تقارير
الصوفي.. مهندس يجمع لسنوات مهاجل وأمثال تعز الشعبية
قناة بلقيس - هشام سرحان
موسوعة الأهازيج الشعبية، التي من المتوقّع طباعتها ونشرها خلال الأيام القادمة على نفقة مكتب الثقافة، ثمرة جهد ذاتي، قاده على مدى عشر سنوات تقريباً مهندس الإلكترونيات والشبكات، الشاب عبد الباري عبدالله أحمد الصوفي (37 عاماً)، ونتاج بحث طويل، امتزج فيه الشغف بالحرص على جمْع وتوثيق المهاجل والمواويل والأمثال الشعبية في محافظة تعز، وحفظها من الضّياع والنسيان، وإبراز مدى تنوّعها وثرائها وجمالها.
لم يترك الصوفي الأهازيج رهن التداول الشفهي، والخلط والتحريف والنسيان، بل حوّلها إلى نصوص مكتوبة، ومتناسقة، وعامرة بالتنوع، وجامعة لهُوية المكان والإنسان، وماضيهما، وثقافتهما، وقدَّمها لمكتب الثقافة في ثلاث مؤلفات، هي اليوم قيد المُراجعة النهائية، كما يقول، متوقعاً نشرها بعد 'عيد الأضحى'.
تناسى تخصصه، وعدم تمكُّنه من إيجاد وظيفة، أو عمل يتناسب مع مؤهله العلمي، وخاض رحلة بحث طويلة وشاقة، شملت مختلف مديريات المحافظة، الواقعة جنوب غرب البلاد، التي تمعَّن في تفاصيلها الغابرة، ونقّب عن أهازيج الآباء والأجداد، من خلال الجلوس مع كبار السنّ، والإنصات للمُولعين منهم بتلك التفاصيل المُهملة والمنسيّة.
سعى نحو جمع التراث اللامادي، المهدد بالزوال، وإيجاد موسوعة شاملة ومؤصّلة ومفصّلة وموثّقة، لتكون مصدراً للمهتمين ومرجعاً للباحثين ومحبّي الاطلاع من الأجيال القادمة، وبذل جهوداً فرديّة متعددة، تفاوتت ما بين المعنويّة والمادية، والزيارات الميدانية لمعظم مناطق تعز، كما يقول.
راودته فكرة هذا النشاط البعيد عن مجال دراسته، والقريب من شغفه إثر ملاحظته لتواري الكثير من جوانب التراث الأصيل لعاصمة البلاد الثقافية، وتباطؤ الجهود الرسمية، والمجتمعية، الرامية إلى حفظه، فضلاً عن غياب المبادرات الشخصية، لتوثيق المهاجل، والمواويل، والأمثال الشعبية القديمة، وإعادتها إلى واجهة المشهد الثقافي، والاجتماعي، واستحضار نكهتها، وروحها، وشجونها، وأجوائها، رغم الحداثة، ومُغريات العصر.
تبلورت في مخيّلته، وأضحت بالنسبة له طموحاً ومشروعاً شخصياً، هادفاً لجمع وحفظ الموروث الشعبي اللامادي لتعز، ضمن موسوعتين.
ويذكر لموقع "بلقيس" أن "الأولى موسوعة الأهازيج الشعبية، تتكون من 600 صفحة، موزّعة على ثلاثة كتب، هي: المواويل الشعبية، والمهاجل الشعبية، والأمثال الشعبية، وقد تم إكمالها وتسليمها لمكتب الثقافة، للتدقيق، والطباعة، والنشر، خلال الفترة القادمة".
* محطات ومراحل
ويضيف: "أنا في صدد تجهيز الموسوعة الثانية، وعنوانها 'التراث الشعبي في تعز'، ومن المتوقّع أن تتكون من خمسة كتب.. أعمل حالياً على ترتيبها، وفرزها، وتجهيزها، وستضم مجموعة من المباحث، بينها الفلكلور الشعبي،
والتراث الغنائي، والفنون الشعبية، والعادات، والتقاليد، وغيرها".
تفرد الموسوعة الأولى حيّزاً كبيراً للمهاجل الشعبية، التي تتضمّن فصول السنة، والمواقيت، والمعالم، والمراحل الزراعية، كما تحوي مجموعة كبيرة من المهاجل الزراعية، الخاصة بكل مرحلة من تلك المراحل، فضلاً عن توثيق المهاجل الصباحية والمسائية.
تقتصر مصادره على الآباء والأجداد، الذين زارهم في عموم مديريات وقُرى وأرياف تعز، إلى جانب الكُتب التي حصل عليها من أشخاص سبق وأن حاولوا العمل في هذا الموضوع، في حين لم يعتمد على منصات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، لما تشهده الأهازيج من خلط، ودمج، وإضافة، وتحريف، حد تعبيره.
مرّت جهوده بعدّة مراحل، بدأت بالجمع، والأرشفة، وتدوين الأهازيج، التي حصل عليها من عدّة أشخاص، وذلك أثناء زياراته الميدانية للعديد من المناطق، مروراً بمرحلة فرز، وتحقيق، وترتيب الأبيات الغنائية في قصائد متكاملة ومتجانسة الأحداث، ومتوافقة في لهجتها وألفاظها.
يوضح الصوفي: "يتم التحقق والبحث عن منشأ الأهزوجة، والأسباب التي قِيلت فيها، والحدث الاجتماعي الذي أتت لمناقشته والتعبير عنه، من خلال التواصل مع الكثيرين من كبار السنّ، المعروفين بحفظهم للأهازيج الشعبية، والتغنّي بها في الأرياف، وذلك لتأكيد الانتماء الحقيقي لتلك القصيدة أو الموّال".
يقوم بعد ذلك بإعداد مُعجم للكلمات، وتوضيح معانيها الريفية، مما يُسهل على القارئ فهم القصيدة، واستيعاب القضايا الاجتماعية التي تتناولها، وذلك بلغة سهلة وأسلوب جميل وعذْب، ثم ينتقل إلى مرحلة طباعة وتنسيق المحتوى.
* هواجس
شعوره اللامُتناهي بالانتماء للمحافظة، التي وُلد وترعرع فيها، جعله يواصل جمع الموروث الثقافي، وتنقيحه، وتوثيقه، والبحث عن أصوله، والمنطقة التي ينتمي إليها، رغم ظروفه المادية، والمعيشية المتواضعة، وإمكانياته البسيطة، وافتقاره للدعم، والاهتمام الرسمي.
وُلد الصوفي في العام 1984، في مديرية 'مشرعة وحدنان'، بجبل 'صبر'. وتربّى في كنَف أسرة مكافِحة، شجّعته على مواصلة التعليم، وبثّت في روحِه حبّ التعلّم والتدرّب، واكتساب مهارات جديدة، وتطوير الذات، والاطلاع الذي تجاوز المقررات الدراسية إلى كُتب الشعر، والأدب، والمسرح، والفن، والنحو، والصرف، والبلاغة، وعلْم العَروض.
يأمل اليوم الحصول على دعم، وتبنِّي موسوعَته الثانية من قِبل جهة معيَّنة، كونه يفتقر للعمل المناسب، ويُعاني أزمةً ماديةً، جراء إتمام القسم الأول من العمل، الذي استنفد كل ما بحوزته من مال، وهو ما يشير إليه، لافتاً إلى أن كل الجهات التي قصدها اعتذرت عن تمويل المشروع، عدا مكتب الثقافة في المحافظة، الذي وَعد بطباعته، ونشره، وتوزيعه، بعْد الانتهاء منه.
يدعو، عبر موقع "بلقيس"، إلى توفير الدّعم اللازم لإكمال الموسوعة الثانية، وإخراجها إلى حيّز الوجود، في الوقت الذي أكد أنه لم يتبقَّ منها سوى القليل من الوقت والجهد لإتمامها.
يتطلّع نحو تأسيس منتدًى ثقافي لنشر الموروث الشعبي والأهازيج الشعبية في تعز، بشكل صحيح. كما يأمل أن تجد أعمالُه الأخرى طريقها إلى النّشر.