تقارير

رمضان في تعز.. مرور حزين على الأسر الفقيرة

02/05/2021, 10:46:59
المصدر : هشام سرحان

تتوسّع في مدينة تعز، الواقعة جنوب غرب البلاد، دائرة الفقر والجوع والمرض والبطالة، وتتزايد أعداد المحتاجين للوجبات الرمضانية، فضلاً عن الماء والدواء والمأوى والملابس، وغيرها من متطلبات العيش والبقاء. 

يصبح ذلك أقلّ ثمنا قد يدفعه البسطاء مع استمرار الحرب، والحصار، وتفشي الأوبئة، والأمراض، وانقطاع الرواتب، ونُدرة الأعمال، والمساعدات، وشحة مصادر الدّخل، وغلاء المعيشة.

أم محمد (45 عاماً) تتردّد على عدد من المحلات والمطاعم في مدينة تعز، آملة الحصول على وجبة رمضانية مجانية ومتواضعة لها ولأطفالها الستة اليتامى، يردها البعض خائبة، فيما يرأف لحالها آخرون. وتتباين عطاياهم ما بين القليل من الأرز، والمشكَّل، وعصير الليمون، والخُبز، وعُلبة زبادي، وقِطع سمْبوسة، وهي متطلبات بسيطة، تجمعها قُبيل موعد الإفطار في كيس بلاستيكي، لتعود بها إلى منزلها، وتتناولها مع عائلتها الكبيرة، المغرقة بالفقر المُدقع وشدّة الحاجة. 

تخوض غمار البحث عن وجبات رمضانية  بشكل يومي، وتتفاوت وجهاتها بين يوم وآخر، ففي حين ترتاد بعض المنازل تصطف مع الكثير من النساء في طابور طويل أمام أبواب مبادرات ومنظمات توزّع وجبات جاهزة، أو مكوّنات لازمة لإعدادها في المنزل، التي يصعب عليها طهيها فيه، لافتقارها لزيوت الطبخ والغاز المنزلي، الذي يندر في المدينة، كما ترتفع أسعاره بشكل يفوق قدرتها على الاحتمال.

يمضي شهر رمضان لهذا الموسم على أم محمد وعلى الكثير من الأسر المثخنة بالعوز، والتشرّد، والحرمان، والجوع، والنزوح، وشظف العيش بإيقاع حزين، تنظمُه آهات، وتنهدات، وأوجاع المئات ممن تُوغل المُعاناة في أعماقهم، وترسم على ملامحهم تجاعيد غائرة، وبمقاسات وأبعاد تتناسب مع حجم مأساتهم، وتطلعات أطفالهم، المحدِّقين بنظرات حزينة في أفق تشتد قتامته مع مرور الأيام.

تجرُّ تنهيدة، وهي تقارن بين حال عائلتها في الأعوام السابقة ووضعها اليوم، الذي تصفه بالأسوأ والأكثر إيلاماً وانعداماً للوجبات الرمضانية، وذلك جراء النّقص الشديد في المساعدات الإغاثية، وغلاء الأسعار، وعدم تلقيها مساعدات مالية من فاعلي الخير، أُسوة بالمواسم السابقة.

تكتفي اليوم بما تحصل عليه من مأكولات رمضانية، وبمقادير شحيحة، وذلك خلافاً لرمضان في المواسم السابقة، الذي كانت تحضِّر فيه الباجية والسمبوسة والعصير والتّمر والشُّربة في مائدة الإفطار، فيما يتوفّر على سُفرة العشاء: الشفوت، والفتَّة، والأرز، والخبز، والمعكرونة، والشعيرية، والكيك، وبنت الصحن، والمهلبية، وبعض الحلويات إلى جانب تواجد الدّجاج والسَّمك بشكل شبه يومي. 

مُرور حزين

تقول أم محمد بصوت مُثقل بالحسرة والدُّموع لموقع "بلقيس": "لا نملك وجبات رمضانية، ولا نستطيع شراءها، أو إعدادها في البيت، لعدم توفّر المواد اللازمة، والغاز المنزلي، والمال، ما يضطّرني إلى مدّ يدي للآخرين، وذلك لأول مرّة في حياتي". 

وتضيف: "يمرّ علينا رمضان بشكل حزين ومختلف عن غيره من المواسم، ونعيش فيه أسوأ الظروف، ولا نجد فيه ما نفطر ونتعشّى به، كما أنني غارقة في الدُّيون، ولم أعد أستطيع شراء أي شيء لأطفالي، الذين يفطِرون قلبي وأنا أنظر في وجوههم الحزينة". 

تتزاحم الأفكار، وكثرة متطلبات الحياة، في عقلها، وتغرق في شرودها، والخوف من المجهول، الذي ينتظرها مع أولادها وبناتها، الذين يفتقرون للعائل ومصدر الدخل المناسب، فتتغيّر ملامحها، ويُخيّم الشحوب والاصفرار على وجهها، الذي يروي تفاصيل كثيرة عن واقع الحال، الذي تلخصه بالقول: "لا نملك شيئا من متطلبات رمضان وغيره".  

وهنا، تشتدّ ضائقة المواطنين، وتقلّ خياراتهم، فيتدافعون -بشكل يومي- نحو البحث عن وجبات متواضعة، يسدون بها رمقهم مع نهاية كل يوم رمضاني، قد يمضي عليهم بمشاقّة، وإنهاك، ومتاعب، ومخاطر الإصابة، أو الموت بفيروس "كورونا"، الذي يتربّص بأرواح الكثيرين من المعدَمين، والمتراصِّين في طوابير طويلة، بأجساد متقاربة، ومجردّة من وسائل الوقاية، في مشهد مأساوي، يجدون أنفسهم فيه بين خيار الموت جوعاً أو بـ "كورونا"، فيختارون الأخير. 

يتجوّل الستيني علي المسني بملابسه الرّثة في الأحياء والشوارع المجاورة لحي "المسبح"، الذي يُقيم فيه، وسط مدينة تعز، ويبدو محاطاً بكم هائل من الهموم، والأفكار، والعجز عن توفير الوجبات الرمضانية، وبشكل كبير وغير مسبوق، ما يجعله في سباق يومي مع العديد من جيرانه الباحثين عن تلك المتطلبات، التي تغيب معظمها عن مائدتهم منذ مطلع رمضان. 

سباق البحث

يذكر المسني لموقع "بلقيس": "كنا نقول رمضان يأتي مع رزقه، لكنه -في هذا العام- مرّ علي مع أسرتي ونحن في فقر، ومعاناة، وخوف، وقلق، وأوضاع مادية سيِّئة، ولم نعد نستطع توفير وجبات رمضان كما في السابق". 

ويضيف: "أصبحت حياتنا في رمضان حزينة، وغابت فرحتنا به، وذلك من صعوبة الظروف التي نعيشها، وكثرة الهموم، والتفكير بكيفية تدبير أشياء متواضعة للإفطار والعشاء". 

يتزاحم هذا الرجل وغيره أمام المطاعم، والجهات الموزّعة للوجبات الرمضانية المجانية في مدينة تعز، ما يفصح عن حقيقة المشهد الإنساني المأساوي، ومدى كثرة الأُسر المحتاجة لتلك الوجبات، وحجم التردّي المُرعب والخطير في أوضاع الكثيرين، الذين يغادرون منازلهم  عصر كل نهار رمضاني، وينتشرون في الشوارع والأحياء، بحثاً عن كِسرة خُبز، وقليلٍ من الأصناف المتواضعة، التي تقيهم الموت جوعاً. 

وتبعث المؤشرات الأممية الذّعر، إذ يقول "برنامج الأغذية العالمي"، في تقرير صدر مؤخراً: "إن أكثر من 20 مليون يمني لن يتمكنوا هذا العام من الحصول على وجبات رمضان المفضّلة"، ويلفت إلى أن شح الغذاء وغاز الطهو، وارتفاع الأسعار، واستمرار الصراع قد زاد من صعوبة الحياة بشكل كبير في بلد لا يملك فيه الملايين من سكانه ما يكفيهم من الغذاء للبقاء على قيد الحياة!!

تقارير

ما أبعاد ومآلات استضافة المجلس الانتقالي لوفد إسرائيلي؟ (تحليل)

نحاول في هذه التناولة أن نحلل زيارة فريق من منتدى الشرق الأوسط منتصف يوليو إلى مدينة عدن، باعتبارها محطة فارقة تكشف عن طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية في اليمن؛ لا يقتصر التحليل على رصد مسار الزيارة في حدوده الزمنية، بل يتعداه إلى تفكيك هوية المشاركين، وخلفياتهم السياسية والفكرية،

تقارير

كيف تحوّل الانتقالي الجنوبي إلى ورقة في لعبة نفوذ تدار من أبو ظبي والاحتلال الإسرائيلي؟

وراء شعارات الاستقلال، يُساق اليمن، والجنوب منه خصوصاً، إلى حظيرة التبعية، ليس للسعودية والإمارات فحسب، ولا حتى للقوى العظمى المسيطرة على الملف اليمني كبريطانيا وأمريكا، بل صار شعار استقلال الجنوب مدخلاً للتعبئة للعدو التاريخي للأمة العربية والإسلامية، الكيان الصهيوني.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.