تقارير
المهمَّشون في رمضان.. أوضاع شديدة البؤس
مع توقّف أنشطة وبرامج المساعدات الغذائية، المموّلة من منظمات دولية كمِنح عاجلة لدعم الأسر الفقيرة في اليمن، تعاني الفئة الاجتماعية الأشد فقراً، بما فيها المهمّشون، من نقص حاد في الدَّعم والتمويل.
ازداد الوضع المعيشي سُوءًا لدى كل الأسر المهمَّشة خلال شهر رمضان؛ بسبب سياسة الحوثي الممنهجة التي يمارسها لمنع منظمات الإغاثة من الاستمرار في عملها في صنعاء.
يأتي هذا المنع كوسيلة إضافية لتجويع وإذلال فئات المجتمع.
- تأثيرات توقف الدّعم الغذائي
تقضي غالبية الأسر المهمَّشة أوقاتها الرَّمضانية متجولة في شوارع المُدن، وعند أبواب متاجرها، أو على الطُّرقات السريعة، متّخذة من التسوُّل مِهنة لها، خصوصاً النساء والأطفال؛ بحثاً عن وجبة إفطار تسدُّ بها رمق جوعها.
تقول عدد من المهمّشات لموقع "بلقيس": "المنظّمة كانوا يصرفوا لنا سلة غذائية كل رمضان، تستمر إلى نصف الشهر؛ لأنه معنا أطفال كثير ونحتاج غيرها".
وأضافت: "نحن أسر فقيرة ومعدَمة لا حال ولا مال، نخرج وقت الظهر من بيوتنا إلى الشارع؛ من شأن نطلب من الناس مساعدة حق فطور رمضان، هكذا نحن طول الشهر نجلس في الشارع إلى الفجر ونعود إلى بيوتنا".
وبرغم أن المساعدات الرّمضانية، المقدّمة لعوائل المهمَّشين، لم تكنْ كافية؛ نظراً لكثرة أفرادها، إلا أنّها كانت تخفف عنهم وطأة الجوع بعض أيام الشهر الكريم، مع اعتمادهم على مِهنة التسوّل بصُورة دائمة.
يقول النّاشط "علي جميل" (موظف سابق في إحدى المنظمات بصنعاء) لموقع "بلقيس": "منح المساعدات الغذائية للفئات الفقيرة، والمتضررة من النّزاع والحروب، ساهم في توفير الدَّعم للمعدَمين، كجزء من الحلول الطارِئة لإنقاذهم من خطر الجوع، وتغطية بعض الاحتياجات اليومية الضرورية".
وأضاف: "الحوثيون هم من أوقفوا هذه البرامج، وقطعوا عن الفقراء والمهمّشين الدعم الغذائي المُخصص لهم من مِنح المساعدات الدَّولية".
وأشار إلى أن "سياستهم الهمجية أفرزت هذه الأوضاع المعيشية الصعبة".
وخلال العامين الأخيرين، أدت حملات المضايقات، وابتزاز المنظَّمات، إلى تجميد كل مِنح تمويل ودعم المشاريع الإنسانية في مناطق سيطرة المليشيا، بذرائع تشويه فجَّة تفتقد للمصداقية.
- بلا مستلزمات رمضانية
بينما كانت تحصل أسرة واحدة من كل خمس أسر مهمَّشة على مساعدات غذائية، لم تعد هذه الأسر تتلقَّى أي دعم حالياً، إذ يمر الموسم الرمضاني خلافاً للمواسم السابقة، بدءًا من انعدام الأمن الغذائي وعجز المهمَّشين عن توفير الاحتياجات الرَّمضانية.
يقول المهمَّش "سالم حسن" (رب أسرة) لموقع "بلقيس": "لا نستطيع، مثل بقية الناس، أن نشتري مصاريف رمضان الضرورية"، موضحا أنه كان في السابق يُصرف لأسر قليلة منهم سلة غذائية.
وأضاف: "هذه المرَّة، لم نستلم حاجة، وحالتنا مُتعبة، حتى الفطور لم نحصل عليه بسهولة، نحن أكثر ناس مظلومين، وحياتنا عذاب دائم".
في سياق استعدادات الأهالي الرَّمضانية، يتوارى المهمَّشون عن القيام بأي التزامات أساسية؛ نظراً لعدم قدرتهم على توفير أبسط المستلزمات الرَّمضانية لأسرهم؛ كونهم الأشد فقراً والأقل دخلاً والأدنى مهنياً.
تقول المهمَّشة "سميرة الزبيدي" لموقع "بلقيس": "هذه السَّنة، ما صرفوا مساعدات؛ لا دقيق، ولا أرز، ولا زيت، ولا سكر، لديَّ 7 أطفال نعيش في محوى المهمَّشين بمنطقة 'عَصِر'".
وأضافت: "كل يوم أخرج معهم ندوِّر من الناس مصروف رمضان، ما معنا فلوس نشتري الحاجات حق رمضان، كل أسرنا وأطفالنا في الشارع بين الشمس والبَرْد".
يفتقد المهمّشون لقضاء أبسط الأجواء الرَّمضانية، مقارنة ببقية فئات المجتمع المختلفة، حيث الفقر المُدقِع ظاهرة سائدة في أوساطهم، بالإضافة إلى حرمانهم من المعونات والدَّعم اللازم.
تشير تقديرات أممية حديثة إلى أن "عدد المهمّشين في اليمن يتراوح بين نصف مليون إلى 3.5 مليون شخص".
- أعمال متدنِّية
تعد أعمال النَّظافة أبرز مِهنة يُمارسها المهمَّشون، إضافةً إلى بعض الأعمال البسيطة الأخرى. ومع غياب الاهتمام الرَّسمي برعاية مصالحهم، أصبح المهمَّشون محصورين في مساحة عيش ضيِّقة ومعزولة؛ تفتقر إلى التعليم والرِّعاية الصحيَّة، مما يهدد مستقبلهم المعيشي.
يقول "إبراهيم عمر" (عامل نظافة) لموقع "بلقيس": "نحن محرومون من أبسط الخدمات؛ من يعمل منا في النَّظافة فقط، فئتنا مهضومة، وحقوقنا مصادرة، حتى الصَّدقات قطعوها علينا هذا العام".
وأضاف: "كُنت أستلم إكرامية كل رمضان، هذه السَّنة ما استلمت، ولا بيصرفوا شيء، جاء رمضان وسيأتي العيد والعامل محتاج لمن يساعده".
تقول "هنية عبد الملك" (باحثة اجتماعية) لموقع "بلقيس": "المهمَّشون بحاجة إلى رعاية واهتمام رسمي على جميع المستويات؛ ليتم دمجهم في المجتمع، وتوظيف قدراتهم، بدلاً من استغلالهم في أعمال النظافة، والأعمال المتدنِّية بأجور زهيدة".
وبالرَّغم من التعقيدات المعيشية السيِّئة، استقبل السكان شهر رمضان بإمكانيات متواضعة، إلا المهمّشين أُجبروا على الصَّوم في ظل مأساة الحِرمان من الدَّعم والمعونات.