تقارير

تهريب الأسلحة والتصعيد الحوثي في البحر الأحمر: مشروع إيراني لتفجير أمن الملاحة الدولية

19/07/2025, 09:10:24
المصدر : خاص - د. عبد الوهاب العوج*

شهد البحر الأحمر مؤخرًا تصعيدًا غير مسبوق من قبل مليشيات الحوثي، التي باتت تمتلك منظومات عسكرية واستخباراتية متطورة مكنتها من تنفيذ هجمات دقيقة على السفن وناقلات النفط في البحر الأحمر وخليج عدن.

تشمل هذه المنظومات طائرات مسيّرة مزودة بكاميرات حرارية، أنظمة اعتراض للاتصالات، تقنيات تشويش على إشارات الملاحة، وبرمجيات تجسس إلكتروني تستهدف السفن والمنشآت الساحلية.

بحسب تقارير نشرها "Naval Institute" الأمريكي ووكالة "Reuters" (نوفمبر 2023)، فإن تلك المعدات يُعتقد أنها نُقلت من إيران إلى الحوثيين عبر قنوات غير تقليدية، تضمنت شحنات بحرية متخفية وسفن صيد وصناديق مساعدات تابعة لجهات إغاثية، في خرق واضح لحظر الأسلحة المفروض من مجلس الأمن.

تُهرّب هذه المعدات بطرق معقدة عبر موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وأحيانًا عبر سفن إغاثية تعمل تحت غطاء أممي. كما تُنقل برًا عبر المهرة وسقطرى، ومن خلال الحدود مع سلطنة عُمان، ضمن عمليات تديرها شبكات تهريب يُشرف عليها الحرس الثوري الإيراني بالتعاون مع جماعات محلية وصومالية. 

وقد كشف مركز "ستراتفور" للدراسات الأمنية (2024) أن معظم عمليات التهريب تمر عبر مسارات بحرية غير مراقبة قبالة السواحل الصومالية، ثم تتحول إلى قوارب صغيرة سريعة يتم تحميلها ليلًا قرب مناطق غير مأهولة في الساحل الغربي اليمني.

تشير تقارير استخباراتية إلى عدة شحنات تم رصدها واعتراضها خلال العامين الماضيين، منها:

مارس 2023: ضبط شحنة أسلحة بحرية متطورة قبالة سواحل المخا، وفقًا لتقرير القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM).

نوفمبر 2023: البحرية الأمريكية تعلن اعتراض قارب يحمل صواريخ إيرانية وقطع طائرات مسيّرة قرب المهرة، كما نقلت "Associated Press".

فبراير 2024: ضبط شحنة مخدر كريستال ميث في منفذ شحن بمحافظة المهرة كانت تُستخدم لتمويل عمليات تهريب لصالح الحوثيين، بحسب بيان صادر عن الداخلية اليمنية.

مايو 2024: اعتراض قارب محمل بمكونات لأنظمة صواريخ بحرية إيرانية قرب جزيرة حنيش، وذلك وفق تقرير مسرب للبعثة الأوروبية لمراقبة البحر الأحمر (EMASOH).

يونيو 2025: العميد طارق صالح، قائد قوات المقاومة الوطنية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، يعلن ضبط شحنة نوعية من الأسلحة والمعدات العسكرية بلغ وزنها أكثر من 750 طنًا، كانت في طريقها للحوثيين عبر البحر الأحمر، قادمة من ميناء بندر عباس الإيراني، وتوقفت في جيبوتي حسب بعض التقارير الاستخباراتية المشتركة بين دول التحالف.

الخطر لا يكمن فقط في نوعية الأسلحة، بل في كيفية استخدامها. فالمليشيا تستهدف السفن التجارية وناقلات النفط بدقة، وتنفذ عمليات تشويش على الملاحة، مع توسيع نطاق الهجمات إلى مضيق باب المندب وخليج عدن. 

ويُعتقد أن الطائرات المسيّرة من طراز "شاهد 136" المعدلة، التي استخدمتها روسيا في أوكرانيا، أصبحت الآن في حوزة الحوثيين، ويتم توجيهها عبر أنظمة GPS غير تقليدية يتم التحكم بها من خارج اليمن عبر غرف عمليات يديرها الحرس الثوري.

لم يعد البحر الأحمر مجرد منطقة توتر، بل ساحة مواجهة بحرية هجينة تقودها جماعة غير نظامية تديرها غرفة عمليات تابعة للحرس الثوري الإيراني، في واحدة من أخطر التحديات للأمن البحري منذ عقود.

هذا التصعيد لا يهدد اليمن فحسب، بل يمتد ليشمل الأمن القومي للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى رأسها السعودية، مصر، وإسرائيل. 

التهديد يشمل استهداف الموانئ، تعطيل الملاحة، واختراق أنظمة الرادارات، وهو ما يمثل خطرًا إستراتيجيًا على البنى التحتية الاقتصادية والعسكرية في المنطقة.

المشهد يذكّر بما جرى في مضيق هرمز في الخليج العربي خلال الحرب الإيرانية - العراقية، حين سعت طهران إلى فرض سيطرتها على خطوط الطاقة العالمية. 

الفرق اليوم أن أدوات التنفيذ باتت أكثر تطورًا وتقنيات أكثر دقة وفتكًا. كما أن التشابه في "أسلوب التمويه" بين حزب الله والحوثيين في استخدام البنية التحتية المدنية كغطاء للعمليات العسكرية أصبح لافتًا، لا سيما أن تقارير أمنية لبنانية أشارت منذ 2018 إلى تدريب عناصر حوثية على أيدي خبراء من حزب الله في البقاع اللبناني.

ورغم خطورة هذا التصعيد، لا تزال الأمم المتحدة وبعض القوى الدولية تتعامل معه بتغافل يصل حد التخادم، مما يسمح للحوثيين بتوسيع نفوذهم الاستخباراتي والبحري تحت غطاء "الوضع الإنساني". 

وقد انتقدت دراسة صادرة عن "International Crisis Group" (يونيو 2024) هذا التراخي، محذرة من أن التغاضي الغربي عن دعم إيران للحوثيين في البحر قد يخلق سابقة خطيرة في خلط العمل الإنساني بالعمليات العسكرية وتغاضٍ دولي يثير الشكوك حول مدى جدية التعامل مع هذه التهديدات، مما يفتح المجال أمام تأويلات تتعلق بإمكانية وجود مصالح متقاطعة أو صفقات سياسية غير معلنة.

هذه الممارسات تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، لا سيما فيما يخص حرية الملاحة واستخدام المرافق المدنية لأغراض عسكرية، كما حدث في مهاجمة وإغراق السفينتين "ماجيك سيز" و"إنيترنيتي سي" في يوليو الماضي، وما نجم عن ذلك من قتلى ومفقودين من طواقم السفينتين، دون أن يصدر موقف دولي حازم حتى الآن.

ما يجري في البحر الأحمر ليس حدثًا عابرًا، بل مشروع إيراني طويل الأمد يهدف إلى تغيير قواعد الأمن الإقليمي والدولي في أهم الممرات البحرية في العالم. ما تقوم به طهران عبر الحوثيين ليس مجرد دعم لمجموعة مسلحة، بل جزء من مشروع نفوذ إقليمي يشمل البحر الأحمر، في ظل تراجع نظام الأسد وانهيار قوة حزب الله؛

ما يشير إلى تحول نوعي في استراتيجية الحوثيين من مجرد الدفاع إلى محاولة فرض السيطرة البحرية، ضمن مفهوم "منع الوصول" الذي تتبناه بعض القوى الموازية.

إن التغاضي عن هذا المشروع قد يقود إلى أزمة بحرية كبرى، تهدد الملاحة من مضيق هرمز في الخليج العربي حتى قناة السويس بالبحر الأحمر مرورًا بمضيق باب المندب الإستراتيجي، وتهدد مصالح العالم بأسره.

فهل يتحرك المجتمع الدولي قبل فوات الأوان؟ أم أن الصمت سيتحوّل إلى تفويض غير مباشر لتقويض أمن الملاحة العالمية؟!

* أ.د/عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني

تقارير

ناشيونال إنترست: الحديث عن اتفاق مع الحوثيين مجرّد وهم ولا يستند إلى واقع

بينما تلعق إيران وحزب الله جراحهما بعد مواجهات مكلفة مع إسرائيل، لا تزال واحدة من أخطر وكلاء طهران، جماعة الحوثي في اليمن، تمطر الدولة العبرية بالصواريخ. ففي 22 يوليو، أطلق الحوثيون صاروخاً باليستياً باتجاه مطار بن غوريون، بعد أربعة أيام فقط من إطلاق مماثل. هذه ليست استفزازات معزولة، بل رسالة واضحة: الحوثيون غير قابلين للردع.

تقارير

بباركود 626.. النفوذ الإيراني يمتد إلى الأسواق اليمنية

منذ سقوط العاصمة صنعاء في يد مليشيا الحوثي نهاية العام 2014، بدأ فصل جديد من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تميل فيه الكفة لإيران كدولة تملك القرار لبلد صار ميدانًا جديدًا لاستعراض نفوذها، وامتدادها الإقليمي القائم على الطائفية والتوسع.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.