تقارير
بعد 3 سنوات من الفشل.. هل يمكن لمجلس القيادة أن يخرج من المأزق الحالي عبر إقرار القواعد المنظمة؟
بعد ثلاث سنوات، لا يزال مجلس القيادة الرئاسي يعمل دون قواعد منظمة تحدد صلاحياته وآليات اتخاذ القرار. وأثار الإعلان عن انتهاء مراجعة مسودة القواعد تساؤلات عن جدواها بعد تأخيرها منذ مايو 2022، حين تسلّمها رئيس المجلس رشاد العليمي دون اعتمادها.
غياب هذه الأطر التنظيمية يعمّق حالة الفوضى، حيث تُدار مؤسسات الدولة بالموازنات السياسية بدلًا من آليات حكم واضحة. وتعكس تصريحات لقيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي عن فشل المجلس الرئاسي انقسامات داخلية حادة، يفاقمها نفوذ المجلس الانتقالي وتعطيله لعمل مؤسسات الدولة.
التوتر بين رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، ورئيس الوزراء، أحمد عوض بن مبارك، يزيد من الشلل السياسي، مما يضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. وفي ظل هذا الواقع المعقد، تطرح أسئلة جوهرية حول تعقيدات الحاضر وتحديات المستقبل: هل يمكن لمجلس القيادة الرئاسي أن يخرج من المأزق الحالي عبر إقرار القواعد المنظمة؟ أم أن الانقسامات العميقة ستظل حجر عثرة أمام أي إصلاح حقيقي؟
تأدية أدوار
يقول المحلل السياسي ياسين التميمي: “لم يكن الهدف من مجلس القيادة الرئاسي الجديد أن يكون رأس سلطة كاملة الصلاحية تدير الدولة بإرادة رئاسية كما يفعل رئيس منتخب، وهذا الأمر كان واضحًا منذ اللحظة الأولى”.
وأضاف: “هم شكلوا وفدًا تفاوضيًا من مختلف الأطراف، وكان من المفترض أن تكون مهمته سياسية، لكن تبيّن لاحقًا أن حتى هذه المهمة قد تمّت مصادرتها، حيث جرت أكثر المحادثات جدية بين طرفين فقط، هما المملكة العربية السعودية وميليشيا الحوثي، بينما بقي المجلس الرئاسي مجرد شاهد”.
وتابع: “جزء من المجلس لا يرضيه هذا المسار، لكن جزءًا آخر منه غير معني أصلًا بأي تسوية سياسية تعيد الدولة اليمنية”.
وأوضح أن “الطرف المحسوب على المجلس الانتقالي لا يعنيه أي تسوية سياسية يمكن أن تستعيد اليمن كما نعرفها، بحدودها الحالية، وسلامة أراضيها، ومركزها القانوني المحترم. لأن هدفه الرئيسي هو تفكيك اليمن، في حين أن هناك أطرافًا أخرى لديها مشاريع خاصة، ربما ترغب في إبقاء اليمن كما هو الآن، لكن عن طريقها وبواسطتها وبالطريقة التي تراها مناسبة”.
وأردف: “لم تكن ولن تكون مهمة مجلس القيادة الرئاسي نضالية أو وطنية، بل هو مجلس يعكس إرادة القوى المتحكمة به وبالوطن من الخارج، أكثر مما يعكس مصالح الشعب اليمني”.
وزاد: “لنكن صريحين، لقد فشل مجلس القيادة الرئاسي حتى هذه اللحظة في صياغة قواعد تنظيمية لعمله، ولعمل هيئة التشاور، وللجنة القانونية، واللجنة الاقتصادية. والسؤال المطروح: لماذا لم يُسمح حتى الآن بإقرار هذه اللوائح؟”
وقال: “أحيانًا تأتي الاعتراضات من أطراف داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه، وهذه الأطراف عبارة عن مشاريع سياسية متناقضة ومتصارعة، يتم تحفيزها على الاعتراض بهدف إبقاء المجلس والهيئات التي استُحدثت قبل سنتين بموجب إعلان نقل السلطة، مشلولة وغير قادرة على العمل”.
وأضاف: “لكن في النهاية، المهمة الأساسية لهذه الأطراف هي الإبقاء على هذه المظلة الدستورية الصورية، حتى وإن كانت في الحقيقة لم تعد تستند إلى دستور، لكنها تظل المظلة الشرعية التي تسمح للآخرين بالتصرف بمستقبل اليمن كما يحلو لهم”.
وتابع: “عدم وجود إرادة حقيقية للعمل كفريق متكامل هو جزء من المشكلات التي تعصف بالمجلس الرئاسي، أما اللوائح، فكان يمكن إنجازها بكل سهولة، لكن عدم الانسجام هو جزء من خطة واستراتيجية تهدف إلى إبقاء حالة الشلل كما هي اليوم داخل مجلس القيادة الرئاسي”.
وأشار إلى أن “كل طرف من الأطراف الممثلة في المجلس له أدبياته ورؤاه السياسية، فهناك مجاميع رُسم لها أن ترفع شعار الانفصال، وهناك أخرى تعمل وفق النهج الوطني لاستعادة الدولة كما يراها اليمنيون، وأطراف أخرى تسعى لاستعادة سلطة سابقة”.
ويرى التميمي أن “الجميع يعتقدون أنهم مستفيدون من غياب هذه اللوائح المنظمة داخل المجلس الرئاسي، لكن في النهاية، هم مجرد أدوات تؤدي أدوارها كالدمى، لا أكثر ولا أقل”.
ارتهان للسعودية
يقول الصحفي عبدالجبار الجريري: “منذ ثلاث سنوات، والمجلس الرئاسي يعمل بدون قواعد منظمة لعمله، ولا أحد في اليمن يستطيع أن يسأل هذا المجلس: ما هي القواعد؟ وما هي اللوائح؟ وما هي الآليات التي ينبغي أن يعمل بها؟”
وأضاف: “ما يحدث من تلاعب بالمجلس الرئاسي، في ظل هذا التدخل الخارجي في اليمن، وطوال هذه المدة، يعكس حقيقة أن المجلس الذي شُكِّل في الرياض والذي تسلّم منه الرئيس هادي السلطة، لا يزال بيد السعودية، لأنه غير قادر على رسم مسار مستقل داخل اليمن، ولا على تحسين الأوضاع، أو تطبيع الخدمات، أو استعادة الدولة المشتتة والمقسمة”.
وتابع: “السنوات الثلاث التي استغرقها الفريق القانوني في إعداد هذه القواعد المنظمة لأعمال المجلس الرئاسي وهيئاته، والفريقين القانوني والاقتصادي، تعكس العشوائية والعبث، وتؤكد أن المجلس لم يكن يعمل طوال هذه الفترة وفق أي أسس دستورية أو قانونية أو شرعية”.
وأردف: “ما يحدث اليوم يعكس حجم المأساة التي تعيشها اليمن، وحجم الفوضى التي تعصف بالبلاد، في ظل غياب قيادة حقيقية تدير شؤون الدولة بإرادة يمنية دون أي تدخلات خارجية”.
وزاد: “الحديث عن إعداد مسودة تحدد عمل المجلس الرئاسي وتوضح مسؤوليات أعضائه، ليس إلا محاولة للضحك على الشعب اليمني”.
وقال: “خلال ثلاث سنوات، كان يمكن بناء دولة كاملة من الصفر، لذا فإن هذه التصريحات حول القواعد المنظمة تبدو وكأنها نكتة سياسية. خصوصًا أن الفريق القانوني أعلن في مايو 2022 أنه سلّم رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي نسخة من هذه المسودة”.
وأضاف: “الحقيقة أن المجلس الرئاسي مرتهن بالكامل للمملكة العربية السعودية، ويدار من قبل اللجنة الخاصة في الرياض، وبالتالي، فإن جميع أعماله وقراراته مرهونة بموافقة السعودية، وهي التي تحدد له المسار الذي عليه أن يسير فيه، والخطوات التي عليه أن يتخذها”.
وتابع: “أما مسألة الحديث عن مسودة قواعد تنظيمية وما شابه، فما هي إلا وسيلة لإلهاء الرأي العام في اليمن”.