تقارير
"شبكة من المخبرين".. هل يستطيع دونالد ترامب القضاء على الحوثيين؟
يقول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن إدارته ستضمن "القضاء على المتمردين الحوثيين في اليمن تماما"، بينما يعزز قوة واشنطن العسكرية لإثبات ذلك.
وأمضى ترامب الأشهر الأولى من ولايته الثانية في تصعيد الضربات العسكرية الأمريكية ضد قوة المتمردين؛ بسبب هجماتهم على السفن الدولية في البحر الأحمر.
وألحقت الحملة العسكرية الأمريكية المتجددة، حتى الآن، أضرارا جسيمة، حيث قتل ما لا يقل عن 57 شخصا، من بينهم مسلحون حوثيون ومدنيون يمنيون.
كما استهدفت الحملة مخزونات للأسلحة وطائرات مسيّرة ومنشآت لتخزين الصواريخ، في مسعى لإضعاف قدرة الحوثيين على ضرب طرق التجارة في البحر الأحمر.
وإلى جانب الخسائر المتتالية الأخيرة لقيادة وكلاء إيران الآخرين، قد يبدو أن زوال الحوثيين أمر مفروغ منه. غير أنه، مع ذلك، مثل هذا الافتراض يقلل من شأن قدرة الحوثيين على الصمود وقدرتهم على التكيّف الإستراتيجي، ونفوذ عميق الجذور داخل اليمن.
إذ تتطلب صعوبات استهداف المتمردين اعترافا من إدارة ترامب بأن النهج العسكري البحت لن يحقق هدف واشنطن المتمثل في "القضاء الكامل عليهم".
اتخذت واشنطن، الأسبوع الماضي، خطوة مهمة إلى حد ما لتوسيع إجراءاتها الصارمة ضد الحوثيين إلى ما هو أبعد من القوة العسكرية، معلنة عقوبات تستهدف شقيقين أفغانيين مقيمين في روسيا ساعدا سعيد الجمل في التنسيق لإرسال شحنات حبوب أوكرانية مسروقة من شبه جزيرة القرم إلى اليمن.
ومع ذلك، ستتطلب إستراتيجية إدارة ترامب بشأن الحوثيين نهجا أكثر دقة يضاعف هذه الوسائل غير العسكرية.
يجب على إدارة ترامب استخدام إستراتيجية متعددة الجوانب، تجمع بين زيادة العمليات الاستخباراتية على الأرض، والحظر البحري المكثف، والدبلوماسية الإقليمية القوية للضغط على الجهات الفاعلة الخارجية، وخاصة روسيا والصين، من تعزيز قدرات جماعة الحوثي من خلال الحوافز الاقتصادية؛ مثل تخفيف العقوبات، أو التهديد بزيادة التعريفات الجمركية.
- صمود الحوثيين
بالرغم من التدخل العسكري القوي من التحالف الدولي الذي تقوده السعودية ضد الجماعة، منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في عام 2014، حافظ الحوثيون على سيطرتهم في اليمن ووسعوها. إذ تطورت جماعة المتمردين الحوثيين من جماعة كانت ذات يوم صغيرة إلى قوة عسكرية كبيرة، في ظل ظهور دعم دولي يساعد في تمكين تهديداتهم البحرية الآخذة في الاتساع.
يكمن أحد أكبر التحديات في القضاء على الحوثيين في تحييد قيادتهم، ولا سيما زعيمهم الكاريزمي، عبد الملك الحوثي، الذي لعب دورا حيويا للجماعة منذ صعوده كزعيم لهم في عام 2004.
فعلى عكس الجماعات الأخرى المدعومة من إيران، يتمتع الحوثيون بهيكل سلالي ويتمركزون بشدة حول الحوثي وعائلته.
وستمثل خسارة عبدالملك الحوثي ضربة كبيرة للجماعة، لا سيما وأن عدم وجود خليفة واضح سيعني، على الأرجح، أن الجماعة ستحتاج إلى التركيز على كبح الصراعات الداخلية بدلا من تنفيذ العمليات، إلا أن تصفية عبدالملك الحوثي ستكون مهمة صعبة.
الثغرات في إستراتيجية الولايات المتحدة: تكتيكات القوة الصلبة والناعمة
من المرجح أن تكون قدرة الولايات المتحدة على تعقب الحوثي معوّقة بسبب المعلومات الاستخباراتية المحدودة على الأرض في اليمن. إذ تكرر هذا الواقع في أوائل العام الماضي عندما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في تقييم نجاح عملياتها وترسانة الجماعة الكاملة بسبب نقص المعلومات الاستخباراتية. فبدون وجود موثوق به أو شبكة مخبرين، فإن استهداف هكذا قائد متخفٍ بشكل جيّد سيكون أمرا صعبا.
تتطلب مكافحة دعاية الحوثيين حول الحملة العسكرية نهجا دقيقا أيضا، حيث استفاد المتمردون من الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية والخسائر المدنية من الغارات الجوية لدعايتهم الخاصة.
وأخيرا، ولمنع الحوثيين من الصعود مرّة أخرى، سيتعيّن على الولايات المتحدة قطع وسائل الإمداد للجماعة، خاصة من قِبل شركائها الدوليين. وقد كانت الجهود المبذولة لمنع وصول شحنات الأسلحة من الداعمين الرئيسيين للحوثيين، طهران، غير متَّسقة.
وبسبب عوامل مثل تغيّر الأولويات الإقليمية والرّغبة في تجنب التصعيد مع إيران، تراجعت الجهود البحرية الأمريكية للاستيلاء على شحنات الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى الجماعة بحيث تدفقت في السنوات الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، فإن الجهود الإيرانية للافلات من الاكتشاف من خلال تكتيكات؛ مثل استخدام القوارب الخادعة، ونقل الأسلحة أثناء تواجدها في البحر، وإخفاء الشحنات في شكل قوارب صيد، أو إخفائها على سفن شحن مدنية، تجعل من مسألة الاعتراض أكثر صعوبة.
فعلى أرض الواقع، جرى اعتراض ما يقدَّر بنحو 20 سفينة تهريب إيرانية فقط بين عامي 2015 و2024.
وخلال تلك الفترة، أعلن الحوثيون عن العديد من التقنيات الجديدة المثيرة للقلق التي بدت، جزئيا على الأقل، تتحدر من أصل إيراني، بما في ذلك صاروخ يزعمون أنه يمكن أن يصل إلى سرعات تفوق سرعة الصوت، وعدد من الطائرات المسيّرة الهجومية.
ومن أجل منع وصول الشحنات الإيرانية بشكل مستدام، ستحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة دورياتها البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن مع العمل أيضا على التعاون مع حلفائها الخليجيين لخنق طُرق التهريب، وتجهيز خفر السواحل اليمني بتقنيات الرادار المتقدِّمة والزوارق الدّورية، التي من شأنها أن تسمح له بأن يكون أكثر فعالية على المدى الطويل.
- مشهد متطوّر
فحتى لو تمكّنت الولايات المتحدة من الحيلولة دون وصول الشحنات الإيرانية إلى الجماعة المتمرِّدة، فجماعة الحوثي تسعى إلى تنويع شركائهم خارج إيران وشبكة حلفائها ووكلائها المتضعضعين في المنطقة.
وعلى سبيل المثال، تشير التقارير الصادرة، في شهر أغسطس، إلى أن ضباط المخابرات العسكرية الروسية يعملون الآن في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ويقدِّمون للجماعة مساعدة فنية مهمّة. وهناك أيضا مزاعم عن بيع أسلحة صغيرة روسية بقيمة عشرة ملايين دولار للحوثيين، ومزاعم موثوقة بأن موسكو زوّدت الجماعة ببيانات استهداف خاصة بعملياتها البحرية، وتدرس بيع صواريخ متقدِّمة مضادة للسفن لجماعة الحوثي.
كما أن توسيع العلاقات بين الحوثيين وبكين قد يسمح لهم بإعادة تشكيل أنفسهم. فعلى سبيل المثال، تزعم مصادر الاستخبارات الأمريكية أن الصين تزوِّد المتمرّدين بمكونات متطوّرة ومُعدات توجيه لأسلحتهم، مقابل منح الحصانة للسفن التي ترفع العلم الصيني، والعاملة في البحر الأحمر.
وبالنظر إلى صمود الحوثيين الواضح، فإن هذا يتطلب توسيع اتفاقيات تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء الإقليميين، ونشر تقنيات مراقبة متقدِّمة لتتبّع شحنات الأسلحة غير المشروعة، والعمل عن كثب مع الشركاء الخليجيين لتعزيز الأمن البحري.
كما يجب على واشنطن أن تعطي الأولوية لتعزيز الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والمعروفة ب"مجلس القيادة الرئاسي"، سواء عسكريا أو من خلال المشاريع التي من شأنها تحسين حكمها واستقرارها الاقتصادي.
ويمكن أن تشمل هذه الجهود تأمين شراكات لتنشيط إنتاج النفط والغاز وتوزيعه في اليمن، بالإضافة إلى تقديم خبرة فنية لتحسين الإدارة المالية لمجلس القيادة، ومساءلة القطاع العام.
إلى جانب التدريب الأمني للقوات التابعة لمجلس القيادة الرئاسي؛ مثل خفر السواحل اليمني، الذي من شأنه أن يُساعد مجلس القيادة الرئاسي على أن يكون بديلا موثوقا به لحُكم الحوثيين، بالإضافة إلى تعزيز هياكل الحكم المحلي والتحالفات القبلية التي يمكن أن تؤدي إلى تآكل قاعدة التأييد الداخلية للحوثيين.
وبينما يمكن للعمل العسكري أن يضعف المتمرِّدين الحوثيين على المدى القصير، فإن إضعاف الجماعة فعليا، والقضاء عليها في نهاية المطاف، سيتطلّب من مجلس القيادة الرئاسي أن يحكم بشكل فعَّال، ويستعيد الشرعية، ويقدِّم البديل العملي لليمنيين الخاضعين حاليا لسيطرة الحوثيين. كما يجب على إدارة ترامب أن تضع في اعتبارها هذه الغايات أثناء صياغة إستراتيجيتها الخاصة بالحوثيين.