تقارير

عروض وهمية قبل رمضان.. استغلال للظروف أم تجارة غير أخلاقية؟

28/02/2025, 07:48:10
المصدر : خاص - فاطمة العنسي

مع اقتراب شهر رمضان، تشهد الأسواق اليمنية انتشارًا واسعًا للعروض والتخفيضات، حيث يسعى المستهلكون لتأمين احتياجاتهم من المواد الغذائية بأسعار مناسبة، بيد أن بعض التّجار يستغلون هذه الحاجة عبر تقديم عروض وهمية، تشمل تخفيضات غير حقيقية، أو بيع سلع منتهية الصلاحية بأسعار مُغرية.

هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنّها باتت تتفاقم مع الأزمة الاقتصادية، ما يضع المواطن في مواجهة خياراتٍ صعبة بين تلبية احتياجاته الغذائية وحماية صحّته وماله.

- منتجات ردِيئة

تتذكر سارا بدر (40 عامًا) كيف تعرَّضت للنَّصب هذا الشهر، عندما اشترت مجموعة من الأغراض المنزلية من أحد المحلات التجارية في مدينة تعز جنوب غربي البلاد.

تقول سارا لبلقيس نت: "تلقيت عروضًا على الفيسبوك بوجود تخفيضات على مجموعة من الأغراض المنزلية، قمت بإغراء أختي، وذهبنا لشراء هذه العروض قبل رمضان، وعندما عدنا إلى المنزل تبيَّن أن الأغراض من أردأ ما يكون، والكاسات الزجاجية تكسرت بعد يوم واحد فقط من شرائها".

من جانبه، يقول محمد الحبيشي (55 عامًا): "تشمل التخفيضات كل شيء، فالمحلات التجارية تعج بالمواد الغذائية والسلع التموينية المخفّضة، ممّا يجذب المستهلكين".

ويستعرض الحبيشي -بحزن- ما تعرّض له أطفاله من تسمم بعد تناولهم بعض السلع، قائلاً: "أخذت أجبانًا وعصائر، لكن أطفالي تعرَّضوا للتسمم بعد تناولها".

أخبر الطبيب والد الأطفال أن سبب التسمم هو تناول مواد منتهية الصلاحية، ويضيف الحبيشي: "هذا كان قبل عام، ولا أكرر التجربة، فالعروض الوهمية ليست إلا زيفًا من قِبل التجار".

- انتشار الظاهرة

يوضِّح الدكتور عارف الحوشبي -مدير عام المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني في اليمن- أن ظاهرة تهريب المواد الغذائية والسلع التموينية منتهية الصلاحية عبر المنافذ الحدودية والبحرية بطُرق غير شرعية أصبحت منتشرة بصورة أكبر؛ مستغلين ضعف الرَّقابة وتواطؤ الجهات الأمنية.



ويفيد الحوشبي لبلقيس نت: "يُقبل بعض التّجار على شراء هذه المواد المهربة نظرًا لانخفاض أسعارها مقارنة بالمنتجات المُجمركة، وبهدف تحقيق أرباح سريعة دون مراعاة لصحة المواطنين وسلامتهم".

وتابع: "إذ يُشكل تناول هذه المنتجات خطرًا صحيًا كبيرًا، حيث يمكن أن يؤدي إلى التسمم الغذائي بأعراض مثل الغثيان، التقيؤ، الإسهال، مغص البطن، والحمى في بعض الحالات، قد يتأثر الجهاز العصبي، مما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة".

واستطرد: "بالإضافة إلى المخاطر الصحية، تؤثِّر هذه الظاهرة سلبًا على الاقتصاد الوطني، حيث تُحرم الدَّولة من إيرادات الضرائب والجمارك؛ نتيجة دخول السلع بطُرق غير شرعية، كما أن غياب الرَّقابة يؤدي إلى انتشار سلع غير مطابقة للمواصفات والمعايير، مما يزيد من المخاطر الصحية على المستهلكين".

ودعا المواطنين إلى تجنّب شراء أو استهلاك المواد الغذائية والسلع التموينية من مصادر غير موثوقة، أو غير معروفة، وضرورة التحقق من تأريخ الصلاحية وجودة التغليف قبل الشراء.

وأوضح: "شراء وتناول المنتجات الغذائية منتهية الصلاحية، حتى لو كانت بأسعار مخفّضة، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، خاصة خلال شهر رمضان، حيث يكون الجسم أكثر حساسية بعد ساعات طويلة من الصيام".

وأشار إلى أن "من أبرز الآثار الصحية، التسمم الغذائي، اضطرابات الجهاز الهضمي، فقدان القيمة الغذائية، تسمم كيميائي، ردود فعل تحسسية".

- فِرق ميدانية

من جانبه، نفى مدير عام وزارة الصناعة والتجارة في تعز، عبدالرحمن القليعة، وجود أي صحة لخبر العروض الوهمية للبضائع، مؤكدًا أنه لم تصلهم أي شكوى تتعلق بالعروض المزيَّفة والوهمية.
وقال القليعة لبلقيس نت: "لدينا لجان مراقبة تعمل بالميدان لضبط أي غش ومغالاة في الأسعار، ويتم التعامل مع المخالفات وفقًا للقوانين واللوائح المعمول، وإحالة المخالفين إلى نيابة التجارة والصناعة".

يقول المواطن عدنان الحجي (50 عامًا): "البحث عن السلع بأسعار زهيدة هو أولوية للكثيرين، ممّا دفع بعض التّجار لاستغلال هذه الحاجة بإدخال مواد غذائية منتهية، أو قريبة من الانتهاء".

ويؤكد الحجي على ضرورة تكثيف الحملات الميدانية للتفتيش على المنشآت التجارية، ومراقبة تأريخ صلاحية المواد الغذائية المعروضة للبيع.

- استغلال ملحوظ

"يستغل التّجار بشكل ملحوظ اقتراب شهر رمضان، حيث يزيد الطلب على المواد الغذائية الأساسية، وهذا الطلب المرتفع يقابله إعلان تخفيضات غير حقيقية، وبيع سلع قريبة الانتهاء بأسعار مخفّضة، ممّا يجعل المستهلكين يعتقدون أنهم يحصلون على صفقة جيِّدة"؛ وفق حديث الصحفي الاقتصادي وفيق صالح.

وأوضح صالح لبلقيس نت: "الركود الاقتصادي، انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، يجعلان التّجار يحاولون تصريف بضائعهم المكدَّسة، لا سيما تلك التي أوشكت صلاحيّتها على الانتهاء، كما أن عدم الاستقرار في أسعار الصَّرف يُؤثر على عمليات الاستيراد، ممّا يدفع التّجار إلى التلاعب بالأسعار لجذب المشترين بأي وسيلة".



تكمن المشكلة ـ كما يبيّنها الصحفي وفيق ـ في أن الأسعار المرتفعة، والدخل المحدود، هو ما يدفع المستهلك إلى توفير أي فرصة للمال، حيث قد ينجذب إلى التخفيضات الوهمية دون التحقق من جودة المنتج، أو صلاحيّته، مما يعرّضه لمخاطر صحية واقتصادية.

عندما يشتري المستهلك منتجات ردِيئة ظنًا منه أنه يحصل على تخفيض حقيقي، فإنه في النهاية يخسر المال دون الحصول على قيمة فعلية، والأسوأ أن بعض هذه المنتجات قد تكون غير صالحة، مما يجبر المستهلك على إعادة الشراء، وبالتالي زيادة الأعباء المالية عليه.

"التقارير المحلية تشير إلى أن نسبة كبيرة من المستهلكين يقعون ضحيّة لهذه العروض سنويًا، وهذا يتّضح من خلال شكاوى المستهلكين"، يقول وفيق.

ويفيد بوجود رقابة؛ لكنه يصفها بالضعيفة، لاسيما بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية، لافتا إلى أن "هناك حملات تفتيش تقوم بها هيئة المواصفات والمقاييس، لكن لا تزال هناك تحدِّيات في تغطية كل الأسواق، خاصة مع وجود أسواق غير منظّمة".

- حق مشروع

يؤكد تيسير السامعي -مسؤول الإعلام الصحي في وزارة الصحة بتعز- أن "الدعاية والإعلان، الذي يمارسه التّجار حق مشروع من أجل الترويج لبضاعتهم، ومن حق أي جهة أو مؤسسة تجارية أن تروِّج لما تقدِّمه للجمهور، ولكن بطُرق مشروعة وحقيقية بعيد عن التزييف".

ويقول السامعي لبلقيس نت: "قواعد الإعلان التِّجاري هي أن تتحلى بالأصول والمبادئ، وتلتزم بالمقاييس والمواصفات، وإذا شعر المستهلك بأنه يتعرّض لحملة عروض زائفة من حقه أن يقدّم بلاغا إلى الجهات الرّقابية".

وأضاف: "أحيانا ينخدع المواطن بالعروض، ويضطر إلى قطع مسافات كبيرة، خاصة النساء؛ ليتفاجأ بأنها بضاعة رديئة".

- الإعلانات والقانون

"النَّص القانوني اليمني يُولي اهتمامًا، خاصة بحماية المستهلك من الإعلانات المضللة، ويهدف القانون اليمني إلى حماية المستهلكين من اتخاذ قرارات مبنيّة على معلومات خاطئة قد تضر بمصالحهم؛ وفقًا لقانون حماية المستهلك، الصادر برقم 23 لعام 2009، الذي ينص على حماية حقوق المستهلك من المُمارسات التِّجارية المضللة"، يقول المحامي والمستشار القانوني عبدالخالق السامعي.

ويضيف السامعي لبلقيس نت: "تنص المادة 16 من قانون حماية المستهلك اليمني أنه يحظر الإعلان عن أي سلعة أو خدمة بطريقة مضللة أو كاذبة أو غامضة تؤدي إلى خداع المستهلكين بشأن مواصفات المنتج، أو سعره، أو كيفية استخدامه".

ويتابع: "كما تُقر هذه المادة بأنه لا يجوز للمعلنين تقديم معلومات كاذبة أو خادعة في إعلاناتهم، التي قد تؤثِّر على قرارات المستهلكين، ويحق لكل شخص متضرر من الإعلانات المضللة تقديم شكوى أمام الجهة المختصة، إذا تعرَّض شخص لإعلان مضلل في اليمن؛ ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية والمطالبة بالتعويض.

ولفت إلى أن "من الناحية القانونية، هناك قوانين تحمي المستهلك وتفرض غرامات أو إغلاق المحلات التي تبيع مواد مغشوشة، لكن تطبيق هذه القوانين تواجه صعوبات؛ بسبب ضعف الرقابة، والفساد في بعض الجهات المسؤولة".

وقال: "أيضا لا نغفل عزوف المواطنين عن رفع قضايا ذات الصلة".

وفي ظل الظروف الاقتصادية الصَّعبة، يبحث اليمنيون عن أفضل العروض لتوفير احتياجاتهم الغذائية، لكنهم في كثيرٍ من الأحيان يقعون ضحية للتلاعب التجاري، لذا لا بُد من تعزيز الوعي الاستهلاكي، ومطالبة الجهات المعنية بتشديد الرَّقابة على الأسواق؛ لضمان حماية المواطنين من الاستغلال التجاري، الذي يهدد صحّتهم واقتصادهم.

تقارير

هل نحن أمام إعادة تدوير خرائط الاستعمار البريطاني بهندسة إماراتية؟

بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، تشكيل 'مجلس شيوخ الجنوب العربي'، تعود ذاكرة جنوب البلاد إلى خرائط الاستعمار، في حدث وحديث يُذكِّر ببيان 'السلطان الفضلي' حول الحدود مع 'سلطنة يافع السفلى'، الذي جاء كانعكاس مباشر للمناخ السياسي للانتقالي بعد عقود من تجاوزها في ظل دولة موحّدة.

تقارير

الكهرباء التجارية في عدن.. هل تكون المسمار الأخير لتدمير المنظومة الحكومية؟

أثار دخول خدمة الكهرباء التجارية في عدن جدلاً كبيراً بين أوساط الأهالي في مدينة عدن جنوبي البلاد، الذين يرونها مفتاحاً لإلحاق خدمة الكهرباء الحكومية بقطاع التعليم المتوقّف في مدينة عدن منذ خمسة أشهر تقريباً.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.