تقارير

راهب القصيدة اليمنية وشاعرها الأبرز .. احتفاء عربي بأديب اليمن المقالح

08/11/2022, 06:34:14

يحتفي العالم العربي، اليوم، بالأديب والشاعر اليمني، الدكتور عبدالعزيز المقالح، بمرور أكثر من 50 عاما على صدور أول ديوان شعري له، فالشاعر المقالح أيقونة عربية قادت القصيدة اليمنية إلى فضائها العربي، وفتحت أبواب اليمن على محيطها، وحوّلت اليمن إلى قُبلة للأدباء والنُّقاد والأكاديميين، إذ تجاوز إنتاجه الأدبي والنَّقدي أكثر من 30 مؤلفا، تنوَّعت بين الشعر والأدب والنّقد، وحصد فيها العديد من الجوائز الإبداعية خلال مسيرته، وكُرّم في العديد من المحافل العربية والدولية.

راهب القصيدة، وكاتب اليمن الكبير، الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح، حمل همَّ بلاده في قصيدته وفؤاده منذ فجر الثورة، وسجّلت إسهاماته في جامعة صنعاء، ومركز الدراسات والبحوث، تحوّلات علمية كبيرة على المشهد العلمي والمعرفي، ناهيك عن دوره ورعايته لأجيال من الشعراء، وأخذه بيدهم إلى مصافِ القصيدة الحداثية. 

- حضور دائم

 يقول الأديب والباحث الأكاديمي الدكتور همدان دماج: "إن الدكتور عبدالعزيز المقالح له حضور كبير ومستمر ودائم، في حياتنا كيمنيين، وفي تاريخنا المعاصر يكاد يكون حضوره مقرونا بذاتية الشخصية اليمنية المعاصرة، وهذا أمر ليس سهلا".

وأضاف: "الدكتور المقالح، في إحدى قصائده المشهورة، يقول: في لساني يمن، في ضميري يمن، تحت جلدي تعيش اليمن، خلف جفني تنام وتصحو اليمن، صرت لا أعرف الفرق ما بيننا، أيُّنا يا بلادي يكون اليمن". مشيرا إلى أن "هذا المقطع من القصيدة يعد تلخيصا لثنائية المقالح واليمن المعاصر، فأينما ذهبت وقلت المقالح يقول الناس اليمن، والعكس صحيح".

ولفت إلى أن "ما قاله أحد الدبلوماسيين أو السفراء اليمنيين، الذين ذهبوا إلى الجزائر، في ثمانينات القرن المنصرم، أنه ركب في سيارة أجرة، وعندما قال لسائق التاكسي إنه من اليمن، فرد عليه السائق: أنت من بلاد المقالح، هذا هو حضور المقالح الذي لا يمكن تجاوزه أو ألا يكون ملفتا".

وقال: "على مستوى التجربة الشعرية للدكتور المقالح، فهو له مكانته الخاصة في هذه التجربة الشعرية على مستوى الوطن العربي، وعلى مستوى اليمن بالذات، لأن اليمن كانت تأخّرت قليلا في سياقات تطوّر القصيدة العربية ومعاصرتها لما كان قد وصل إليه شعراء العرب، لهذا كان المقالح في اليمن بوابة الشعر الحديث، وكان مساهما في هذه الحداثة الشعرية على مستوى الوطن العربي".

وأضاف: "نحن نتحدّث شعريا عن حداثة، ساهم بها بشكل واضح، ويعرفها الكثير من النُّقاد الذين تتبّعوا تطوّر القصيدة العربية خلال القرن الماضي".

وتايع: "بالنسبة للشباب في اليمن والوطن العربي، الذين تواصلوا بالدكتور عبدالعزيز المقالح في مرحلة ما، فهو إضافة إلى كونه أديبا وناقدا وشاعرا كبيرا، كان رجلا قياديا ثقافيا من الطراز الأول ومن القلائل، حيث كرَّس وقته وجهده لإبراز الأدباء في اليمن وفي الوطن العربي، منذ وقت مبكر".

واعتبر أن "المقالح وصنعاء إحدى الثنائيات المعروفة عند الدكتور المقالح، حيث إن علاقته بمدينة صنعاء منذ أن كان طفلا وأصبح شابا، وحتى عاد وعاش وقرر ألا يغادرها حتى اليوم، ومسألة أن يقرر أي إنسان ألا يغادر مدينة سواء كان شاعرا أو غير شاعر فهذا قرار مهم جدا، وينبغي أن نلتفت إليه، فأي حب يمكن أن يكون أكثر من هذا".

وأوضح أن "صنعاء، منذ بواكير المقالح الشعرية، وهي حاضرة في قصائده ورؤاه، وهي مدينته الأولى والأخيرة التي رفض أن يغادرها منذ عودته من القاهرة في نهاية سبعينات القرن المنصرم في قصة معروفة، ورفض حضور مهرجانات ومؤتمرات وحتى لاستلام جائزة مرموقة هنا وهناك، فكان دائما يعتذر لأنه لا يستطيع مفارقتها، فعلاقته بصنعاء هي قصيدة لوحدها".

ولفت إلى أن "الدكتور المقالح قال في إحدى قصائده القديمة:

صنعاء يا أنشودة عبقت وأجاد في إنشادها الأزل

إن أبعدتني عنك عاصفة وتفرقت ما بيننا السبل

فأنا على حبي وفي خجل روحي إلى عينيك تبتهل

ألقاك منتصرا ومنكسرا وعلى جناح الشعر ارتحل

يجتاحني شوق ويسحقني شوق وفي التذكار اشتعل".

- نافذة اليمن والعرب

من جهته، يقول الشاعر والروائي التونسي، الدكتور نزار شقرون: "إن الدكتور عبدالعزيز المقالح فتح نوافذه الشعرية والنقدية على العالم العربي، وكان مؤمنا منذ البداية أن الكتابة في الشعر لا تعرف حدودا، حتى وإن تمرّغ في تراب اليمن، وعشق اليمن بواديها وجبالها، ومدنها".

وأوضح أن "الشعر لدى الدكتور المقالح مطلق الإنسانية، بقدر ما هو متأصل في التربة اليمنية والعربية"، مضيفا: "حينما وُلد المقالح شاعرا، كما يقول، واكتسب النقد إثر ذلك، آمن أيضا بأن الشعر تواصُل، سواء كان مع الشعرية العربية أولا، أو على مستوى التواصل مع روّاد الحداثة العربية، ومع شعر التفعيلة، وحتى مع شعراء ما بعد التفعيلة، حيث كانت مواقفه وآراؤه رصينة استطاعت أن تحافظ على ذلك الامتداد بين الأجيال".

وأضاف: "في جديّة المقالح الشعرية والنقدية، وبفهمه لطبيعة دور المثقف العربي، سواء كان شاعرا أو كاتبا في أي جنس من الأجناس العربية، كان عليه أن يفتح أبواب الشعر وأبواب اليمن على الثقافة العربية، وكانت كتاباته المتأصلة في كثير من قضايا اليمن منذ بدايته الأولى، واستجاباته لمتطلبات الثورة اليمنية آنذاك في أواخر الستينات".

وتابع: "استطاع المقالح أن يفهم بأن الخط الأساسي، الذي عليه أن يناضل من أجل اليمن والثقافة اليمنية، هو الخط العربي، لذا كان ينظر إلى المسائل العربية بالكثير من الاتزان، مما جعله مؤثرا في جيله، وفي الأجيال التي لحقته أيضا، وذلك لكونه آمن بأن الشعر تواصل، وأن الاختلاف في الشكل الشعري هو اختلاف في الرؤية إلى الشعر، واختلاف بحسب منطق رؤية الشاعر إلى العالم، أيا كان هذا الشاعر عربيا أو غيره". 

واعتبر أن "المبادئ العامة والموجِّهات، التي آمن بها المقالح، جعلت له منزلة، أولا في الضمير الجمعي الثقافي العربي للمثقفين العرب، ففي أي مكان عندما تذكر عبدالعزيز المقالح إلا ويكون هناك إجماع حول هذه الشخصية، وحول احترام هذه التجربة الشعرية والثقافية للمقالح، حتى وإن كان هناك اختلاف في الرأي معه، وهذا الإجماع، الذي حافظ عليه المقالح، حتى يكون حاضرا في هذا الضمير الجمعي للثقافة العربية".

وقال: "كان المقالح يؤمن بأن لكل جيل خطواته وآراءه ومواقفه، لذلك كان يتواصل مع الشباب، ويفتح نوافذ الجامعة، والمجلة التي كان يشرف عليها (غيمان)، ونوافذ الندوات والمهرجانات التي كان يؤسسها وفاعلا فيها".

وأشار إلى أن "المشروع، الذي كان يحلم به الدكتور المقالح، يشترك فيه مع مثقفين عرب من كل الآفاق، وهذا المشروع هو فتْح نوافذ العرب أمام المثقفين، وقد جسّد المقالح هذا المشروع حينما كان رئيسا لجامعة صنعاء، بفتحه أبواب الجامعة للأكاديميين العرب حتى يكونوا حاضرين في اليمن، وينقلوا خبراتهم إلى اليمن، ويحملوا الخبرات التي يتعلمونها من اليمن إلى أوطانهم"، لافتا إلى أن "عملية التجسير هذه، التي قام بها، قد تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها مركّبة جدا، ومن القلائل الذين يستطيعون فتح الآفاق للعرب، وهذا مهم جدا، ونحن بحاجة لأن تفتح الدول العربية منافذ بين جامعاتها ومثقفيها، وأن تكون الحدود الموجودة بالنسبة للمثقف العربي ليست حدودا".

- كاتب اليمن الأول

من جهته، يقول رئيس اتحاد الأُدباء والكُتاب اليمنيين في تعز، نبيل الحكيمي: "الدكتور عبدالعزيز المقالح أصدر مجموعات شعرية كثيرة ومتواترة، ففي التسعينات أصدر مجموعة شعرية بعنوان: [الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل]، وقامت الدنيا ولم تقعد عليه، كونه تناول بعض الاصطلاحات داخل بعض القصائد، وكونه عنون هذه المجموعة باسم [علي بن الفضل الحِميري]، لأنهم كانوا يعتبرونه رجلا قرمطيا، وكان على قامة كالمقالح أن يصحح مثل هذه المفاهيم حتى وإن خاض في هذا البحر الذي يقف معه المؤدلجون والسلطات برؤية غير الحقيقة".

وأوضح أن "الدكتور المقالح كان يشكِّل نافذة رئيسية لمختلف الشعراء المحدثين، إضافة إلى كونه كاتب اليمن الأول في هذا المجال وعنوانها، وكان يشكّل مع رفيق دربه الشاعر الكبير عبدالله البردوني نافذتين تطل من خلالهما الثقافة اليمنية عربيا، وبعد ذلك عالميا، وكانا أيضا بوابتين ليرى الآخرون في الخارج من خلالهما إلى أين وصلت الحركة الثقافية في اليمن".

 وأشار ألى أن "[المقالح -إذا لم يكن أول كاتب- كان ثاني داعم لأي إصدار عربي ثقافي]"، مشيرا إلى أن "هذا الكلام لـعبدالله البردوني".

وفي تعليقه عن توقف الدكتور المقالح عن الكتابة مؤخرا، قال الحكيمي: "كان يجب أن يقل إنتاجه في هذه الفترة، لأن المناخ العربي بشكل عام لم يكن يتوافق مع كتابة المقالح للقصيدة، ومع مراميه عبر القصيدة، وعبر نشرها، وكيفية إيصالها وتذوّق الآخرين لها، وفي 2018م كان يجب أن يقف لأنه سيكون ضمن طرف عربي وطرف يمني، لذا هو أحسن التوقّف عن كتابة الشعر أو حتى عن كتابته الغزيرة التي كان يغذّي بها مختلف الإصدارات العربية".

وأضاف: "هناك أهمية قصوى لتقليد إرث الدكتور المقالح في ذاكرة الأجيال، وفي المكتبة الوطنية للأدب والشعر والثقافة"، متسائلا: "ماذا سيختزل هذا البلد للآتي إذا استثنى المقالح؟ فإذا كان سيؤرّخ مثلا لـ عبدالله البردوني، كما يفعل الناس وليست الدولة، فيجب أن يوثّقوا للمقالح الشاعر والكاتب والمؤرخ والمناظل والمجدد، الذي أخذ بيد مئات الشعراء، والوحيد الذي شكّل بوابة للثقافة اليمنية، والوحيد الذي من خلال كتاباته يمكن أن يستنير الجيل القادم بماذا كان يحدث خلال هذه الفترة من الزمن التي توّجها المقالح بوجوده أديبا وشاعرا ومؤرّخا وكاتبا".

تقارير

انهيار الدعم الدولي لليمن.. مؤشرات لفقدان الأولوية

تشهد المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن تراجعًا غير مسبوق، في ظل تقليص الأمم المتحدة خططها وتراجع مساهمات المانحين الدوليين، ما ينذر بكارثة إنسانية قد تطال الفئات الأكثر ضعفًا في البلاد، لا سيما في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.