"بُهرة اليمن في رمضان".. طقوس روحانية وعادات مُميّزة

تقضي طائفة البُهرة، المنتشرة في بعض المناطق اليمنية، طقوسا رمضانية؛ تتسم بتمايز روحاني، تتفق مع معتقداتها، إضافة إلى ممارسة بعض التقاليد المغايرة للموروث والطابع لدى الجماعات الأخرى.

طائفة البُهرة جماعة مغلقة، فيما بين أعضائها المنتمين لها، ولا تحبذ استقطاب عناصر جديدة من خارجها، إذْ تفضل إستراتيجية عُزلتها والاكتفاء بمحدودية ذاتها؛ تحت أي ظروف أو متغيِّرات قد تكون.

ولأن العيش بسلام منهجٌ وسلوكٌ ثابتٌ لديها، فهي تحاول الابتعاد عن مُمارسة أي نشاط سياسي، ولا نوايا مستقبلية تعيدها إلى سدة الحُكم إطلاقاً، بحسب قواعد  أئمتها البارزين الفقهية، الذين وضعوا أُسس ومبادئ عملها كمشروع دِيني مستقل بذاته.

- طقوس مُغلقة

في أجواء روحانية تمتزج بالطقوس الرمضانية الخاصة بالبُهرة، يُؤدي جموع المصلين من أبناء الطائفة صلوات النوافل حتى وقت متأخِّر خلال ليالي رمضان، وذلك في المساجد الخاصة بهم فقط.

يقول "هيثم الظهرة" -أحد أبناء البهرة- لموقع "بلقيس": "لدينا مساجدنا المعروفة؛ نقيم فيها الفروض الدِّينية طيلة أيام الشهر الكريم، ومن الأمور المعلومة تناول وجبة الإفطار جماعياً، وبقاء المصلين في المسجد لأداء النوافل وقيام التهجّد كل ليلة".

وعادةً، يؤخّر البُهرة موعد الإفطار، حتى يسدل الليل ستاره، وبروز عتمته، الأمر الذي يحتِّم على أعداد كبيرة منهم الالتزام بأداء كافة طقوس الصوم الرّوحانية في مساجدهم، بدءًا من إحياء الشعائر الدِّينية، وإقامة حلقات الوعظ والذِّكر، إلى تناول وجبات الإفطار الرمضانية بصورة جماعية.

- ليلة القادورية

يقول "حاتم ياقوت" -باحث في شؤون طائفته- لموقع "بلقيس": "ليلة القدر في رمضان نطلق عليها ليلة 'القادورية'، يجتمع كل أبناء الطائفة فيها للصلاة، من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر، الرِّجال في مسجد لوحدهم، والنساء لوحدهن".

وأضاف: "جوامع 'البُهرة' تُبنى من دورين؛ الأرضي مخصص مسجد للرجال، والطابق الثاني مسجد للنساء، ولا يوجد أي اختلاط كما يُشاع، بغرض تشويه البُهرة، وكل من ينتمي لهذه الطائفة".

وأشارت مصادر تاريخية إلى أن "النظام الإمامي البائد حاول، بجميع الوسائل، التنكيل بطائفة 'البُهرة'، والإساءة لهم، وتشويه سُمعتهم بتلفيقات باطلة، وغرس شائعات كاذبة عنهم، هدفها ضربهم اجتماعياً وأخلاقياً ودِينياً؛ لأن 'البُهرة' تمرّدوا على حُكم الأئمة، ورفضوا الظلم والكهنوت".

- تقاليد أصيلة

يحرص أبناء 'البُهرة' على القيام بعادات اجتماعية متميّزة فيما بينهم خلال رمضان؛ من أجل تفقّد أحوالهم، ومد يد العون لهم، إضافةً إلى تقديم بعض الخدمات المجتمعية، انطلاقاً من الواجبات الدِّينية والمبادئ الإنسانية، القائمة على التراحم تجاه الآخرين".

يقول ؤكد "هيثم الحامدي" لموقع "بلقيس": "كلنا أبناء 'البُهرة' في رمضان نحرص على زيارة الأقارب والأهل والأصحاب، لنا ممثلون تنظّم لهم زيارات خاصة إلى مجالسنا الرَّمضانية؛ نُساهِم في تقديم بعض الخدمات الأساسية للمجتمع".

وبرغم بعض المبادرات الخيرية، التي تقدِّمها الطائفة للمجتمع، إلا أنها لا تختلط مع بقية الفئات الاجتماعية، للمشاركة بإقامة المظاهر الرّمضانية الشعبية؛ كونها تحتفظ بموروث دِيني واجتماعي يميِّزها عن البقية ولا يسمح لها مشاركة الآخرين.

للبُهرة "برنامج حياة محدد، ونمط حضور خاص بهم، يميِّزهم دون الفئات الأخرى، من الزي الموحَّد لجميع أبناء الطائفة، ومظهرهم النظيف 'رجالا ونساء وأطفالا'، إلى التزامهم بعنصر النظام كنهج أساسي، كذلك تعزيز روابط التعاون، والتكاتف وتقوية أواصر المحبّة، وتقديم كافة سُبل الدّعم والإسناد المادي والمعنوي فيما بينهم"، وفقاً للباحث التاريخي "محمد عبد الله الضبيبي"، خلال حديثه لموقع "بلقيس".

وينفرد أصحاب مشاريع رمضان المجتمعية، من أبناء هذه الطائفة، بالتزام الصمت، حيال ما يقدّمون من مساعدات كالمخابز، والمطابخ الخيرية ومشروع إفطار الصائم وغيرها، من السلات الغذائية وكسوة العيد للفقراء والمعدَمين.  

- مجتمع خاص

'بُهرة" اليمن فِرقة إسماعيلية، تُعرف ب'البُهرة السليمانية' نسبةً إلى سليمان بن حسن، يتركز تواجدهم في منطقة الحطيب بمديرية مناخة غرب صنعاء، وفي مناطق يمنية أخرى، إذ يقدَّر تعدادهم بنحو 19 ألف نسمة.

ويعمل أغلبية أبناء الطائفة في التجارة، بالرغم من قِلتهم مقارنة بنسبة عدد السكان، إلا أنهم يعدون طبقة اجتماعية ثرية، ويمتلكون أنشطة تجارية مختلفة، خصوصاً في أسواق العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية.

بما لهذه الطائفة من طقوس وتقاليد، وأبناؤها مواطنون يمنيون، صُنِّفت على أنها مجتمع ديني خاص من نوعه، عانت من الاضطهاد والتشويه، وسلطان عقيدتها خارج حدود وطنها الأم.