتها معه وعدد من الزملاء المحامين."
وأضاف: "في عام 2016، اقتحم الحوثيون هذه المؤسسة، ولم يكن ذلك الاقتحام الأول، لكنهم في تلك المرة أغلقوها وصادروا كل الممتلكات، بما فيها المكتبة القانونية التي عملنا سنوات طويلة على تكوينها، ومنعوا المحامين من دخول المكان أو حتى سحب ملفات القضايا الموجودة بداخله".
وتابع: "كان الحوثيون قد فرضوا على المؤسسة حراسة، وكانوا يسمحون للمحامين بالحضور والانصراف فقط، لكن يمنعون إخراج أي أدوات من داخلها، ثم جاءت عملية الاقتحام الأخيرة".
وأردف: "تلقيت الخبر مباشرة من المحامين المتواجدين هناك، كونهم على تواصل مستمر معي في متابعة قضايا الانتهاكات، فأبلغوني أن مسلحين اقتحموا مكتب الأستاذ عبدالمجيد صبرة واصطحبوه معهم".
وزاد: "في البداية كانوا مسلحين بالزي العسكري، ثم عادوا مرةً أخرى مسلحين آخرين بالزي المدني لتفتيش المكتب والبحث عن أي أجهزة إلكترونية تخص الأستاذ عبدالمجيد لم يأخذها معه، وعرضوا عليه مذكرةً بأن هناك أمرًا من النيابة العامة باعتقاله".
وأوضح أن "المحامين الذين كانوا متواجدين لم يُسمح لهم بالاطلاع على الأمر، ولم يعرفوا الجهة أو النيابة التي أصدرت قرار الاعتقال"، مؤكدًا: "نحن نعلم أنه لا توجد أوامر من القضاء، وإن وُجدت فهي صادرة من جهةٍ تتبع جماعة الحوثي، كالمحكمة الجزائية المتخصصة، وهي محكمة غير قانونية وغير دستورية، وإنما موظفوها يعملون في إطار الهيكل الإداري والجناح الناعم لجماعة الحوثي المشرعن للعمليات الإجرامية بحق المواطنين والمعتقلين".
وأضاف: "إلى الآن لم يتمكن أي من المحامين أو الجهات الحقوقية أو الوسطاء أو حتى أقارب عبدالمجيد صبرة من معرفة مكان تواجده أو أسباب اعتقاله، وجميع الجهات التي تمت زيارتها أنكرت وجوده لديها، ولا ندري ما هي الجهة التي نفذت عملية الاختطاف، إذ لا تملك السيطرة داخل صنعاء سوى الحوثيين".
وتابع: "جاؤوا في وضح النهار بسيارات تتبع الأمن والمخابرات، وكان الأفراد مكشوفي الوجوه ومعروفين، وعرضوا مذكرةً تُظهر أنه مطلوب إلى جهة قضائية، وهذا يدل على أن جماعة الحوثي تستخدم القضاء في انتهاكات حقوق الإنسان".
وأشار إلى أن "المحامين الذين كانوا في المكتب قالوا إن الأفراد رفضوا الحديث معهم، ورفضوا أيضًا عرض الأمر الذي تم بموجبه اعتقال المحامي عبدالمجيد صبرة".
-نهج وتوجّه
يقول الصحفي والمعتقل السابق لدى مليشيا الحوثي هشام طرموم: "المحامي عبدالمجيد صبرة أحد الأبطال اليمنيين الذين كان لهم موقفٌ في الوقت الذي غاب فيه كثير من المدافعين عن حقوق الإنسان نتيجةً للقمع الحوثي".
وأضاف: "في يوم من الأيام كان الأستاذ عبدالمجيد صبرة أحد المدافعين عني وعن زملائي المختطفين في سجون الحوثي، ونحن اليوم أمام تحوّل خطير من قِبل هذه المليشيا، من خلال اختطاف ربما آخر الأصوات المدافعة عن حقوق الإنسان في مناطق سيطرتها".
وتابع: "باعتقال عبدالمجيد صبرة أغلقت المليشيا آخر ما تبقّى من الأصوات التي ترفض انتهاكاتها وتدافع عن حقوق الإنسان".
وأردف: "الاختطاف في أبجديات هذه الجماعة ليس اضطراريًا كما تفعل الأنظمة الاستبدادية، بل هو نهج وتوجّه لجماعةٍ مغلّفة بغلافٍ سلالي لا تقبل بالآخر، وتريد أن تفرض لونًا واحدًا".
وزاد: "الأستاذ عبدالمجيد صبرة كان من الذين يوثقون قضايا الانتهاكات، خصوصًا قضايا الاختطافات والمختطفين، ويدافع عنهم، وتحول إلى مصدرٍ مهم جدًا للمنظمات الدولية والمحلية بعد أن أغلقت المليشيا مكاتب تلك المنظمات".
وقال: "اختطاف عبدالمجيد صبرة تناولته وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، ومنها منظمة العفو الدولية، على أنه جاء بسبب منشوراته بمناسبة ثورة 26 سبتمبر، وهذا السبب المباشر، لكن السبب الأعمق هو كونه الصوت الحقوقي الذي يواجه المليشيا بمرافعاته القانونية والحقوقية".
وأكد: "هذا هو السبب الرئيسي، وإلا فلماذا اقتحمت المليشيا منزله وصادرت الملفات التي كان يحتفظ بها؟".
وتابع: "عبدالمجيد صبرة تعرّض لمضايقات وتهديدات كثيرة في ظل بقائه بمناطق سيطرة الحوثيين، وفي سبتمبر 2023 تلقى اتصالًا من عاقل الحارة التي يسكن فيها، قال له إن نساءً من المليشيا اتصلن به وطلبن منه تحديد منزل عبدالمجيد، في تهديدٍ صريح".
-استلهام تجربة الأحرار
يقول رئيس مؤسسة جذور للفكر والثقافة عمار التام: "الفكرة الإمامية على النقيض تمامًا من فكرة 26 سبتمبر، لذا من الطبيعي أن يمارس الحوثي هذه الممارسات، لكن هناك مسألة يجب أن يعيها كل من في مناطق سيطرة الحوثي، وهي أنهم بحاجةٍ إلى استلهام تجربة الأحرار في الثلاثينات والأربعينات تحت النار والسوط، حتى لا يمنحوا هذه الجماعة مبررًا".
وأضاف: "يجب عليهم ألا يتركوا حتى ثغراتٍ إعلامية، خصوصًا العاملين في المجال الحقوقي، وأن يكونوا أكثر حيادًا وواقعية، وينطلقوا من منطلقات إنسانية".
وتابع: "لا أجزئ النضال، ولا أشكك في المواقف، لكن حفاظًا عليهم؛ لأن هذه الجماعة تعيش حالة استنفار وأزمة، فهي جماعة كهنوتية رجعية متخلفة، تخاف من العلم اليمني أن يُرفع، ومن الأهازيج اليمنية أن تُردد، ومن الأجواء الوطنية أن يعيشها الشعب، وتمارس كل شيءٍ بالحديد والنار".
وأردف: "نقول لهؤلاء الأعزاء، الذين يمثلون خط الدفاع الأول عن الحقوق والحريات بالحد الأدنى الممكن داخل مؤسسات القضاء والمجتمع المدني تحت سيطرة الحوثي، عليهم أن يكونوا أكثر حصافةً في تناولاتهم".
وزاد: "عليهم أن يستلهموا تجربة الأحرار سواء في التواصلات الفردية والعلاقات أو في الإجراءات القانونية والدستورية الدنيا التي ضاعت بضياع الدولة وضياع مؤسساتها، حتى يُحرجوا الكهنوت الحوثي نفسه أمام المجتمع ويدحضوا ادعاءاته".