تقارير

سكان مدينة تعز.. ترقب وسباق جماعي على خزانات المياه الخيرية

14/07/2021, 14:12:01

قناة بلقيس - هشام سرحان

يترقب المواطن محمد سيف (41 عاماً)  توفُّر المياه في الخزان الخيري المجاور لمنزله الواقع في شارع 'التحرير الأسفل'، وسط مدينة تعز، لكي يملأ قرابة 5 علب بلاستيكية، تتفاوت سعتها ما بين 10 و20 لتراً، بالمياه الخاصة بالنظافة والاستحمام، التي تغطِّي احتياجات أُسرته ليوم واحد، وهو ما يجعله في حالة بحث وانتظار متواصل لملْء الخزان من قِبل بعض المنظمات أو فاعلي الخير، كل يومين أو ثلاثة أيام.


يعتمد سيف في تأمين حاجته من مياه الوضوء، وتنظيف الأواني، والملابس، على الخزانات الخيريّة التي يتزاحم عليها الفقراء في مختلف أحياء وحارات المدينة، الواقعة جنوب غربي البلاد، التي تشهد -منذ اندلاع الحرب في العام 2015- انقطاعاً لإمدادات المياه الحكومية، وارتفاعاً متواتراً في أسعار وايتات (صهاريج) المياه، التي يعجز الكثيرون عن شرائها في ظل تدهور أوضاعهم المادية والمعيشية، وانقطاع الرواتب، وندرة الأعمال، وجفاف مصادر الدَّخل، وغلاء المعيشة.

يعجز في كل مرّة عن ملْء عدد كبير من الجالونات، التي تغطّي حاجة أُسرته خلال الأيام التي لم يتوفّر فيها المياه في تلك الخزانات، التي يتسابق عليها الكثيرون، ما  يحول دون ملْء المحتاجين عددا كبيرا من الأواني البلاستيكية، التي تسد حاجتها، الأمر الذي يُفاقم من معانات المواطنين، ويزيد من نسبة النّقص الفعلي في كمية المياه لديهم، ويرفع معدلات الاحتياج لها، ويتسبب بانعدامها في منازل الفقراء لأيام، ما يُؤثر على مُجريات حياتهم اليومية، ويُقلل من مستوى نظافتهم، ويجعلهم عُرضة للأوساخ، والذُّباب والأوبِئة.   

ويعيش المواطنون في حالة بحث متواصل عن المياه، التي ينتظرون توفُّرها في خزانات تقوم بتعبئتها عدد من المنظمات الإغاثية، ما يُفاقم من معانات الكثير من الأُسر الفقيرة، والعاجزة عن توفير قيمة وايت ماء، لتغطية احتياجاتها، كما يخلق فجوةً في كمية المياه المتوفِّرة لديها، التي تنعدم أحياناً في المنازل، في ظل انقطاع إمدادات المياه الحكومية منذ اندلاع الحرب في العام 2015.

يقول سيف لموقع 'بلقيس': "صِرنا نعتمد على الخزانات الخيرية بشكل كبير، ونتسابق عليها، ونصطف جوارها في طوابير طويلة، ونتزاحم حولها من أجل ملْء عدد من الدِّباب (الجوالين)".
ويضيف: "يتطلب منّي الحصول على المياه من تلك الخزانات التردد عليها، وتفقدها باستمرار،  لأحضر فور ملئها، وأعبي العُلب التي بحوزتي قبل الآخرين، لأنني لو تأخّرت قليلاً فسيسبقني سكان الحارة، ويُفرغون الخزان، وبالتالي ستفوتني فرصة الحصول على الماء".
   
أضحت الخزانات الخيرية، خلال سنوات الحرب، مصدراً أساسياً للمياه، ويعتمد عليها الكثيرون من سكان مدينة تعز في الحصول على أبرز وأهم متطلباتهم المعيشية، حسب المواطن عبدالله أحمد (58 عاماً)، الذي أشار إلى أن الأوضاع الراهنة قد جعلت معظم المواطنين في حالة ترقب وسباق جماعي على تلك الخزانات.

* اعتماد كلي

وهذه الخزانات تخفف من معانات المواطن أحمد، الذي يعيل أسرة مكوّنة من 7 أفراد يعتمدون بشكل أساسي عليها لشدة فقر عائلهم، وانقطاع راتبه، وعجزه عن شراء وايت (صهريج) ماء أسبوعياً، ودفع ثمنه المرتفع، كما يقول.
يتردد أطفاله المقيمون في 'حي الضبوعة' على الخزانات في حيِّهم وفي الأحياء المجاورة، وذلك سعياً وراء الحصول على كميات كافية من المياه في ظل عجز والدهم عن شرائها، واستبعادها من قائمة اهتماماته منذ سنوات.

يتراوح عدد جالونات المياه، التي تحتاجها الأُسر يومياً، من 5 إلى 8، وهو عدد قد يصعب أحياناً تأمينه من تلك الخزانات، التي يتزايد الإقبال عليها، ما يقلل من حجم الكميات المتاحة لبعض الأسر، ويضطرها إلى خفض نسبة استهلاكها للمياه بشكل كبير، وذلك على حساب مظهر أطفالها ونظافتهم.

تتوسّع أزمة المياه يوماً بعد آخر، في مشهد تكبُر فيه مأساة المواطنين، وتتفاقم معاناتهم، جراء أزمات الوقود، وارتفاع أسعارها، ولجوء مالكي المركبات إلى رفع قيمة وايتات المياه، ما يشكِّل عبئاً كبيراً على البسطاء، ويُثقل كاهلهم، ويجعلهم يخوضون رحلة بحث يومية وشاقة وراء المياه، ويتزاحمون على الخزانات الخيرية، التي يعتمد عليها أحمد بشكل أساسي في ظل توقف إمدادات المشروع الحكومي، وتقاعس الجهود الرسمية الهادف إلى إعادته.

ويعتمد المعلِّم محمد سعيد عقلان (60 عاماً) على الخزانات الخيريّة بشكل كبير، جراء صعوبة وضعه المادي، الذي لا يمكِّنه من شراء مياه صحية للشرب ب100 ريال، كما يحول دون شراء صهريج ماء لأُسرته المثقلة بالدِّيون، كما يقول عقلان، لا فتاً إلى أنه لولا تزويد المنظمات وفاعلي الخير الخزانات الخيرية في الحارات بالمياه لمات المواطنون عطشاً، ولغرقوا بالأوساخ.

وتحظى الخزانات الخيرية بأهمية كبيرة بالنسبة للفقراء، الذين يصعب عليهم تأمين احتياجاتهم من المياه، لولا وجود تلك الخزانات في ظل عجزهم عن شراء أبسط متطلباتهم الضرورية، ووايتات الماء غالية الثمن، وانقطاع إمدادات المياه الحكومية، وفقاً لعقلان، الذي يرجع انقطاعها المستمر إلى الفساد المستشري في مؤسسة المياه، وسيطرة النافذين عليها، ما يحول دون ضخ المياه للمواطنين، رغم الدّعم السخي الذي تتلقاه من المنظمات، والأموال التي تحصل عليها وتهدرها.

ويُفاقم غلاء المياه من معانات السكان، الذين طالبوا الجهات المعنية بضبط الأسعار، ووضع حدٍ لتلاعب مالكي شاحنات بيع المياه، الذين لم يلتزموا بقرار السلطة المحلية، الصادر في مارس من العام 2019.
إذ تشهد أسعار المياه من وقت إلى آخر ارتفاعاً حاداً، حيث تصل قيمة الصهريج الواحد (سعة ثلاثة آلاف لتر) أحياناً إلى 15 ألف ريال.
وذكر نائب مدير مكتب الصناعة والتجارة، عبد الودود هزاع، لموقع 'بلقيس' أن ذلك "يرجع إلى ارتفاع أسعار الديزل وقطع الغيار، وشحة المياه في الآبار".

* طبيعة الأزمة

في المقابل، ترى مصادر رسمية أن خزانات المياه الخيرية، المتواجدة في الحارات، لا تفي بالغرض، كما تهدر الكثير من الأموال المقدَّمة من المنظمات، التي لو كُرِّست لدعم مؤسسة المياه، لشغَّلت الآبار التابعة لها، وأوصلت الماء إلى منازل المواطنين، الذين يجلبون المياه بالأيادي من تلك الخزانات، التي يحصل المواطن على جالونين تقريباً، ما يجعلها خدمة بسيطة في نظر المصدر، وذلك مقارنة بشبكة المياه العامة.

وتعاني مدينة تعز أزمة مياه خانقة، جراء سيطرة مليشيا الحوثيين على الآبار الرئيسة، التي تغطّي احتياجات السكان، وخروج آبار أخرى عن الخدمة، بسبب غياب الصيانة، والاهمال من جهة أخرى، طبقاً لما ذكره -في وقت سابق- تقرير رسمي صادر عن مكتب التخطيط والتعاون الدولي، مؤكداً أن الفجوة في إنتاج المياه للمدينة تمثل نسبة 91 ٪ من الاحتياج الفعلي لها، والبالغ 35 ألف لتر مكعب في اليوم.

وأوضح التقرير أن مصادر المياه الرئيسية  للمدينة تقع خارجها، وذلك في الناحية الشرقية والشمالية، وهي مناطق خاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين، منذ العام  2015.
كما أشار إلى أن عدد الآبار في تعز يصل إلى 67 بئراً، منها 16 بئراً رئيسية واقعة في منطقة 'الحيمة' الخاضعة لسيطرة المليشيا، فيما تسيطر الحكومة الشرعية على 9 آبار في 'الضباب'، و22 بئراً داخل المدينة، وتُنتج تلك الآبار 3 آلاف لتر مكعب يومياً، ما يشكِّل نسبة 16% من إجمالي الإنتاج اليومي لجميع المصادر، البالغ 18,400 لتر مكعب.

وتقول مؤسسة المياه لموقع "بلقيس" إن أزمة المياه ليست وليدة اليوم، بل مُزمنة، وتعود إلى تسعينات القرن الماضي، لكنها تفاقمت خلال السنوات السبع الأخيرة، بسبب توقف جميع مصادر المياه المغذِّية للمدينة، التي تعتمد بشكل كلي على الحقول المائية، المتواجدة خارجها، وهي: 'الحيمة' و'الحوبان' و'الحوجلة' و'العامرة' و'حذران' و'الضباب'، وجميعها متوقفة منذ العام 2015، ما أثر سلباً على السكان، وجعلهم يبحثون عن  قطرة ماء.

وأكد مدير الإنتاج في المؤسسة، وثيق الأغبري، لموقع 'بلقيس'، أن أزمة المياه ترجع إلى توقّف جميع مصادر المياه التي كانت تغذِّي المدينة سابقاً، وعودة السكان بشكل كبير بعد أن نزحوا إلى خارجها، إلى جانب جفاف الآبار السطحية، جراء قلّة الأمطار، وهبوط منسوب المياه الجوفية في الآبار الارتوازية التابعة للمؤسسة في المدينة، وهدر  المواطنين المياه التي تصلهم مجاناً، وعدم التزامهم بالإرشادات، وكذلك التوسّع العمراني، وبناء المنازل فوق الحقول المائية، والحفر العشوائي للآبار من قِبل نافذين، جراء غياب الدولة، فضلاً عن العشوائية الممنهجة، والتدمير من قِبل بعض المواطنين للشبكة الرئيسية، ما يتسبب في تسرّب كميات كبيرة من المياه.

ويلجأ سائقو الوايتات إلى التعبئة من آبار 'الضباب' فقط، وغيرها من الآبار الواقعة داخل المدينة، وهذه المصادر سطحية، وغير كافية،
وقد جفّ الكثير منها -خلال هذا العام- بسبب قلة الأمطار، ما انعكس سلباً على أصحاب شاحنات نقل الماء، الذين رفعوا أسعارها، حد تعبير الأغبري، الذي لفت إلى توسّع زراعة شجرة 'القات' في 'الضباب' وما جاورها، وهي ظاهرة ستؤثِّر سلباً على المواطنين، وستُفاقم معاناتهم، لاستنزافها الكثير من المياه.

تقارير

التخابر مع إسرائيل.. تهمة مليشيا الحوثي الجاهزة لشن حملة جديدة من القمع والاختطاف

شنت ميليشيا الحوثي حملة اختطافات جديدة في صنعاء والحديدة، طالت عدداً من العاملين في المجال الإنساني التابع للوكالات الأممية، والمنظمات الإنسانية، وابتدأت هذه المرة باقتحام مقر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في صنعاء، ومقر اليونيسيف في محافظة الحديدة الساحلية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.