تقارير

الملابس المستعملة.. مبادرات شبابية لإشاعة "بهجة العيد" عند الفقراء

04/05/2021, 11:18:15

قناة بلقيس - هشام سرحان

في مدينة تعز، التي سلبتها الحرب والحصار بهاءها ورونقها وبهجتها، وألقت بعشرات الآلاف من سكانها في سحيق الفقر والبطالة وجحيم المعانات وشدة الحاجة، تتهيأ العديد من المبادرات الشبابية لرسم البسمة على وجوه المئات من الأسر المعدَمة، وذلك بتقديم الملابس المستعملة كسوة لها في "عيد الفطر" القادم، وبديلاً مهترئاً عن الملابس الجديدة، التي يعجزون عن شرائها من المحلات والأسواق، التي تشهد ارتفاعاً جنونياً في أسعارها، وشحة في تواجدها، ما يجعلها حلما صعب المنال بالنسبة للبسطاء، ويفاقم مستوى عجزهم عن ابتياعها في ظل التردّي المستمر لأوضاعهم المادية والمعيشية، وتراجع قدراتهم الشرائية، وانقطاع الرواتب، وندرة المساعدات والأعمال، وشحة مصادر الدّخل.

تقود تلك المبادرات مساعي لجمع الملابس المستخدمة من الأسر الميسورة في مختلف أنحاء المدينة، منذ عدة أشهر، شرعت فيها بعقد الاجتماعات، وتدارس المشروع، وتحديد نسبة الاحتياج، والأسر المستهدفة، والصعوبات الماثلة، ومن ثم نشرت الفكرة، وروّجتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والنزول الميداني في أوساط المجتمع، وهي جهود تم مضاعفتها في شهر شعبان، الذي شهد ترويجا واسعا، وتحديد نقاط جمع الملابس والإعلان عنها، حتى يتسنّى للمتبرِّعين إيداعها.

وتوسّع دائرة المشاركة  المجتمعية لجمع 'الأسمال'، وإضحاك المحتاجين بها، كما تهدف إلى مُواسات الفقراء والمهمّشين والنازحين، وتخفيف معاناتهم، وصُنع القليل من الفرحة في أوساطهم بالعيد، وجعلهم يعيشون بشكل متواضع الأجواء العيدية، التي فقدوها جراء الأوضاع الراهنة التي تمرّ بها البلاد عموما، ومدينة تعز المكتظة بالمعوزين والمنسيين والبعيدين عن اهتمام الحكومة والمنظمات الإنسانية والسلطات المحلية فيها، خاصة.



فكرة توزيع الملابس المستخدمة ليست وليدة اللحظة، وإنما عُمرها سنوات، إذ ظهرت العام 2011 في صنعاء، ثم انتقلت التجربة إلى تسع محافظات أخرى، من بينها تعز، التي ازدهرت فيها هذه المشاريع تدريجياً مع استمرار الحرب والحصار المُطبق عليها من قِبل مليشيا الحوثيين منذ العام 2015، وما نجم عنهما من تردٍ مادي ومعيشي وإنساني مهول، لأوضاع عشرات الآلاف من الأُسر، التي يصعب توزيع الملابس الجديدة عليها، لتواضع إمكانيات القائمين على مشاريع كسوة العيد، ونُدرة الدّعم
المقدّم لها.

* جمع 'الأسمال'

تواصل مبادرة "كالبنيان"، في مدينة تعز، مزاولة هذا النشاط للموسم السابع على التوالي، إذ تقوم بجمع الثياب البالية الخاصة بالجنسين من مختلف الفئات العُمرية، من نقاطها المعتمدة، والمُعلن عنها في حساباتها الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، حسب المنسق الإعلامي للمبادرة، عمرو محمد ثابت (26 عاماً)، والذي ذكر لموقع "بلقيس": "نقوم بجمع الملابس المستعملة من الأماكن المحددة لاستقبالها، ثم نقوم بعدها بإرسالها إلى المغسلة لغسلها وكيّها".

ويضيف: "ما إن تعود إلى مقرّ عملنا في مدرسة 'نعمة رسام'، حتى نقوم بفرزها إلى رجالي ونسائي وولادي وبناتي وأطفال، ومن ثم نعلّقها، ونبخّرها، ونحصيها، ونغلفها إلى أن يحين موعد توزيعها، وافتتاح 'المول' الخيري الخاص بذلك".

يقوم فريق "كالبنيان" بالترويج لمشروعهم في مواقع التواصل الاجتماعي، قُبيل انطلاقه بثلاثة أشهر، فضلاً عن النزول الميداني إلى الشوارع والأحياء، والاتفاق مع محلات  وصيدليات ومكتبات ومحلات ملابس وغيرها، لتكون نقاطا معتمدة لتجميع الملابس، وهي واجهات يتم الإعلان عنها من قِبل أعضاء الفريق، الذين يقومون بالترويج لها وللمشروع وفكرته على "سوشيال ميديا"، ومحيطهم الإجتماعي.

ويشكِّل فرقا ميدانية من المتطوعين، الذين يقومون بالنزول الميداني للترويج للمشروع والأماكن المخصصة لاستقبال الملابس، طبقاً لثابت، الذي تحفّظ حول عدد الملابس التي تم جمعها هذا الموسم، وعدد الأسر المستهدفة والمستفيدة من المبادرة، التي قد تتلقّى أحياناً  ملابس شبه جديدة، ومخزّنة من محلات استغنت عنها، وعجزت عن بيعها.

ويتزايد سنوياً معدل الإقبال على الملابس المستعملة، التي توزّعها "كالبنيان"، من قِبل مئات الأسر الفقيرة والنازحة والمهمّشة، التي تعجز عن توفير قُوْتَها اليومي، الذي يتصدّر قائمة اهتمامها وتطلعاتها، كما تقتصر عليه أفكارها، التي تعتبر الملابس الجديدة ترفاً وحلماً عصياً في المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد، التي يعيش سكانها وضعاً كارثياً، وحياة قاسية، وظروفاً بالغة التعقيد، وتدهوراً مأساوياً في أوضاعهم، وتفاقماً كبيراً في معاناتهم، وسُوء أحوالهم، التي تضاعفت مع تفشّي تفشي فيروس "كورونا" منذ العام الماضي.
 
* ضحكة الفقراء

وتتواضع نسبة الملابس الجديدة المعروضة في المحلات والأسواق, كما تشهد ارتفاعاً جنونياً في أسعارها، ما أجبر الكثير من الأُسر على العزوف عن شرائها، ودفعها نحو اتخاذ بدائل أخرى، من بينها شراء ملابس قديمة مُخزّنة لدى التجار، وبأسعار متواضعة، أو التوجّه نحو مبادرات توزيع الملابس المستعلمة، وفقاً للناشط الحقوقي عبدالواسع الفاتكي، الذي لفت إلى استشعار العديد من المبادرات للمسؤولية المجتمعية، وقيامها بجمع الملابس القديمة والمتهالكة، وإعادة تشكليها وترميمها، تمهيداً لتوزيعها على الأُسر الفقيرة، وإسعادها بها. وذكر  لموقع "بلقيس": "أصبح راتب الموظف لا يكفي لشراء ملابس مناسبة للأطفال.

وتنتاب الحِيرة المواطنين ممن أُوصدت في وجوههم الأبوب، وقلّت الخيارات، والحِيل بالنسبة لهم، ما دفع بالبعض نحو التفكير بالإبقاء على أطفالهم في العيد بالمنازل، ومنعهم من الخروج حتى لا يرون ملابس وفرحة غيرهم فيتملكهم الحُزن جراء ذلك.
وتشهد أسواق الملابس الجديدة هذا العام إقبالاً متواضعاً، جراء غلاء أسعارها، وعدم توفر كميات كافية من البضائع، التي أخرجها بعض التّجار من المخازن الخاصة في الأعوام السابقة، فيما لجأ آخرون إلى شراء كميات قليلة من محافظات واقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثيين، حسب التاجر رعد المحيا، الذي نوّه إلى الصعوبات التي واجهتهم جراء انقسام العُملة، وابتياعهم للبضائع بالريال السعودي، وتحمّلهم تكاليف النّقل المُضاعفة عبر الطّرق الطويلة والوعِرة.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.