تقارير
'عود الند' .. روحانية الحاضر وعبق الذكريات
قناة بلقيس - حسان محمد
ما إن يشتم عبد الصمد الوافي رائحة دخان 'عُود الند' حتى ترحل به الذكريات إلى سنوات الطفولة، ومهد الصبا، وأجواء الشهر الفضيل في قريته الريفية الصغيرة بين الأهل والأصدقاء.
ذكريات قديمة تعود للوافي، تحييها رائحة 'عُود الند'، التي كانت تفوح وقت صلاة 'العشاء' و'التراويح' من بيوت القرية، وترسم أحد المظاهر الاحتفالية الهامة، التي تعبّر عن فرحة الناس بشهر رمضان المبارك، وتولد مشاعر روحانية، تجعل الشهر مختلفا عن بقية شهور السنة.
يقول الوافي لـ"بلقيس": "لم يكن استخدام البخور في تلك السنوات منتشرا بشكل كبير كما في الوقت الحاضر، وكان 'عُود الند' الأكثر انتشارا، خاصة في القرى".
استعدادات أساسية
كثيرة هي مراسيم استقبال رمضان، تبدأ من شهر شعبان بعمليات تنظيف واسعة للبيوت والأثاث، وزيادة مستوى التسوّق، بشراء أصناف جديدة من الطعام بما يتناسب مع ظروف الأسر، علاوة على اقتناء ما أمكن من 'الطيب' والروائح الزكية.
فما يزال 'الطيب' و'البخور' والروائح الزكية مقتنيات أساسية، يحرص اليمنيون على شرائها كإحدى المراسم الاحتفالية بالشهر الكريم، وعلى الرغم من سيطرة البخور على المشهد في الوقت الراهن إلا أنه ما يزال ل'عود الند' عشاق كثر يحرصون على شرائه في رمضان، وبقية شهور العام.
ومن هؤلاء فاطمة محمد، التي تفضل 'عود الند' على كثير من أنواع البخور، بسبب رائحته الجميلة، وسهولة استخدامه، ولأن بعض صانعي البخور يغشون في مكوّناته، ولا ينتج عنه سوى دخان برائحة الحريق والحطب.
تقول فاطمة لـ"بلقيس": "من الصعب تخيل ليالي رمضان بلا 'عود الند' و'البخور'، والروائح التي تخلق المشاعر الروحانية لرمضان، وتعيد إلى الأذهان ذكريات السنوات الماضية".
وتنصح فاطمة بشراء البخور من شخص معروف لدى الشاري، وموثوق به.
موسم 'البخور' و'عود الند'
على الرغم من الظروف المعيشية التي خلفتها الحرب في عامها السابع، وتسببت بمعاناة وتجويع 80% من المواطنين إلا أن المظاهر الاحتفالية بقدوم شهر رمضان لم تتلاشَ، وفرحة الناس وبهجتهم بقدومه لم تتغيّر.
ومع قدوم شهر رمضان المبارك، تزداد نسبة مبيعات "أم محمد" من منتجات البخور و'الزَّبد'، وتؤكد أن اليمنيين يقبلون على 'الطيب' في الشهر الفضيل بشكل كبير.
أم محمد إحدى النساء التي عملت جاهدة لإعالة الأسرة بعد انقطاع راتب زوجها، الذي يعمل في القطاع الحكومي، ومنذ خمس سنوات تعلمت صناعة البخور والعطر، وبعض الكريمات الخاصة بالبشرة على يد جارتها، وبذلت كل ما في وسعها لتحصل على مكان في السوق، وكسب زبائن دائمين لمنتجاتها.
ولهذا تسعى، معظم ساعات اليوم، لعرض منتجاتها في محلات العطور والكوافير وصالات الأعراس، مما جعلها تتوسع في نسبة مبيعاتها، وتتمكن من مساعدة أسرتها.
وتعد صناعة 'البخور' من أكثر الصناعات، التي انتشرت خلال سنوات الحرب، وصارت ملاذا وطوق نجاة لكثير من الأسر، للخروج من دائرة الفقر، وساهم بذلك سهولة تصنيعه، ومكوّناته التي هي عبارة عن مقادير غير كبيرة من العطر الذي يُختار بحسب الرغبة، والسكر المغلي، وكميّة مناسبة من 'العود' و'دهن الورد' و'المسك'.
تقول أم محمد: "على الرغم من كثرة النساء والمعامل الذين يصنعون البخور، إلا أن المبيعات جيدة، وتزيد بشكل ملحوظ في رمضان، نظراً لإقبال الناس الواسع خلال هذا الشهر، والأعياد التي تعد بمثابة موسم لتجارة البخور والعطر".
أصل 'العود'
تستخلص 'أعود الند' من نباتات وأعشاب عطرية، ولها استخدامات طبية وعلاجية، وتأثيرات نفسية إيجابية على الحالة النفسيّة، حيث تُدخل رائحتها الجملية والقوية الانتشار السعادة إلى النفس، وتهدئ المزاج.
وشجرة 'عود الند'، هي شجرة دائمة الخضرة ومعمّرة، ويرتفع طولها عن سطح التربة ليصل إلى ما بين ثمانية أمتار وعشرين متراً تقريباً.