تقارير

جثث لا ترتاح في صنعاء.. نبش القبور ودفن 'أسحار' تحت جنح الظلام

16/09/2025, 10:49:58
المصدر : قناة بلقيس - خاص

في قلب حي 'بيت معياد' -جنوب العاصمة صنعاء، تقف مقبرة 'النجيمات' شاهدة على واحدة من أكثر الحوادث إثارة للرأي العام المحلي.

في ليلة غامضة، شاهد سكان الحي أشخاصًا يتسللون بين القبور، يحملون أدوات حفر وأكياسًا سوداء. الفضول سرعان ما تحوّل إلى ذعر، حينما تبيّن أن هؤلاء يدفنون أوراقًا ملفوفة وطلاسم، ويعبثون بالقبور.

ما جرى لم يعد مجرد همس، بل بلاغات رسمية قادت إلى إلقاء القبض على حارس المقبرة المدعو 'نسيم الذاري' وآخرين اثنين، لكن التكتّم الأمني وغياب البيان الرسمي جعلا السكان أكثر قلقًا، وطرحا أسئلة حول مصير الموتى وحُرمة المقبرة.

- شهادات الأهالي

محمد (اسم مستعار)، من سكان الحي، كان من أوائل من شاهدوا المشهد، يقول لبلقيس نت: "دخلوا المقبرة بعد منتصف الليل، ومعهم أكياس وأدوات حفر، عندما اقتربنا اكتشفنا أنهم يدفنون أوراقًا عليها رموز غريبة، لم نتمالك أنفسنا فاتصلنا بالأمن فورًا، تم إلقاء القبض عليهم، وبعد مرور ثلاثة أشهر تم الإفراج عنهم بضمانة".

أم وليد، أرملة تقطن بجوار المقبرة، تقول بمرارة: "نخشى أن يكون موتانا قد تعرضوا للعبث، هذه المقبرة تضم آباءنا وأبناءنا، وما حدث جريمة في حق الأموات والأحياء معًا".

وتضيف لبلقيس نت: "من عام 2009، أبلغوا الحي والناس أجمع أنه تم إغلاقها من قِبل وزارة الأوقاف بحُجة اكتمالها، ولكننا -كمواطنين نقطن بجوارها- نشهد بين الحين والآخر جنازات متتالية". 

وتتابع حديثها: "والسؤال هنا: أين يتم دفن الجثث الجديدة إذا كانت المقبرة قد امتلأت؟".

شهادة ثالثة جاءت من أحد الناشطين في الحي، قال: "السلطات تعاملت بتكتم مُبالغ فيه، الناس يريدون معرفة الحقيقة، لكن لا أحد يجيب. هذا الصمت يزيد الشكوك ويزرع الخوف في قلوب السكان".

ويضيف: "طلبنا من عاقل الحارة توضيح الأمر للسكان، لكنه أفاد أنه غير مخوّل بالتحدث، بالإضافة إلى أن الموضوع حساس حسب وصفه، وقد يثير الشكوك والبلبلة وسط الحي".

- حوادث سابقة

لم تكن هذه المرة الأولى؛ حسن محمد (اسم مستعار) يروي: 
"قبل ثلاث سنوات، صوّرت فيديو لحادثة نبش قبور الأطفال في الجهة الشرقية من المقبرة، أبلغنا الجهات المختصة حينها، لكن لم يُتخذ إجراء حقيقي، المتورطون أفلتوا من العقاب، واليوم يتكرر المشهد".

الحوادث المشابهة لا تقتصر على صنعاء، ففي محافظة إب وثّقت منظمات محلية أكثر من ستة آلاف انتهاك للمقابر خلال عام واحد، شملت الجَرف والتخريب والعبث بالرّفات. وفي يافع، والمحويت، وسقطرى، كُشف عن استخراج جماجم لاستخدامها في خلطات مخدّرة. وفي تعز أيضًا تم نبش مقابر قديمة بحُجة البحث عن كنوز، ما أضرَّ بالذاكرة التاريخية والدينية.

-أبعاد خطيرة

نبش القبور ليس مجرد جريمة جنائية، بل انتهاك لحرمة دينية وثقافية. يؤكد علماء الدين أن
"حرمة الميت في الإسلام كحُرمة الحي، والعبث بالقبر يدخل في باب الكبائر، والسحر شرك صريح".

-القانون الغائب: فراغ تشريعي أم غياب إرادة؟

قانون الجرائم والعقوبات اليمني (1994) يتضمن مادة تعاقب من ينتهك حُرمة الموتى بالحبس أو الغرامة، غير أن التطبيق على أرض الواقع يبدو هشًا، كما يقول المحامي أحمد البيضاني لبلقيس نت.

ويضيف: "المادة 262 تنص على الحبس حتى سنة لمن يعبث بجثة أو قبر، مما يجعل العقوبة صارمة فيمن يعبثون بالقبور لأي سبب من الأسباب، بيد أن النصوص فضفاضة وغير رادعة بالحد الحقيقي".

ويؤكد لبلقيس نت: "ما لم يتم تحديث التشريعات، ستظل هذه الأفعال بلا رادع حقيقي".

ويتابع: "المطلوب تشديد العقوبة وربطها بجريمة دينية ومجتمعية تمسّ الأمن الروحي للمجتمع اليمني".

- أثر نفسي عميق

الحادثة تركت جرحًا في الذاكرة الجماعية لسكان الحي، الذين يعيشون اليوم حالة استنفار وخوف. البعض يتجنّب زيارة المقبرة ليلًا، وآخرون يروون قصصًا عن أصوات غريبة و"أعمال شيطانية".

الناشط المجتمعي عبدالكريم الحاشدي يرى أن "الاعتداء على المقابر يولّد شعورًا جماعيًا بالقلق والتهديد، الناس يشعرون أن موتاهم لم يعودوا بأمان".

ويرى أن "هذه صدمة مجتمعية تتطلب معالجة نفسية وتوعوية، لا مجرد تحقيق أمني".

- جرس إنذار

واقعة مقبرة 'النجيمات' ليست مجرد حادثة عابرة، بل جرس إنذار يكشف عن هشاشة الرقابة، وضعف القوانين، وانتشار مُمارسات غيبيّة تهدد المجتمع دينيًا ونفسيًا.

في ظل الصمت الرسمي، يبقى السؤال مفتوحًا: من يضمن حُرمة الموتى اليوم؟ وما لم تتحرّك الدولة والمجتمع بجديّة، قد تتحوّل المقابر من مكان للسكينة إلى مسرح للرُّعب، ومن ذاكرة للأحياء إلى شاهد على غياب العدالة والسلام المجتمعي.

تقارير

خلافات المجلس الرئاسي.. بحث عن حلول جديدة وفراغ يثير التساؤلات

تتصاعد الأزمة داخل مجلس القيادة الرئاسي، بعد قرارات أصدرها عيدروس الزبيدي بصورةٍ منفردة، مما أثار خلافًا حادًا بينه وبين رئيس المجلس رشاد العليمي، وهو ما دفع العليمي للجوء إلى السعودية، طالبًا تدخلها لاحتواء الموقف والحفاظ على التوافق داخل المجلس.

تقارير

تعدد السلطات والانتهاكات الداخلية والخارجية.. كيف يمكن حماية الصحفيين في اليمن؟

أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا جديدًا يكشف حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في اليمن منذ اندلاع الحرب، متحدثًا عن الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وحجب أكثر من 140 موقعًا إخباريًا، إضافة إلى السيطرة على مؤسسات إعلامية رسمية ونقابية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.