تقارير
المخفيون قسرا في اليمن.. ما الآثار النفسية والاجتماعية والأسرية لغيابهم الممتد؟
الاختفاء القسري في اليمن يتجاوز كونه انتهاكاً لحقوق الأفراد، فهو أسلوب متعمد لإعادة تشكيل المجتمع بالخوف، يُنتزع الأشخاص من حياتهم بلا أثر لتبقى أسرهم عالقة في فراغ قاسٍ بين الرجاء واليأس. ومع كل حالة اختفاء يتسع الشرخ في البنية الاجتماعية، أسر بلا مُعيل، أطفال بلا سند، نساء يواجهن العزلة والضغط، ومجتمع يفقد ركائزه البشرية واحدة تلو الأخرى.
المخفيون قسراً في اليمن، جانب آخر مما تفعله الحرب بضحاياها، وانتهاك آخر يبرع فيه الجناة، وعلى الأخص منهم؛ ميليشيا الحوثي في محافظة الحديدة.، حيث أفادت ندوة حقوقية نُظمت بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، إلى أكثر من 190 مدنياً من أبناء محافظة الحديدة، ما يزالون مخفيين قسراً في معتقلات الحوثيين منذ سنوات.
هذا الغياب المزدوج في الواقع وفي السجلات وفي وسائل الإعلام يراكم المأساة ويزرع صدمات متوارثة تضعف قدرة المجتمع على التنظيم والوعي وتحول الغضب الطبيعي إلى فوضى غير محسوبة النتائج، بينما يظن المجرمون أنهم يجردون المجتمع من عوامل قوته في مواجهتهم.
مأساة مستمرة
يقول الناشط السياسي والصحفي وديع عطاء، في اليوم العالمي للمخفيين قسراً الذي صادف قبل أسبوع من الآن، مر هذا اليوم مر مثل كل الأيام، حالة فقدان وغياب وانكسار بالنسبة للأسر، خصوصاً حينما تتجدد الذكريات السنوية لغياب ذويهم وأهاليهم من الأسرى والمختطفين.
وأضاف: تزداد مأساة الأسر وتتجدد المعاناة النفسية والأسرية، لهذه الأسر والعوائل، عندما تتوالى إليهم بعض المعلومات حول ما يتعرض له بعض المختطفين والأسرى في داخل سجون الميليشيا، سواء في صنعاء، أو في الحديدة أو في إب، وفي كل المناطق والمحافظات التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي، ويتمنون لو تفضي كل الجهود الأممية أو المحلية للإفراج عن ذويهم المختطفين في سجون الميليشيا.
وتابع: المختطفون أو المعتقلون أو الأسرى، تتذكرهم أسرهم بشكل يومي بمرارة، ماذا لو كان أبناؤنا بيننا؟ ماذا لو كان الأزواج مع زوجاتهم؟ ماذا لو كان الآباء مع أطفالهم؟ كثير من الأسئلة التي تراودهم بينما تقف الشرعية ويقف المجتمع الدولي عاجزاً أمام هذه الميليشيا أو هذه العصابات التي اختطفت هؤلاء الضحايا من بين أبنائهم، من وسط مقاعدهم ومن محالهم ومن حتى من داخل الجامعات ومن مكاتبهم.
وتساءل: متى سيعود كل مختطف وكل أسير إلى أهله وذويه؟ ومتى سيستشعر المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية والحقيقية تجاه الأسرى والمختطفين في اليمن؟ ومتى ستنتهي هذه المعاناة التي تقريباً هي مجمدة بفعل عدم التجاوب الحوثي مع كل المناشدات سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي للعودة إلى طاولة المفاوضات والمحادثات لإطلاق الأسرى والمختطفين وفق قاعدة الكل مقابل الكل كما تطرح الشرعية عبر كل القنوات دائماً وأبداً؟.
وقال: جريمة الاختطاف هي جريمة، لكن جريمة الإخفاء القسري هي جريمة مركبة، وبهذا الصدد، هناك كثير من المخفيين قسراً حسب شهادات أسرهم، لكن ظهر مؤخراً أن محافظة الحديدة استحوذت على نسبة كبيرة من أعداد هؤلاء المخفيين قسراً.
حالات خوف وترقب
يقول الناشط الحقوقي غالب القديمي، بالنسبة للإخفاء القسري هو من أكثر الجرائم والانتهاكات التي جرمتها القوانين الدولية وقانون حقوق الإنسان، ومن أكثر الانتهاكات التي يتعرض لها ذوي المخفيين قسراً.
وأوضح، أن هناك فرق بين المعتقل وبين المخفي قسراً، فالمعتقل معروف أين مكانه وسجنه، قد يتصل بأهله أو لم يتصل لكنه معروف أين يتواجد، لكن المخفي قسراً الذي لا يعلم أحد مصيره، وهو ليس انتهاكا واحدا، وإنما انتهاك مركب من عدة انتهاكات: خطف، اختفاء قسري، أيضاً انتهاك للأسرة، معاناة ألم، والأسرة تعيش في حالة خوف، وفي حالة ترقب، وفي حالة فزع.
وأضاف: لذلك أسر المخفيين قسراً تظل تعد اللحظات والثواني، ليس فقط الأيام أو السنوات أو الشهور، وتتمنى أن يأتيها بصيص أمل عن أي معلومة أو يصل خبر من الأخبار حول ابنها أو الزوج أو الأب المختفي قسراً.
وتابع: هناك كثير من الأسر في محافظة الحديدة، منذ عام 2016 وحتى اللحظة، تترقب وتتمنى حتى أن تسمع ولو خبرا، أن ابنهم أو أبوهم حيا يرزق، أو أنه ما زال موجودا على وجه الأرض.
وأردف: حتى أكون واضح، المعلومات التي تتحدث عنها المنظمات أو المؤسسات الحقوقية والدولية، هي كل ما استطاعت أن تصل إليه، لكن عدد حالات الاخفاء أكثر بكثير، وهناك انتهاكات أكثر بكثير، وقد تكون أضعاف ما استطاعت الوصول إليه المنظمات الدولية والحقوقية أو وسائل الإعلام.
وزاد: جرائم الإخفاء القسري هي مستمرة منذ انقلاب ميليشيا الحوثي، على الدولة، وأتذكر أنا منذ اقتحام ميليشيات الحوثي الحديدة، اثنين شباب من مديرية باجل، أحدهما شاب عمره 18 سنة، وتم اخفائه منذ 2016 إلى الآن.
بعد اتفاق ستوكهولم
تقول نائبة رئيس اتحاد نساء تهامة، مايسة الأهدل، بالنسبة للأرقام التي حصلنا عليها هي من عدة مصادر، وأهمها مصادر المنظمات المجتمع المدني، وهذه المصادر واجهت صعوبة للوصول إليها، لكن حاولنا على مدار السنين التي فاتت جمع هذه الأرقام من عدة منظمات ومن عدة إحصائيات من تهامة، لأن الحديدة في قبضة أمنية حديدية من قبل الميليشيا الحوثية، ويصعب الوصول إلى أي أرقام غير الأرقام التي تتم الوصول إلينا بشكل أو بآخر.
وأضافت: كان من بين المخفيين قسراً مضى على اختطافهم، منذ 2014 إلى 2018 وعددهم 74 مختطفاً ومختطفة منهم امرأتان.
وتابعت: فيما عدد المخفيين قسرا، منذ 2014 إلى الآن، 190 مخفياً قسراً في معتقلات ميليشيا الحوثي، من أبناء محافظة الحديدة، بينهم نساء.
وأردفت: المعلومات عن مصير هؤلاء المخفيين لا نعلمها، ولا يعرفها ذويهم، أما بالنسبة لمواقعهم ما نعلمه دائما أنه يتم الاعتقال في معتقلات الميليشيا الحوثية في الحديدة، ولكن دائماً بعدها يتم نقلهم إلى صنعاء، لأن هذه الميليشيا تخاف دائماً أن يستطيع أهاليهم أو ذويهم معرفة مصيرهم، مع أنه صعب الوصول إلى مواقعهم أو إلى مكان اعتقالهم.
وزادت: بعد اتفاق ستوكهولم، زادت القبضة الحديدية لميليشيا الحوثي، على محافظة الحديدة، وأصبحت ترى أن كل واحد من أبناء الحديدة عدوا لها، وتتهمهم إما بنقل الإحداثيات كما تقول في الأخبار وخصوصاً بعد مقتل الصماد.