تقارير

الحرب تحول عبد الحكيم من معلم لمادة التاريخ إلى صيانة الغسالات

18/05/2021, 07:45:22
المصدر : قناة بلقيس - كريم حسن

يمتهن الأربعيني عبدالحكيم صيانة وإصلاح الغسالات المنزلية داخل محل صغير في أحد أحياء العاصمة صنعاء، الذي افتتحه مطلع العام 2017م، ليصبح الملاذ الأخير في الكسب لمعلم مادة التاريخ ذي الجسم النحيل، ومصدره الجديد في الدخل يمكّنه من توفير كافة متطلبات أسرته، بعد انقطاع مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية. كان عبدالحكيم واحداً من الموظفين العاملين في حقل التعليم الذين انقطعت مرتباتهم، يقول لبلقيس: "أنا مدرّس مادة التاريخ من قبل 15 سنة، حتى انقطع راتبي رجعت أعمل في إصلاح الغسالات، لأني بلا مصدر دخل".

برزت ملامح الأسى في التجاعيد المبكّرة على وجهه، وقد اكتسى شعر رأسه بالبياض، نتيجة قهر الزمن ومرارة الظروف، رغم سِنه الذي لم يتجاوز 45 عاماً، مضيفاً في حديثه لبلقيس: "كنت مستقرا في السابق، حتى بدأت الحرب وانقطع راتبي، تشردت!". أفنى عبدالحكيم قُرابة عقد ونصف من عمره في تدريس مادة التاريخ لطلاب الثانوية العامة في إحدى مدارس العاصمة صنعاء، حيث شهدت حياته تلك الفترة نوعاً من الاستقرار المادي والنفسي، خصوصاً وهو يتقاضى راتباً نهاية كل شهر، الأمر الذي منحه نوعاً تأمينيا لحياته، لكنه استقرارٌ لم يدمْ طويلاً، إذ أعقبه انقطاع صرف مرتبه الشهري، وتشرّد حياة الأستاذ عن أسرته التي كانت تعيش معه في صنعاء. يقول لبلقيس: "عجزت عن دفع إيجار البيت الذي كنا نسكن فيه، روحتهم القرية، لأني أصبحت بلا راتب". حين أعاد أستاذ التاريخ أسرته إلى مسقط رأسه، في منطقة "الزيلعي"، أحد أرياف محافظة تعز، ثم عاد إلى صنعاء للبحث عن وسيلة للعيش والانفاق على أسرته في الريف، أدرك حقيقة أن تقضي حياتك التي ألفتها مشرداً، ليبدأ حينذاك التخلّي القسري عن لقب "الأستاذ"، واستبداله بـ "مُصلح الغسالات"، وهو التعريف الشعبي لمن يعمل في تلك المِهنة. 

ونظراً لبساطة صيانة غسالات المنازل، يقول عبدالحكيم لبلقيس: "تعلمت بسرعة من أصحاب البلاد، لأنه في كثير من أصحابنا يشتغلوا في صيانة الغسالات وإصلاحها".

الأمر الذي ساعده كثيراً في إيجاد وإجادة فرصة عمل قد لا تكون مناسبة لمعلم مادة التاريخ، لكنه مجبر تحت ضغط الظروف المعيشية القاسية التي أفرزتها الحرب الممتدة في البلاد منذ أكثر من 6 أعوام، ليصبح عبدالحكيم أحد ضحاياها المنسيين، التي تتمثل في استمرار عدم، ومثله كثيرون. 

"محمد الزيلعي"، البالغ من العمر 50 عاماً، يملك محلاً لبيع قطع الغيار الخاصة بالغسالات المنزلية، يقول  لبلقيس: "أي زبون يشتري من عندي قطع غيار لغسالته أعطيه رقم تلفون عبدالحكيم ليتواصل معه، ويقوم بتركيب القطع وصيانة الغسالة، وهكذا إعمل مع كثير من الزبائن". يفضّله الزبائن، كونه يلبي رغباتهم في إصلاح غسالاتهم، عندما يتجاوب معهم في الذهاب إلى المنازل للقيام بعملية الإصلاح والصيانة، الأمر الذي يستحسنه الزبائن، إذ يوفر عليهم عناء ومشقة نقل الغسالات التي تحتاج إلى صيانة، من وإلى من يقوم بصيانتها. 

"خالد زهرة"، البالغ من العمر 55 عاماً، واحد من زبائن عبدالحكيم.

يقول لبلقيس: "بدل ما أشل الغسالة لعنده يصلحها، أتصله، وهو يجي للبيت، هو مهندس بسيط، ومتعاون مع الجميع".

ويبذل عبدالحكيم جهدا كبيرا في مهنته الجديدة، حتى يستطيع توفير المصاريف الشهرية لأسرته المكونة من 5 أطفال وزوجته، حيث يعيشون مبعدين عنه قسراً، جعلتهم قسوة ظروف الحرب أحد أهدافها. 

كانت صنعاء مدينة له ولأسرته سابقاً، وتحولت إلى وطن لغربته عن أسرته التي لم يعد يراها سوى مرتين في العام، بعد أن جارت عليه الظروف. 

يقول لبلقيس: "أزورهم في عيد الفطر وعيد الأضحى، وباقي الأيام اشتغل في صنعاء". 

لم تستثنِ الظروف المأساوية أحدا من السكان من تبعاتها السيئة، خصوصاً على أصحاب المِهن الذين انخفضت مستويات دخلهم المعيشي بصورة كبيرة، وبالكاد يتقاضون أجوراً تغطي مصاريفهم وأسرهم، إذ أصبحوا جميعاً تحت مستوى خط الفقر، وفقاً لتقديرات التقارير الدولية، التي تراقب تضرر فئات كبيرة من اليمنيين بفعل استمرار الحرب. 

تأتي الأجور الضئيلة، التي يتقاضاها عبدالحكيم من مهنته الجديدة، نموذجا لذلك.

يقول لبلقيس: "أكثر يوم، أشتغل بـ6000 ريال، وقد أنا اشتغل من الصباح إلى الليل"، أي ما يعادل 10 دولارات، سعر الصّرف في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية. 

تشهد حياة الآلاف من القاطنين في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي تدهوراً مستمراً ومتزايداً بالنسبة لوضعهم المعيشي، وتعتبر عملية استمرار عدم صرف مرتبات موظفي الدولة، المنقطعة دون مبرر يُذكر، فقط لتركيع الناس وإذلالهم. إذ عمل ذاك الانقطاع على تشريد الموظفين وإحالتهم إلى البحث عن فرص عمل معدومة في الأصل.

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

تقارير

ما مستقبل الأزمة اليمنية بعد 10 أعوام من محاولة جلب الحل السياسي الشامل؟

الأمم المتحدة، وعبر مبعوثيها المرسلين إلى اليمن، لم تستطع، حتى الآن، إيجاد خريطة طريق للحل، ووقف إطلاق النار، وجعل مسار المفاوضات ممكنا، وسط تقارير تشير إلى تخاذلها وغض الطرف عن تصرفات مليشيا الحوثي العابثة منذ سنوات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.