تقارير
هديل.. طالبة حولت بتر يديها إلى قصة نجاح ملهمة في جامعة تعز
“لم يكن ما حدث لي نهاية حياتي، بل بداية جديدة لمستقبل مشرق أراه قريبًا”، بهذه الكلمات تختصر هديل محمود (20 عامًا)، الطالبة في كلية الإعلام بجامعة تعز، رحلتها القاسية منذ أن فقدت يديها وهي في الثانية عشرة من عمرها، لتصبح اليوم واحدة من أكثر قصص النجاح والإلهام في مدينة عرفت الحرب والحصار منذ عقد كامل.
جرح الطفولة
في الرابع من يوليو 2017، كانت هديل طفلة صغيرة تجمع ثمار التين في قريتها الريفية بالكدحة غرب تعز. وبينما تلهو ببراءة الطفولة، باغتتها قذيفة سقطت قربها لتخلط دمها بثمار التين، تاركة إصابة بالغة أدت إلى بتر يديها.
نُقلت وهي غارقة في النزيف إلى أحد مستشفيات تعز التي كانت تفتقر آنذاك لأبسط المقومات الطبية نتيجة الحصار والمعارك. لم تفق هديل من غيبوبتها إلا في اليوم التالي، لتجد نفسها بلا يدين، وتدخل مرحلة جديدة من حياتها مليئة بالتحديات.
بين الموت والحياة
نجت هديل بأعجوبة، لكن إصابتها تركت جرحًا عميقًا جسديًا ونفسيًا. تقول: “استيقظت من الغيبوبة وكنت أتساءل: كيف سأكتب؟ كيف سأتناول الطعام؟ كيف سأعيش؟”
أسرتها، وخاصة والدتها وأخوالها، كانت الحاضن الأول الذي ساعدها على تجاوز الصدمة. وفّرت لها العائلة بيئة دعم نفسي ومعنوي جعلتها قادرة على تقبل الواقع الجديد شيئًا فشيئًا، والعودة إلى مقاعد الدراسة.
سنوات من التحدي
لم تكن السنوات الأولى سهلة؛ إذ واجهت هديل مواقف جارحة، من أسئلة الأطفال البريئة: “من يطعمك؟ ومن يسقيك الماء؟”، إلى كلمات قاسية من بعض المحيطين الذين اعتبروا الموت أهون من العيش دون يدين.
لكنها قررت أن تقاوم كل تلك النظرات والكلمات. تقول: “واجهت كلامًا قاسيًا ومواقف صعبة، لكني لن أستسلم أبدًا. ربي معي في كل الأوقات.”
التعليم بوابة الخلاص
رغم الصعوبات، واصلت هديل تعليمها بتفوق. ففي عام 2023 حققت معدلًا مرتفعًا بلغ 95.5% في الثانوية العامة، لتسطر نقطة تحول كبرى في حياتها. تلك اللحظة وصفتها بقولها: “كان شعورًا لا يوصف.. فرحة العمر.. نقطة التحول الكبرى.”
هذا التفوق فتح أمامها أبواب الجامعة، فالتحقت بكلية الإعلام في جامعة تعز عام 2024، متجاوزة كل القيود التي حاولت إعاقتها.
طالبة متميزة
في عامها الجامعي الأول، أنهت هديل المستوى الأول في قسم الإعلام بتقدير ممتاز (92%)، واليوم تواصل مسيرتها في المستوى الثاني، حاملة حلمًا بأن تصبح إعلامية بارزة تنقل قضايا الفتيات اليمنيات، خصوصًا ذوات الإعاقة وفتيات الريف، إلى الواجهة.
تكتب هديل بساعديها بمهارة لافتة، لتثبت أن الإصرار قادر على هزيمة أي عجز. وتقول بثقة: “الإعاقة الحقيقية هي إعاقة العقل وليست الجسد.”
شهادة أساتذتها
يصف تيسير السامعي، أستاذ مادة أساسيات الكتابة الإعلامية بجامعة تعز، هديل بأنها إحدى أبرز قصص النجاح في القسم، ويضيف: “ما يميزها ليس فقط تفوقها الأكاديمي، بل حضورها المؤثر وشخصيتها الإيجابية. إنها طالبة تمتلك إرادة صلبة وروحًا حماسية.”
ويشير إلى أن هديل تحولت من ضحية حرب إلى رمز إلهام لزملائها، قائلاً: “هي شخصية قيادية بطبيعتها، قادرة على الإقناع والتأثير، وتحظى باحترام واسع داخل الكلية.”
وجع وبسمة
رغم كل ما مرت به، لم تفقد هديل ابتسامتها. بين وجع الفقد ومرارة الإعاقة، تصر على أن ترسم طريقها بنفسها. تقول: “رسالتي لكل من ترك التعليم بسبب الإعاقة أو الظروف: يمكنك أن تتخطى محنتك بأفكارك وطموحك وإصرارك على المستقبل.”
وتختم: “الإعاقة لم توقفني.. بالعزيمة نصنع المستحيل.”
رمز للأمل
في مدينة تعز التي تعيش تحت الحصار منذ أكثر من عشر سنوات، تمثل قصة هديل شهادة حيّة على أن الحرب لا تستطيع قتل الأحلام. فبين الدمار والقذائف، تنمو قصص مقاومة صامتة، من بينها قصة هذه الفتاة التي فقدت يديها لتربح إرادة فولاذية.