تقارير
بعد قمع احتجاجات النساء في عدن.. كيف للانتقالي أن يدّعي حماية المرأة الجنوبية؟
خرجن نساء عدن إلى الشارع وهن يحملن وجع المدينة بأكملها، خرجن لأن الانهيار الذي يلتف حول حياتهن لم يترك لهن خيارًا سوى أن يواجهن. لم يحملن شعارات سياسية، بل ارتفعت أصواتهن في الشوارع للمطالبة بالحياة، والخدمات، والعيش الكريم. لكن، ما الذي حدث؟
قوات المجلس الانتقالي الجنوبي تعاملت مع احتجاجات النساء السلمية في عدن بالعنف، واستخدمت القوة لتفريقهن، وأصدرت قرارًا بفرض حظر على أي تجمع عام. وما يثير القلق أكثر من القمع نفسه، هو الغياب الكامل لأي موقف من النخب السياسية.
مؤشر خطير
تقول المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، إن ما حصل يوم السبت الماضي في ساحة العروض، هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وأيضًا لحرية التعبير والتجمع السلمي الذي يكفله الدستور اليمني والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن.
وأضافت: “هذا يدل على أن كل المشاريع التي نفذها المجتمع المدني لم تؤثر في ثقافة احترام حقوق الإنسان بالنسبة لأجهزة إنفاذ القانون، لأن ما حصل ليس مجرد تضييق على تحرك نسوي، بل هو مؤشر خطير على قمع الحريات المدنية، واعتبار المرأة خطرًا لا صوتًا”.
وتابعت: “ما حدث من اعتداءات وانتهاكات للنساء أثناء تظاهراتهن السلمية، ومصادرة بعض هواتف النساء اللواتي كن متواجدات، مرفوض نهائيًا”.
وأوضحت أن هناك مقاطع مصورة أفادت فيها النساء بتعرضهن للقمع والاعتداءات، وأيضًا للتحريض من قبل بعض العناصر التي كانت متواجدة داخل ساحة العروض، وإجبارهن على مغادرة الساحة، والتجمع في شوارع خلفية في خور مكسر.
وأردفت: “هذا يُعتبر مؤشرًا خطيرًا جدًا، يجب إدانته من المجتمع المدني في عدن، وأيضًا من قبل وسائل الإعلام، والأحزاب السياسية، والحكومة الشرعية، لأن ما يحدث يمثل خطرًا كبيرًا على حرية التعبير، وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان”.
قرار مرفوض
يقول الصحفي الموالي للمجلس الانتقالي، صلاح السقلدي، إن الهاجس الأمني والخوف من أي أعمال، كما يقول المجلس الانتقالي، بأنها قد تفضي إلى شغب أو تمس الممتلكات العامة، هو الذي يسيطر على المجلس والسلطات الأمنية في المحافظة، وبالتالي صدر قرار منع التظاهرات.
وأضاف: “هذا القرار صدر في أغسطس 2007، أي بعد شهرين من انطلاق الحراك الجنوبي، وكان يقصد به قمع الحراك، ولكن من المفارقات المؤلمة أن علي عبد الله صالح لم يتجرأ أن يضمّ ذلك القرار إلى القوانين، ولم يتجرأ حتى على تنفيذه على أرض الواقع”.
وتابع: “رفضنا ذلك القرار في أضعف حالاتنا، فكيف نقبله اليوم ونحن في أحسن حالاتنا نسبيًا، ومن إخواننا ورفاق دربنا؟ فهذا أمر مرفوض بكل تأكيد”.
وأردف: “نتفهم الجانب الأمني، ونتفهم حاجة الناس للسكينة، ونتفهم أن هناك من يحاول بالفعل أن يدخل بين صفوف المتظاهرين، لكن هذا لا يعطي الحق ولا أي مبرر للسلطات، سواء السياسية أو الأمنية، بأن تطبّق هذا القرار الجائر، الذي بالفعل يسيء حتى لسمعة المجلس الانتقالي”.
وزاد: “كنا نتفاخر، وأتمنى أن نظل نتفاخر، بأن مساحة الحرية في عدن أفضل حالًا من المساحات الأخرى، في صنعاء، ومأرب، وتعز، والمخا”.
وقال: “التقينا بقيادات المجلس الانتقالي وطرحنا عليهم هذا الكلام بشكل واضح، وكان حديثًا صريحًا لا لبس فيه، وأعتقد أنهم بدأوا، ولو على استحياء، يتفهمون أنهم وقعوا في الخطأ”.
وأضاف: “قلنا لهم بصريح العبارة: لو سُمح للمسيرة أن تتم في ساحة العروض، ساعة أو ساعة ونصف بالكثير، لكان أفضل مما حصل بعد ذلك. فقد حدثت المظاهرة بكل الأحوال، وتم قمع المتظاهرين، وانتشر خبر التظاهرة على نطاق واسع، وبشكل كبير جدًا”.
وتابع: “القرارات المرتجلة وغير الصائبة تأتي بنتائج عكسية، بعكس ما كان يتوقعه المجلس الانتقالي والسلطات الأمنية. فهذه التظاهرة كان لها صدى كبير، وبدلًا من أن تُحصر في ساحة معينة ووقت محدد، انتشرت في شوارع المدينة، والرسالة وصلت بشكل أوسع وأكثر وضوحًا”.
وأكد أن المواطنين لا يعرفون إلا سلطة المجلس الانتقالي باعتباره المفوّض، والمعني، وهو السلطة الفعلية على أرض الواقع، ولا نعترف ولا نطالب لا العليمي، ولا الإصلاح، ولا المؤتمر، لأن هذه القوى هي أساسًا خصمنا وهي سبب مأساتنا.
وقال: “نطالب المجلس الانتقالي، وإلا فعليه أن يتنحى جانبًا، ويتركنا نواجه العليمي والسلطات والشرعية والحكومة وجهًا لوجه. عليه ألا يتخذ من نفسه ساترًا على هؤلاء إذا كان بريئًا، أما إذا قدم نفسه كسلطة، فعليه ألا يتنصل من مسؤولياته والتزاماته أمام الشعب”.
من المسؤول؟
يقول الصحفي فتحي بن لزرق، إن التظاهرات في عدن، سواء كانت نسائية، أو رجالية، أو شبابية، تعبر عن أن الناس لديهم قضية حقيقية، وأزمة مستمرة.
وأضاف: “الناس يعيشون منذ أكثر من شهر بدون رواتب، والكهرباء منقطعة، وشبكات الصرف الصحي تكاد تغرق شوارع عدن، وهناك تفشٍّ واسع لحالات حمى الضنك وغيرها، وانهيار في قيمة العملة… هذه كلها مؤشرات على وجود معاناة حقيقية”.
وتابع: “أمام هذا الواقع، يجب أن تكون هناك سلطة مسؤولة عن حياة الناس، ولا يمكن القبول بأن تظل الأطراف السياسية تتصارع وتتبادل الاتهامات”.
وأردف: “أنا كمواطن، من هي السلطة التي أراها في عدن؟ هذا سؤال محوري. والإجابة عليه قد توصلنا إلى الكثير. وأنا شخصيًا أرى المجلس الانتقالي هو الجهة المسيطرة والحاضرة والفاعلة والمؤثرة بشكل كلي”.
وزاد: “الحديث عن الشرعية لم يعد واقعيًا؛ لم تعد هناك شرعية فاعلة. هناك أطراف تمثل الحكومة تتحدث، لكنها غير حاضرة فعليًا. ومع ذلك، فإن هذا لا يعفي المجلس الانتقالي من المسؤولية، فهناك أطراف أخرى مثل التحالف والحكومة تشاركه في هذه الأزمة”.
وقال: “الخطأ الأكبر الذي يمارسه المجلس الانتقالي اليوم هو تصديه للشارع، وقمعه لحراك شعبي غير مسيّس، ولا موجّه ضد أي طرف. إنه حراك ناتج عن الأوضاع المعيشية والخدماتية، لا عن صراع سياسي”.