تقارير

اليمن التائه في أجندة الفاعلين الأجانب والتسوية المستحيلة

18/06/2023, 05:03:44
المصدر : خاص

تتواصل الدعوات الإقليمية والدولية لوقف القتال وإحلال السلام في اليمن، وبالتوازي مع ذلك تزداد التعقيدات التي تحول دون تحقيق السلام أو الحسم العسكري المفضي إلى السلام، وقد يتحقق السلام في اليمن إذا وُجِدَت إرادة دولية صارمة تجبر جميع الأطراف على الانخراط في تسوية سياسية شاملة وليس تسوية تكتيكية أو هدنة طويلة الأمد، لكن الإرادة الدولية غائبة، لأنها ستصطدم برغبات وأجندة الفاعلين الإقليميين في الأزمة اليمنية، مثل السعودية وإيران والإمارات، بل فبعض الدول الكبرى لها رؤى متناقضة للتسوية في اليمن، كما أن خصوصية الشأن اليمني تحول دون تأثير المصالحات الإقليمية على أزمة البلاد.

وهكذا تاهت الأزمة اليمنية في حسابات الفاعلين الأجانب وأجندتهم، بل فحتى الأطراف المحلية تخضع تصرفاتها ومواقفها لأجندة الفاعلين الأجانب وحساباتهم، ومنطلق هذه المواقف، بالنسبة لكل طرف، أن يضمن استمرار دعم حليفه الخارجي، والخشية من أن يتخلى عنه ذلك الحليف، في حين سيبقى خصومه في الداخل على علاقة جيدة مع حلفائهم، والخشية من أن يؤثر ذلك على موازين القوى في الداخل الهش أصلا، ومن الصعب إجراء تسوية توفق بين أهداف أو مطالب الأطراف المحلية وحسابات الفاعلين الأجانب.

- الفاعلون الأجانب.. التنافر بين المصالح ومقترحات الحل

تتعدد مقترحات الفاعلين الأجانب والقوى الدولية بشأن التسوية السياسية في اليمن، ومعظم تلك الرؤى تصطدم مع تطلعات وآمال الشعب اليمني، وبنفس الوقت لا يوجد أي إجماع إقليمي ودولي حول آليات التسوية في اليمن، ولعل تعدد الفاعلين الأجانب وتباين مشاريعهم أو تضارب مصالحهم في اليمن، جعل القوى الدولية تساير الفاعلين الإقليميين في الأزمة اليمنية، وتحاول إيجاد تسوية تضمن مصالح الجميع، لكن مصالح الفاعلين الأجانب ستصطدم بالمصلحة العامة للشعب اليمني، وهنا يكمن المأزق الحقيقي لكل الأطراف.

إن الرفض الشعبي لبعض المكونات التي صنعها التحالف السعودي الإماراتي، ورفض التدخل العدواني لبعض القوى الإقليمية، ورفض مشاريع تفتيت البلاد وملشنتها ورفض استمرار انتهاك سيادة البلاد، جعل جميع الفاعلين الأجانب في حيرة من أمرهم، فالإرادة الشعبية تصطدم مع أهداف الفاعلين الإقليميين، والإرادة الدولية غائبة مراعاة لأهداف الفاعلين الإقليميين أيضا، وكل المقترحات للحل السياسي لا تحظى بالإجماع الشعبي، ولذا فالأطراف الخارجية تراهن على عامل الوقت وحدوث متغيرات تنعكس آثارها على المزاج الشعبي الرافض لمشاريع التقسيم وملشنة البلاد وتقاسم النفوذ بين قوى أجنبية.

- موقف الولايات المتحدة الأمريكية.. مبادرة كيري

في بداية الحرب، اتسم الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية وموقفها من مختلف الأطراف بالغموض، بل فقد تركت واشنطن حرية الحركة للرياض لتحديد الكيفية التي تنهي بها أزمة اليمن، ولم يتبلور موقف أمريكي واضح إلا في 25 أغسطس 2016، عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي حينها، جون كيري، في مؤتمر صحفي بمدينة جدة مع نظيره السعودي حينها، عادل الجبير، عن مبادرة سياسية لحل الأزمة اليمنية.

وأشار جون كيري إلى أن هناك توافقا رباعيا بشأن مبادرته، أمريكي وبريطاني وسعودي وإماراتي، وقال إن مبادرته تتضمن خطوطا عريضة لتسوية النزاع في اليمن، وإنها ستشمل في المرحلة الأولى تشكيلا سريعا لحكومة وحدة وطنية وتقاسم السلطة بين الأطراف، وانسحاب القوى العسكرية من صنعاء وغيرها من المدن، وتسليم الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الصواريخ البالستية وقاذفاتها، إلى طرف ثالث (لم يسمه).

وقد قوبلت مبادرة جون كيري برفض شعبي واسع، مما دفع الإدارة الأمريكية لإصدار توضيح بشأنها، وسبب الرفض أن تلك المبادرة تتعارض مع خارطة السلام التي تقدم بها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن حينذاك ولد الشيخ أحمد، وتتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي 2216، كما أن التسلسل الزمني للمبادرة كان مبعث خلاف، حيث أشارت مبادرة كيري إلى أن الخطوة الأولى هي تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الحوثيون، تليها عملية تسليم السلاح، وكان ذلك بمنزلة شرعنة أمريكية للانقلاب الحوثي في اليمن. ورغم أن تلك المبادرة فشلت وطواها الإهمال، لكنها تعكس حقيقة الموقف الأمريكي من الصراع في اليمن.

- الموقف البريطاني.. الاعتراف بالأوضاع القائمة

توصف بريطانيا بأنها حاملة قلم ملف اليمن في مجلس الأمن، وعن موقفها من حرب اليمن، ورؤيتها للحل السياسي، فهي تتبنى الاعتراف بالأوضاع القائمة وتقاسم الموارد ورفع العقوبات، وترى، وفق حديث السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، لصحيفة "الشرق الأوسط"، في 14 مايو الماضي، أن أي صفقة ناجحة في اليمن يجب أن تحتوي على اتفاق اقتصادي لتسوية الموارد اليمنية المبعثرة التي يمكن تقاسمها، إلى جانب معالجة القضايا السياسية طويلة الأمد، مثل مستقبل الجنوب كجزء من أي تسوية سياسية قادمة.

يُفهم من حديث السفير البريطاني أن بلاده مع مشروع انفصال جنوب اليمن، وإعطاء الحوثيين نصيبا وافرا من موارد البلاد ومنحهم شرعية سياسية، وتثبيت سيطرة السعودية في شرقي اليمن، وتثبيت سيطرة الإمارات في جنوبي وغربي اليمن. 

وكانت بريطانيا قد نشرت، في أغسطس 2020، قوات عسكرية تجاوزت 40 جنديا في مطار الغيضة بمحافظة المهرة، وبرفقتهم أجهزة إلكترونية للاتصالات لإدارة عمليات تلك القوات من جانب وزارة الخارجية البريطانية، وتعمل تلك القوات مع القوات الخاصة الأمريكية الموجودة في المنطقة، وفق مصادر إعلامية بريطانية.

- السعودية.. دعم الانفصال والسيطرة على حضرموت والمهرة

تطمح السعودية للحصول على منفذ بحري في شرقي اليمن منذ عهد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، بهدف مد أنبوب نفطي ينقل نفط المملكة إلى البحر العربي عبر الأراضي اليمنية، وازدادت الحاجة لذلك بعد تزايد التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، وترى السعودية أن الفرصة حانت للسيطرة على شرقي اليمن ومد أنبوب نفطي من دون أي عقود أو امتيازات ستحصل عليها الحكومة اليمنية، كما أن كثافة تعزيزاتها العسكرية إلى محافظة المهرة تعكس نوايا سيئة أو رغبة في الاستيلاء على مناطق شرقي اليمن وضمها لأراضي المملكة.

وكانت القوات السعودية قد قدمت إلى محافظة المهرة في نوفمبر 2017، وسيطرت على الموانئ والمطار والمنافذ البرية في المحافظة، وأنشأت هناك خمس قواعد عسكرية بذريعة تأمين الحدود اليمنية العمانية من تهريب الأسلحة وغيرها، وكلفت إحدى شركاتها النفطية ببناء ميناء نفطي في محافظة المهرة.

وفي العام 2018، بدأت السعودية العمل على إنشاء أنبوب نفطي يمتد من عمق المملكة ويمر عبر شرورة ويصل إلى سواحل محافظة المهرة، كما نشرت مؤخرا قوات عسكرية موالية لها، بدأت بتدريبها منذ منتصف العام 2022، وتتكون من ثمانية ألوية، ونشرتها في جميع المحافظات الجنوبية والشرقية، خصوصا محافظتي حضرموت والمهرة الشرقيتين، وهذه القوات لا تتبع وزارة الدفاع اليمنية، ولكن تتبع القيادة العسكرية السعودية مباشرة، وشكلتها تحت لافتة تأمين مقر الحكومة اليمنية في مدينة عدن.

- الإمارات.. دعم الانفصال والسيطرة على الموانئ والجزر

بدأت الإمارات منذ وقت مبكر بدعم مشروع انفصال جنوب اليمن وتثبيت نفوذها في المحافظات الجنوبية والشرقية، فسيطرت على ميناء عدن، وميناء المخا، والجزر اليمنية في البحر الأحمر والبحر العربي، ومضيق باب المندب، كما سيطرت على المنشآت النفطية والغازية في حضرموت وشبوة، وأنشأت مليشيات وتشكيلات عسكرية انفصالية، وزودتها بالمال والسلاح، وتستخدم نفوذها والمال السياسي لاستقطاب بعض الشخصيات الجنوبية للانضمام إلى المجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم من الرياض وأبو ظبي.

- إيران.. عودة الإمبراطورية الفارسية

ترى إيران أن سيطرة حلفائها، مليشيا الحوثيين، على مساحات واسعة في شمال اليمن أكبر مكسب إستراتيجي منذ اندلاع الثورة الخمينية على حكم الشاه محمد رضا بهلوي، لدرجة أنها وصفت سيطرة مليشيا الحوثيين على العاصمة صنعاء بـ"عودة الإمبراطورية الفارسية"، لأن تمدد نفوذها إلى اليمن منحها مركز صراع متقدم يمكنها من تهديد السعودية في عمق أراضيها، وتهديد مصالح العالم من خلال التلويح بإغلاق مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وهذا المكسب الإستراتيجي سيمكنها من ابتزاز الدول الكبرى، وخنق تجارة النفط عندما تقتضي الحاجة ذلك.

- اليمن خارج المساحات الرمادية

يتضح مما سبق أنه من الصعب التوفيق بين مصالح جميع الفاعلين الأجانب في اليمن وأجندتهم، كما أن تلك المصالح المتنافرة فيما بينها تتنافر أيضا مع المصلحة العامة للشعب اليمني، وقد تسبب كل ذلك في فشل جميع مساعي تسوية الأزمة اليمنية منذ ما قبل انقلاب مليشيا الحوثيين على السلطة الشرعية، وكان الرهان مؤخرا على أن تسهم المصالحة السعودية الإيرانية في خفض التصعيد في البلاد وصولا إلى إنهاء القتال وإحلال السلام، والتعويل على دور الصين للتوسط بين الأطراف اليمنية لاستكمال ما قد تفرزه المصالحة السعودية الإيرانية من تأثير على الصراع في اليمن، لا سيما أن الجهود السابقة للمصالحة بين السعودية وإيران، تزامنت معها حوارات وزيارات سرية متبادلة بين السعودية ومليشيا الحوثيين.

أي أن المسار الذي أفضى إلى مصالحة سعودية إيرانية، قد يفضي إلى مصالحة سعودية حوثية، وربما يحل ذلك مشكلة السعودية مع الحوثيين، لكنه لن يحل مشكلة مليشيا الحوثيين مع الشعب اليمني، حتى وإن أسهم في حل مشكلة الحوثيين -بضغوط سعودية- مع السلطة الشرعية المفترضة بعد إطاحة الرياض وأبو ظبي بالسلطة اليمنية الشرعية التي انقلبت عليها مليشيا الحوثيين.

وبالنسبة للمصالحة السعودية الإيرانية ومدى تأثيرها على الوضع في اليمن، فالمصالحة تلك كانت مغامرة أو قفزة إلى المجهول اقتضتها ظروف آنية جعلت من البلدين في حاجة ماسة لها، لكن جرى تضخيمها كونها تمت بوساطة صينية، وتفسير الأمر بأنه تسلل صيني إلى مناطق النفوذ الأمريكي، مع أن الصين حصدت جهودا سابقة، عراقية وعمانية، للمصالحة بين الرياض وطهران.

لكن تلك المصالحة تبدو هشة، لأن بنودها ركزت على المساحات الرمادية التي لا تشكل محورا للخلافات والصراع المباشر، مثل إعادة فتح السفارات والتبادل التجاري وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بيد أن طبيعة الوضع في اليمن تجعله خارج المساحات الرمادية، خصوصا أن صراع اليمنيين مع الإمامة السلالية بدأ قبل ظهور السعودية وإيران بشكلهما الحالي، وبالتالي فخصوصية الصراع في اليمن تجعل من تأثير المصالحات الإقليمية عليه محدودا.

ومع طول أمد الصراع، وعرقلة السعودية والإمارات للحسم العسكري ضد مليشيا الحوثيين، ازدادت تعقيدات الوضع الداخلي في اليمن وبدأت تنحو في اتجاه آخر، والفجوة تزداد اتساعا كل يوم بين مختلف الأطراف، وزاد من هشاشة الوضع تفتيت السعودية والإمارات للسلطة الشرعية وتشتيتها بين مكونات متنافرة وبعضها بلا شرعية قانونية، فضلا عن تنافر أهدافها، فطرف يريد الانفصال، وطرف يريد استعادة حكم عائلة علي صالح، وآخر يريد يمنا اتحاديا من ستة أقاليم، وهكذا.

يضاف إلى ذلك أن هرولة السعودية للمصالحة مع الحوثيين ومنحهم مكاسب وتنازلات لم يكونوا يحلموا بها، فتح شهيتهم للحصول على المزيد من المكاسب والتنازلات، رغم وضعهم العسكري الصعب بعد فشل معركتهم في مأرب، وطردهم من ثلاث مديريات في شبوة، وتراجعهم في عدد من جبهات تعز وحجة، وهذا أسهم في تعقيد الوضع أكثر، لأنه لا يمكن أن يقدم الحوثيون تنازلات لتحقيق السلام إذا كانت المكاسب تتوالى عليهم بلا عمل عسكري أو تضحيات كبيرة.

- ضرورة الإرادة الدولية لتحقيق السلام

أخيرا، قد يتفق الفاعلون المحليون والأجانب على هدنة طويلة الأمد، لكن من المستحيل أن تفضي أي هدنة إلى تسوية شاملة ومستدامة، فالسلام الشامل يتطلب أولا التوافق بين الفاعلين الأجانب على انسحاب أي قوات أجنبية من اليمن، وإبدال ذلك بإرادة دولية صلبة تجبر الأطراف المحلية على عودة الدولة إلى وضعها الطبيعي، والانخراط بجدية في تسوية سياسية شاملة ومستدامة، والتلويح الجدي باستخدام القوة العسكرية ضد الطرف المعرقل للتسوية السياسية.

وتكون البداية من تسليم سلاح المليشيات والتشكيلات العسكرية غير النظامية للدولة، واستئناف العملية السياسية من حيث توقفت وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، مع وضع أسس العدالة الانتقالية، وإعادة مناقشة شكل الدولة والنظام السياسي، وإصلاح قطاع الأمن، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، ووضع الضمانات التي تحمي التسوية من انقلاب أي طرف عليها. ومن دون إرادة دولية صلبة لإحلال السلام، فإن خيار الحرب سيأخذ مساره حتى النهاية.

عبدالسلام قائد
تقارير

انهيار الدعم الدولي لليمن.. مؤشرات لفقدان الأولوية

تشهد المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن تراجعًا غير مسبوق، في ظل تقليص الأمم المتحدة خططها وتراجع مساهمات المانحين الدوليين، ما ينذر بكارثة إنسانية قد تطال الفئات الأكثر ضعفًا في البلاد، لا سيما في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.