تقارير
العملية البرية المرتقبة.. هل ستقضي على الحوثيين أم تعيد رسم الجغرافيا وتوزيع النفوذ؟
تعكس التسريبات الإعلامية والجدل الدائر بشأن العملية العسكرية المرتقبة ضد الحوثيين تعقيدات المشهد اليمني، فمن الحديث عن عملية برية من جميع المحاور، ثم الحديث عن عملية برية تقتصر على الساحل الغربي، سارعت كل من السعودية والإمارات إلى نفي ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال بشأن ترتيبات عملية برية وشيكة في اليمن بدعم أمريكي والإشارة إلى دور لهما فيها، وهو نفي لا يمكن فصله عن هواجس أمنية متصاعدة لدى الرياض وأبوظبي من احتمال تعرضهما لضربات حوثية أو حتى انتقام إيراني في حال شنت واشنطن عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
غير أن هذا النفي لا يُفقد التسريبات قيمتها، ولا يطعن في مصداقية الصحف الأمريكية الكبرى كنيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال، المعروفة بدقة مصادرها وتأثيرها الواسع في دوائر صنع القرار، فغالبا ما تعبر مثل هذه التسريبات، ومعها ردود الأفعال الرسمية، عما يدور خلف الكواليس أكثر مما تُظهره التصريحات العلنية، كاشفة حجم التوتر والتضارب في أولويات الحلفاء المفترضين.
- التفاف على مطالب اليمنيين
في الوقت الذي يترقب فيه اليمنيون مسار الحرب حاليا كمحطة مفصلية للقضاء على مليشيا الحوثيين واستعادة الدولة، تثير المؤشرات الأولية حول العملية العسكرية البرية المرتقبة شكوكا عميقة لا تبعث على الاطمئنان، بل تؤكد أن ما يجري هو محاولة جديدة لتجزئة القضية اليمنية والالتفاف على مطالب الشعب اليمني في القضاء على الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة.
فبدلا من أن تكون العملية البرية المرتقبة من جميع المحاور، مع تقديم الدعم للحكومة اليمنية الشرعية، وانطلاق معركة شاملة تنهي سيطرة الحوثيين وتستعيد مؤسسات الدولة، هناك من يريد أن تقتصر المعركة البرية على تحرير محافظة الحديدة فقط، وهو ما يعكس عدم تغير أولويات التحالف السعودي الإماراتي والولايات المتحدة الأمريكية رغم التحديات الجديدة، والإبقاء على سياسة تكريس واقع الانقسام القائم وترتيب مناطق النفوذ.
ففي 7 أبريل الجاري، تحدث تقرير نشرته شبكة سي إن إن عربية عن دعم أمريكي محتمل لعملية برية واسعة تشمل عدة جبهات ضد مليشيا الحوثيين، بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة ودعم سعودي وإماراتي، مما أوحى حينها بأن هناك توجها جادا نحو الحسم العسكري، لكن سرعان ما تبخرت الآمال مع تقرير لاحق لصحيفة وول ستريت جورنال في 15 أبريل الجاري، أكد أن العملية البرية ستقتصر على الساحل الغربي وتحديدا مدينة الحديدة، وفقا لمسؤولين يمنيين وأمريكيين تحدثوا للصحيفة، وستنفذ عبر فصائل موالية للإمارات، دون أي دور واضح للحكومة اليمنية الشرعية، أو فتح جبهات متعددة كما كان متوقعا.
هذا التغيير المفاجئ في السيناريو العسكري لا يبدو عفويا، إذا افترضنا صحة ما أوردته شبكة سي إن إن عربية وصحيفة وول ستريت جورنال، بل يكشف، على الأرجح، عن نوايا مُبيّتة لإعادة ترتيب الجغرافيا السياسية في اليمن بما يخدم مصالح السعودية والإمارات، من دون أن يشكل تهديدا وجوديا للحوثيين، وهو ما يعني استمرار تهديد مليشيا الحوثيين، لا سيما مع بقاء ترسانتها من الأسلحة خصوصا الصواريخ والطائرات المسيرة المخفية في السلاسل الجبلية، دون استهداف شامل أو خطة عسكرية متكاملة للقضاء عليها.
- تحول في الموقف الأمريكي
هذه التطورات تأتي في ظل تحول في الموقف الأمريكي نفسه، فبعد أن كانت واشنطن تعلن أن هدفها يقتصر على تأمين الممرات المائية والملاحة في البحر الأحمر، ولا علاقة لهجماتها بالصراع الأهلي في اليمن، عادت مصادر عسكرية لتشير إلى استعداد أمريكي لتقديم دعم ميداني محدود للهجوم البري، انطلاقا من قناعة متزايدة أن لا سبيل لهزيمة الحوثيين سوى عبر عملية عسكرية برية، بعد فشل الغارات الجوية في تحقيق اختراق حاسم وإجبار الحوثيين على وقف تهديداتهم للملاحة في البحر الأحمر.
وفي حين تشير تصريحات مسؤولين أمريكيين إلى أن القوات اليمنية الحكومية أصبحت مهيأة لخوض معركة برية ضد مليشيا الحوثيين، إلا أن واشنطن لم تقدم أي دعم عسكري للحكومة حتى الآن، وسط مخاوف من هشاشة التكتل العسكري المناوئ للحوثيين، إذ إن بعض الفصائل لها أهداف انفصالية وليست متحمسة لمواجهة الحوثيين، وتتلقى الأوامر من الممولين الأجانب وليس من الحكومة اليمنية الشرعية، وقد تنسحب هذه الفصائل من المعركة في وقت حساس، مما قد يتسبب بانهيار أي مكاسب تكون قد تحققت، وتعود الأوضاع إلى مربع الصفر.
ميدانيا، بدأت واشنطن بالفعل في رفع وتيرة حضورها العسكري، مع إرسال مدمرة جديدة إلى المنطقة، وأيضا إرسال قاذفات "بي- 2" وطائرات دعم لوجستي إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وهو ما فُسّر كاستعداد لضرب مواقع محصنة للحوثيين في اليمن، وتوجيه رسائل تحذيرية لإيران.
وفي الوقت نفسه، شنت القوات الأمريكية هجمات جوية مكثفة استهدفت مواقع الحوثيين في محيط مأرب والحديدة، مما أدى إلى تدمير تحصينات المليشيا الحوثية، وتشتيت مقاتليها، وعرقلة خططها للتقدم نحو مناطق جديدة، وهذا قد يمهد الطريق للقوات الحكومية من جهة الشرق، والفصائل المدعومة إماراتيا من الغرب، إذا كان هناك بالفعل ترتيبات لعملية برية من محاور متعددة، وليس فقط عملية محدودة في الساحل الغربي (الحديدة).
وفي كل الأحوال، تبدو مليشيا الحوثيين في موقف صعب للغاية، والخيارات أمامها تضيق، مثلما تضيق أمام داعمها الرئيسي (إيران)، فهي تتكبد خسائر كل يوم، مثل تدمير مخازن أسلحة، وقتل قيادات ميدانية، وتدمير مراكز قيادة وسيطرة، وتعطيل شبكات اتصال عسكرية، لكنها لا تعترف بخسائرها، حتى لا يؤثر ذلك على معنويات مقاتليها، ويشجع خصومها على الإجهاز عليها، وتواصل تهديداتها بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة نحو القطع العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر وأهداف للاحتلال الإسرائيلي، مع أنها لم تسبب أي أضرار، أو تحدث أي تغيير فعلي في مسار المعركة.
ومهما كانت طبيعة العملية البرية المرتقبة، التي تبدو وشيكة في ضوء التمهيد العسكري والسياسي، لكنها ليست بالضرورة مؤشرا على حسم المعركة ونهاية الحرب، بل قد تكون مقدمة لفصل جديد من الصراع، عنوانه تقاسم النفوذ لا الحسم الكامل، وإعادة رسم الجغرافيا السياسية في اليمن وفق مصالح الخارج لا تطلعات الداخل، فهذا ما تريده السعودية والإمارات، وستعملان على إقناع الولايات المتحدة به.
- تحرير الحديدة.. هل يمنع هجمات الحوثيين؟
وفيما يتعلق بالاستعدادات لتحرير مدينة الحديدة، وفق ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال، بدلا من عملية عسكرية شاملة تطيح بسلطة الحوثيين، فمثل هذه التحركات، التي تأتي في سياق طريقة السعودية والإمارات لإدارة الصراع في اليمن، تمثل التفافا واضحا على مطالب اليمنيين بدعم الجيش الوطني وتوحيد بقية الفصائل والتشكيلات العسكرية للقضاء على الانقلاب الحوثي وإنهاء النفوذ الإيراني في اليمن واستعادة الدولة.
وفي الوقت نفسه، فهذه التحركات الهدف منها تضليل الولايات المتحدة وخداعها لتكتفي بتقديم الدعم لحلفاء الإمارات فقط، وتسويقهم لدى واشنطن والمجتمع الدولي، بمعزل عن السلطة الشرعية وبقية المكونات المساندة لها، وإقناع واشنطن بأن الاكتفاء بتحرير الحديدة كفيل بإنهاء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وضد الاحتلال الإسرائيلي.
لا شك أن السعودية والإمارات تخشيان من أن تحصل الحكومة اليمنية الشرعية والجيش الوطني على دعم أمريكي لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، لأن ذلك سيغير موازين القوى في الداخل بشكل يثير قلقهما، أي الرياض وأبوظبي، خصوصا أنهما ما تزالان تريدان إطالة أمد الصراع إلى أجل غير مسمى، لاستكمال خططهما لتفتيت البلاد وإضعافها.
وبما أن مشروع تفتيت البلاد لم يتم بعد بالشكل المأمول، ستظل السعودية والإمارات حريصتين على عدم خروج الملف اليمني من قبضتهما، حتى وإن كانت المسألة قضية أمن إقليمي يمس جميع دول المنطقة المتضررة من المشروع التخريبي الإيراني، وبالتالي ستحول الدولتان دون تقديم أي دعم من واشنطن للحكومة اليمنية الشرعية أو الجيش الوطني، كما ستحولان دون أن تتمكن واشنطن من إضعاف مليشيا الحوثيين لدرجة أن تصبح في الرمق الأخير، ويتمكن أي فصيل وطني من الإجهاز عليها.
لا شك أن تحرير مدينة الحديدة، أو الساحل الغربي لليمن كاملا، سيمثل خسارة كبيرة للحوثيين، لكن ليس لدرجة شل قدرتهم على تهديد الملاحة في البحر الأحمر، لأن مخازن أسلحة الحوثيين موزعة في الجبال والتضاريس المعقدة في المناطق الجبلية الداخلية وليس في الساحل الغربي بسهوله الممتدة والمكشوفة، وبالتالي ستظل تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر قائمة، ما لم يتم إنهاء سلطتهم تماما، والسبيل الوحيد لذلك دعم الحكومة اليمنية الشرعية، وتوحيد جميع الفصائل والتشكيلات العسكرية إلى جانبها في معركة استعادة الدولة.
- إعادة هندسة الجغرافيا السياسية
تحاول السعودية والإمارات أن يكون التدخل العسكري الأمريكي في اليمن نسخة من تدخلهما في البلاد منذ مارس 2015، بحيث لا ينهي سيطرة مليشيا الحوثيين على كثير من محافظات البلاد، ولا تستفيد منه السلطة اليمنية الشرعية بشكل عملي، وأن تستفيد منه فقط الفصائل والتشكيلات العسكرية التي أنشأها ومولها التحالف السعودي الإماراتي، وأن تكون نتيجته إعادة هندسة الجغرافيا السياسية في البلاد وترتيب مناطق النفوذ بشكل تستفيد منه دولة الإمارات والسعودية والتشكيلات المسلحة الموالية لهما، فأي أرض يسيطر عليها الحوثيون ويتم تحريرها يُراد أن تكون من نصيب الكانتونات الموالية للرياض وأبوظبي، وأي أرض تسيطر عليها الحكومة الشرعية يتم تسليمها للكانتونات أو الفصائل المسلحة التابعة للرياض وأبوظبي.
من جانبها، تتعامل الولايات المتحدة مع الصراع في اليمن من منظور موقف السعودية والإمارات باعتبار الوضع في اليمن شأنا خاصا بهما قبل أن يخص أمريكا ذاتها، وليس مستبعدا أن تكون هجمات واشنطن ضد الحوثيين على طاولة النقاش مع حكام الرياض وأبوظبي، خصوصا أن الولايات المتحدة ليس لديها أي اعتراض على طريقة إدارة الرياض وأبوظبي للأزمة اليمنية، وهذا النهج قائم منذ بداية الحرب، وإن كان من اعتراض أحيانا فهو يصب في مصلحة الحوثيين، وإلا فتناغم الموقف من الحوثيين يبدو مشتركا بين كل من السعودية والإمارات والولايات المتحدة، ولا يتغير نسبيا إلا في حال كانت هناك تحديات جديدة.
أما الحكومة اليمنية الشرعية، فهي لم تبادر إلى عرض القضية اليمنية في المحافل الدولية، وحشد الدعم لمعركة التحرير، والتأثير في مواقف القوى الكبرى من أزمة البلاد، فاستغلت الرياض وأبوظبي هذا الفراغ الدبلوماسي لتمرير أجندتهما في اليمن ومواصلة العبث بوحدة البلاد وبالكيان القانوني للدولة اليمنية، ودعم مشاريع التمزيق والتفتيت، والتظاهر بالخلافات وصراع النفوذ بينهما على مسرح الأرض اليمنية، لأجل تأجيج العدوات بين اليمنيين.
وإذا افترضنا أن الخلافات بين الرياض وأبوظبي حقيقية، فإن السعودية قادرة على اتخاذ عدة إجراءات لإنهاء النفوذ الإماراتي في جنوب اليمن تماما، بدلا من التوتر المتواصل منذ سنوات، مع أنه، من ناحية منطقية، لا يحق لهما ذلك الصراع على أرض هي ملك أهلها وليست ملكهما، وكل صراع جديد تغذيانه فإنه يضعف المعسكر المناوئ للحوثيين وللنفوذ الإيراني في اليمن.
وفي محطات كثيرة شهدتها الأزمة اليمنية، ظلت الحكومة الشرعية في موقف المتفرج، وكأن كل ما يدور في البلاد لا يعنيها، مع أنها تمتلك الكثير من الأوراق التي تمكنها من كبح بعض المشاريع وعرقلة مؤامرات تفتيت البلاد وإضعافها، وفضح مساعي إعادة هندسة جغرافيا البلاد سياسيا وتقسيمها إلى كانتونات ضعيفة ومتصارعة، في الوقت الذي تعمل فيه مليشيا الحوثيين على تحصين جبهتها الداخلية من الانشقاقات، والعمل الدؤوب لتحقيق مشروعها بكل جدية وهمة ونشاط، ومراكمة الأسلحة الحديثة والنوعية، والرهان على الانقسامات التي تغذيها الرياض وأبوظبي في أوساط خصوم الحوثيين والمكونات المناهضة لهم.
- خطر تجزئة القضية اليمنية
رغم التمهيد لعملية عسكرية برية وشيكة لتحرير مدينة الحديدة، فإن المؤشرات المتراكمة والتجارب السابقة تؤكد أن الهدف الحقيقي ليس القضاء على مليشيا الحوثيين كقوة مسلحة تهدد اليمن والمنطقة، بعد أن حولت شمال اليمن إلى قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، بل الهدف هو إعادة تشكيل خارطة النفوذ السياسي والميداني في البلاد بما يخدم مصالح إقليمية محددة، وبالأخص السعودية والإمارات، ذلك أن اقتصار العملية البرية على جبهة الساحل الغربي، واستبعاد الحكومة الشرعية من مسرح العمليات، يعزز الشكوك حول نوايا الحسم الشامل، ويرجح كفة "الهندسة السياسية" للجغرافيا اليمنية، على حساب معركة استعادة الدولة.
وفي هذا السياق، سيظل الحوثيون الطرف الأكثر استفادة من هذا التوجه المجتزأ، لأن العمليات العسكرية المحدودة ستمنحهم فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم، والحفاظ على عمقهم الإستراتيجي في الجبال، وتعظيم سردية "الصمود" ضد ما يصفونه بالعدوان الخارجي لأجل كسب تعاطف القبائل وحشد مزيد من المقاتلين إلى صفوفهم.
ومع مرور الوقت، واستمرار غياب الإرادة الحقيقية للقضاء على الحوثيين، فإنهم سيواصلون مراكمة الأسلحة، وتعزيز حضورهم السياسي والعسكري، معتمدين على حالة التشرذم في معسكر خصومهم، الذي تغذيه الرياض وأبوظبي، وتهميش السلطة الشرعية.
وعندما تتوقف العملية البرية في محيط محافظة الحديدة، لن يتوقف الحوثيون عند حدود ما يسيطرون عليه حاليا، بل إنهم سيراكمون القوة استعدادا للانتقام من خصومهم في الداخل، والسعي لاستعادة مناطق إستراتيجية، وفي مقدمتها الحديدة إذا خسروها، فضلا عن محاولات التوسع نحو محافظات جديدة كلما سنحت لهم الفرصة، بدافع قضم الأرض وتثبيت سلطتهم، والانتقام من القوى المحلية المناوئة لهم، في مشهد سيعمق نزعة العنف والانتقام.
ولذلك، فإن عدم اتخاذ قرار حاسم لإنهاء سلطة الحوثيين والقضاء عليهم في هذه المرحلة الحرجة، وتركهم دون مواجهة شاملة، يعني ببساطة تمكينهم من مراكمة المزيد من القوة، وتحويل كل مرحلة هدنة أو تراجع خارجي إلى فرصة للإعداد لجولة قتال جديدة.
وفي حال انسحاب الولايات المتحدة ووقف هجماتها ضد الحوثيين، وعزوف السعودية والإمارات عن عودة المعركة في اليمن ضد مليشيا الحوثيين، خشية ضربات تطال منشآتهما الحيوية، سيتحول الحوثيون إلى خطر دائم، قادر على إشعال معارك متكررة تهدد ما تبقى من كيان الدولة اليمنية، وتهدد أيضا الملاحة في البحر الأحمر وأمن دول المنطقة.
- مشهد مفتوح على كل الاحتمالات
وبالنظر إلى تعقيدات المشهد، قد تميل الولايات المتحدة إلى دعم عملية برية شاملة ضد الحوثيين إذا ضمنت توافقا بشأنها مع السعودية والإمارات، أو في حال استمرار هجمات الحوثيين بوتيرتها الراهنة بعد تحرير الحديدة، مما سيجعل خيار الحسم العسكري ضرورة لا مفر منها.
وفي هذا السياق، فإن نفي السعودية والإمارات لما ورد في تقرير صحيفة وول ستريت جورنال قد يعكس تخوفهما من استهداف الحوثيين لمنشآتهما الحيوية، وهو ما يفسر محاولات التخفيف من حدة التسريبات أو التنصل منها.
وفي المقابل، فإن تسريب هذه الخطط قد يدفع باتجاه شن عملية برية شاملة تبدو وكأنها بدعم أمريكي واضح بمعزل عن السعودية والإمارات للتخفيف من تداعياتها عليهما، أو على العكس، قد يدفع ذلك التسريب إلى تراجع تكتيكي في انتظار تغير المعطيات، مع الإبقاء على الهجمات الجوية الأمريكية كسيناريو مؤقت لإضعاف الحوثيين أو لاحتواء تهديداتهم حتى نهاية الحرب في غزة، التي تمنحهم ذريعة مشروعة لتهديد الملاحة في البحر الأحمر وأيضا تهديد الاحتلال الإسرائيلي.
وفي المحصلة، لا يزال المشهد مفتوحا على كل الاحتمالات، بين الحسم العسكري والتفاهمات السياسية، وبين التراجع التكتيكي والتصعيد الشامل، في ظل توازن هش ومعادلات إقليمية متغيرة باستمرار.