تقارير

إلى متى تراهن الحكومة على الحلول الاقتصادية الخارجية بدلًا من تفعيل مواردها المحلية؟

05/10/2025, 11:39:26
المصدر : تقرير خاص

يعيش اليمن أوضاعًا اقتصادية متردية، إذ لم تعد الحكومة قادرة على حشد مواردها وتوجيهها نحو الخزينة العامة أو تغطية نفقاتها التشغيلية، في ظل توترات داخل مجلس القيادة الرئاسي، وتباينات تعيق اتخاذ قرارات حاسمة.

منظمة "الفاو" حذّرت من احتمال انهيار إجراءات البنك المركزي اليمني في عدن، الهادفة إلى تحسين قيمة العملة الوطنية، ما لم تُنفذ إصلاحات اقتصادية شاملة.

رئيس الحكومة، سالم بن بريك، توجّه إلى الإمارات في زيارةٍ وُصفت بأنها تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري، وذلك بعد ثلاث سنوات من عدم التزام "أبو ظبي" بتعهداتها السابقة بتقديم مليار دولار دعمًا لمجلس القيادة الرئاسي، وهو جزء من تعهدٍ مشترك مع السعودية بتقديم ثلاثة مليارات دولار عند إعلان تشكيل المجلس في أبريل 2022م.

ما يزيد تعقيد المشهد في البلاد أن الحكومة لا تزال تبحث عن حلولٍ لأزمتها الاقتصادية في الخارج، دون اتخاذ خطوات فعلية لحشد مواردها.

-وقت حرج

يقول الصحفي الاقتصادي، وفيق صالح: "زيارة رئيس الحكومة إلى أبو ظبي تأتي في وقتٍ حرجٍ للحكومة، خصوصًا في الجانب المالي، مع تفاقم عجز الإيرادات وتزايد الأعباء المالية للنفقات".

وأضاف: "هذا العجز يضع الحكومة في وضعٍ حرجٍ وصعب، خصوصًا وأن هذا الشهر الرابع على التوالي، ولم تستطع الحكومة دفع رواتب الموظفين، وهذه لأول مرة تحدث منذ توقف الصادرات النفطية في أكتوبر 2022".

وتابع: "المؤسف حقًا في تفاقم هذا العجز المالي، أن الدعم السعودي الأخير المقدّم للحكومة هو حلٌّ طارئ، يتمثل في دفع رواتب الموظفين خلال الأشهر الحالية، وكذلك تغطية بعض الالتزامات والنفقات الأساسية للحكومة، إلا أن الحكومة لم تبادر بصرف رواتب الموظفين، وما تزال الأزمة مستفحلة".

وأردف: "أعتقد أن هناك شيئًا غامضًا، مع عدم التزام الحكومة بالشفافية، وعدم انتهاج مبدأ الإفصاح وكشف المعلومة".

وزاد: "هناك بعض المعضلات التي تشهدها الحكومة سواء من الجانب المالي، أو بعض الخلافات مع السياسة النقدية من قِبل البنك المركزي، وأعتقد أن هذا انعكس على عدم دفع رواتب الموظفين وتفاقم هذه الأزمة".

وقال: "من يتحمّل المسؤولية بشكلٍ كاملٍ ومباشر هي الحكومة؛ لأنها المسؤولة عن تحصيل الإيرادات والموارد، وهي المسؤولة عن دفع رواتب الموظفين، وتغطية النفقات الأساسية، وكافة الالتزامات المالية".

وأضاف: "ما عدا ذلك من إجراءات في الجانب النقدي وتفعيل بعض أدوات السياسة النقدية، فهذه فقط لإنهاء الاختلالات والتشوّهات الحاصلة في النظام النقدي، وكبح المضاربة، وتحسين استقرار قيمة العملة".

وأوضح: "ما يخص تغطية العجز المالي، ودفع رواتب الموظفين، والسيطرة على الموارد، وتفعيل الصادرات النفطية، وتوحيد الأوعية الإيرادية، وإغلاق الحسابات المصرفية الأخرى في البنوك والمصارف التي لا يتحصلها البنك المركزي، فهي مسؤولية الحكومة ووزارة المالية، ورئيس الحكومة هو المسؤول المباشر عن تفاقم الأزمة الحالية".

-إيرادات مشتتة

يقول الخبير المالي والمصرفي، د. محمد صالح الكسادي: "جهود البنك المركزي كانت ممتازة وحققت استقرارًا نوعًا ما في العملة الوطنية منذ شهر يوليو، رغم ما مرت به من انتكاسة ومضاربات في 31 أغسطس بعد شهر تقريبًا من الإصلاحات في العملة الوطنية".

وأضاف: "المشكلة، التي نعاني منها الآن، هي في السياسة المالية التي لم تتواكب مع السياسة النقدية، اللتين من المفروض أنهما متلازمتان، كلٌّ منهما تمشي مع الأخرى، لكن تم النجاح في تثبيت العملة الوطنية وتم الفشل في السياسة المالية، وبالتالي هذا أعطى إشارات سلبية للحكومة بعدم وجود تنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية".

وتابع: "مع الأسف الشديد، الإيرادات مشتتة، وبالتالي إيرادات الحكومة لم تُحصّل بالطريقة الصحيحة، وما زالت تُورد لحسابات في محلات الصرافة، ولم تُنفذ أي قرارات من قرارات البنك المركزي أو وزارة المالية بتحويل إيرادات هذه الهيئات والمؤسسات الحكومية إلى البنك المركزي".

وأردف: "هذه القرارات أصبحت حبرًا على ورق، وبالتالي عانت الحكومة من ضعف الموارد المالية، وتأخرت في صرف الرواتب منذ ثلاثة أشهر، وهذه لأول مرّة تحدث منذ اندلاع الحرب في 2015، أن تتوقف الدولة عن صرف الرواتب للقطاع الحكومي".

وزاد: "المسؤولية تتحمّلها الحكومة، وأيضًا التحالف بقيادة السعودية والإمارات".

تجدر الإشارة إلى أنه منذ توقف الصادرات النفطية في أكتوبر 2022، تعيش الحكومة اليمنية أزمة مالية خانقة جعلتها عاجزة عن دفع رواتب موظفي الدولة لأشهر متتالية. وبرغم التحذيرات المتكررة من مؤسسات دولية – بينها منظمة الفاو – من انهيار الإجراءات النقدية إن لم تُنفذ إصلاحات شاملة، تواصل الحكومة رهانها على الوعود الخارجية والدعم المؤقت بدلًا من تفعيل أدواتها السيادية وتحسين جباية مواردها الداخلية. 

ويزيد من تعقيد الأزمة غياب التنسيق بين السياسة المالية والنقدية، وتشتت الإيرادات في حسابات خارج المنظومة الرسمية، فضلًا عن الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي التي تعرقل اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة الاختلالات البنيوية في الاقتصاد

 

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.