تقارير
بعد 10 سنوات من الحرب.. هل يمتلك أطفال اليمن "بدلة العيد"؟
الحديث عن كسوة العيد صار -عند كثير من الأسر- أشبه بالكلام عن ذكرى قديمة، وطقوس لم يعد لها وجود، ولم تعد بالحسبان بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب التي أدت إلى سقوط أغلبية الناس تحت خط الفقر، وانعدام الأمن الغذائي.
في سنوات ما قبل الحرب، التي اندلعت نهاية العام 2014، كانت كسوة العيد من الأساسيات التي تسعى الأسر الميسورة والفقيرة لشرائها؛ كي تسعد أطفالها، وتدخِل الفرحة إلى قلوبهم.
كانت الأسر تحرص على تجهيز كسوة العيد بداية من شهر شعبان؛ هربًا من زحمة المحلات، وارتفاع الأسعار؛ بسبب الإقبال الكبير.
- الاكتفاء بملابس نظيفة
الخمسيني قاسم علي الريمي (أب لسبعة من الأبناء والبنات) خرج، بداية شهر رمضان المبارك الحالي، هو وزوجته وأبناؤه الصغار إلى سوق شُعوب لشراء ملابس العيد، فأمضى الليل متنقلًا بين المحلات؛ بحثًا عن ملابس تُناسب إمكانيّاته المادية، وفي النهاية عاد هو وزوجته إلى المنزل خاليَ الوِفاض.
يقول الريمي لـموقع "بلقيس": "أرسل لي أحد الأقارب عشرين ألف ريال مساعدة رمضانية، فقررت أنا والزوجة أن نخصصها لملابس الأبناء الأربعة الصغار، بمعدل خمسة آلاف لكل واحد منهم، لكننا لم نستطِعْ شراء ملابس العيد من المحلات التجارية؛ نتيجة ارتفاع أسعار الملابس، ومحدودية المبلغ".
لم ينتهِ مشوار شراء الكسوة العيدية على خير، فقد تسببت عدم القدرة على الشراء في مشادات كلامية في السوق، وتوترت الأوضاع بين الزوجين، ليتحوَّل ذلك إلى مشكلة عائلية؛ حمّلته الزوجة مسؤولية تدبير مبالغ إضافية حتى تتمكَّن من شراء الملابس والأحذية.
وبالرّغم من المحاولة الفاشلة للريمي، الذي ما يزال ينتظر الفرج لتوفير الكسوة، إلا أن الكثير من الناس لم تسعفهم ظروفهم بمجرد التفكير بالملابس العيدية، واكتفوا بالاحتفاظ بالملابس النظيفة، التي يدَّخرونها من عام إلى آخر.
- عيد الأغنياء
في السنوات الأخيرة، انتشرت معامل صناعة الملابس المحلية، فتوفّرت الملابس الجديدة بأسعار رخيصة نسبيًا، مقارنة بالملابس المستوردة، خاصة بعد أن فرضت مليشيا الحوثي عليها ضرائب إضافية، إلا أن الإقبال عليها من الناس ضعيفٌ جدًا؛ بسبب استخدام المعامل أقمشة ذات جودة متدنية، وخياطة تقليدية، بحسب تاجر الملابس عبدالله الأكوع لـموقع "بلقيس".
يقول الأكوع: "إن الإقبال على شراء ملابس العيد، هذا العام والعام الماضي، منخفض جدًا، ويعاني السوق من ركود كبير، ومن يقدِمون على الشراء، وخاصة من محافظة صنعاء وما جاورها، يشترون لأطفالهم أثوابًا وأكواتًا رخيصة، باستثناء القليل من الزبائن الذين يشترون لأطفالهم أكثر من بدلة".
موسم العيد هذا العام لم يحرِّك عجلة العمل لدى عبد الواسع الصبري، الذي يمتلك محلًا لخياطة البنطلونات والبدلات، شمال أمانة العاصمة، وما يزال يقف طويلًا برفقة الملل أمام محله؛ ينظر إلى المارَّة في الشارع ذهابًا وإيابًا، على أمل أن يأتي رزقه ولو متأخرًا.
وعلى وقع سؤال: "كيف العمل معك؟"، يقطِّب الصَّبري وجهه، وتظهر عليه علامات الضٍَجر ويرد بامتعاض: "وين باقي عمل، وأنت تشوف الشارع كله معلِّق لوحات التخفيضات".
ويتَّفق الصبري مع التاجر الأكوع في أنّ "ملابس العيد لم تعد تخص كل النَّاس، وإنّما القليل ممن ازدهرت أوضاعهم خلال سنوات الحرب، أو الناس الميسورين ممن لم تؤثر عليهم تبعات الأوضاع المحلية، أما الأغلبية العظمى فالعيد مجرد يوم عادي سيَمر".
- غياب المبادرات المجتمعية
الجمعيات الخيريّة، وعلى رأسها "الإصلاح الخيرية"، "الصالح، والعديد من الجمعيات التي كانت منتشرة في مختلف المحافظات اليمنية، كانت بمثابة الرافد الأساس للأسر الفقيرة بملابس الأطفال العيدية، إلا أنها، في السنوات الأخيرة، لم يعد لها أثر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ بسبب التضييق، والتدخّل المباشر في مشاريعها.
مبادرات كسوة العيد الخيرية لم تتوقّف على جميع الأسر في الوقت الرَّاهن، بل انحصرت على الموالين لمليشيا الحوثي، حيث قدَّمت الهيئة العامة للزَّكاة هذا العام مليارات الرِّيالات لكسوة من تسميهم "أبناء الشهداء"، علاوةً على مشروع كسوة "مؤسسة الشهداء"، و"مؤسسة بنيان"؛ التابعتين للحوثيين أيضًا.
يقول الأربعيني هشام الأرحبي لموقع "بلقيس" إنّه لم يستطعْ، حتى الوقت الرَّاهن، شراء ملابس العيد لأبنائه، الذين يرى أنهم اعتادوا على غياب كسوة العيد أغلب الأعياد.
وأضاف مازحًا: "عندما يرى أبنائي الحوثيين يوزِّعون كسوة العيد، جوار المنزل، على أبناء من يسمونهم الشهداء يتمنَّون لو كنت شهيدًا".
جو الفرح والسعادة، الذي يُفترض أن يسود يوم العيد، والشوارع يجب أن تزهو بالملابس الجديدة الملوَّنة على الأطفال، يتحوّل إلى يوم يُفرز فيه الناس في خانتي "الأغنياء والفقراء"، وتزيد الهُوة اتساعًا بينهما في كل عام.