تقارير

غموض مستقبل اليمن.. قراءة في تصاعد وتيرة الصراع

10/01/2025, 11:39:30
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

يبدو الوضع في اليمن قابلا للانفجار أكثر من أي وقت مضى، مع تصاعد وتيرة الصراع واليأس من إمكانية الحل السياسي للأزمة، فاستمرار هجمات الحوثيين على الاحتلال الإسرائيلي والسفن الأمريكية في البحر الأحمر، ومؤشرات محاولة تفجير الوضع داخليا من جانب الحوثيين كما حدث قبل أيام في تعز ومأرب، وإشادة إيران بالحوثيين وتأكيدها على استمرار دعمهم، وتنامي ضغوط الشارع اليمني المطالب بإنهاء انقلاب مليشيا الحوثيين استغلالا للمتغيرات الإقليمية الأخيرة، كل تلك التطورات تعكس خطورة المرحلة الراهنة.

وفي الوقت نفسه، تتزايد التوترات مع تهديدات إسرائيل للحوثيين بمصير يشبه مصير بشار الأسد وحزب الله اللبناني، في حين يترقب الجميع كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية المقبلة بعد تنصيب ترامب مع التهديدات الحوثية، إذ تشير التوقعات إلى أن واشنطن قد تتخذ إجراءات أكثر حسما في مواجهة التصعيد الحوثي.

وفي خضم هذه التطورات المتسارعة، يبدو أن مرحلة جديدة من الصراع يجري التمهيد لها، لكنها قد لا تكون حاسمة، مما يجعل من الصعب التكهن تماما بمسار الأحداث ونتائجها، وما إذا كان سيترتب عليها تحولات كبيرة أم لا.

- مشهد متغير

من الأسئلة المحيرة فيما يتعلق بالشأن اليمني: ما هي الكيفية التي ستؤول إليها الأحداث والتصعيد الأخير بعد مدة من الجمود؟ وما هو مستقبل اليمن الذي سيتشكل وفق المعطيات الراهنة؟ وكيف ستكون مسألة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي في نهاية المطاف بعد كل ذلك التشتت الذي تشهده القضية اليمنية؟ ومن هو الطرف الذي سيتقدم الصفوف لاستعادة الدولة والجمهورية؟ وكيف سيتم التعامل مع الأجندة الأجنبية في اليمن؟ وكم جولات من الحرب وسنوات إضافية سينتظرها الشعب حتى يتحقق حلم استعادة الدولة؟ وكيف ستكون ملامح الحرب المقبلة؟

لا شك أن الحديث عن استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي في الظروف الراهنة يعد نوعا من المبالغة، لأن المعطيات الحالية سياسيا وعسكريا لا تبشر بذلك، كما أن حلم الحوثيين بإعادة الإمامة وترسيخها وحكم أجزاء من البلاد إلى الأبد يعد ضربا من الجنون، وهو هدف يستبعده الحوثيون أنفسهم على المدى الطويل، وفي الوقت نفسه فالتحالف السعودي الإماراتي لا يريد تسليم اليمن كاملا للحوثيين ولا للسلطة الشرعية، ولم يحسم مسألة الوحدة والانفصال ووضع التشكيلات العسكرية غير النظامية، ولا يبالي باستمرار الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى بالرغم من أنه وضع مكلف ومرهق ويشكل عامل استنزاف لجميع الأطراف ويفقدها الرغبة في خوض معارك عنيفة جديدة وحاسمة.

وفي ظل هذا الجمود، تحركت المياه الراكدة بتشعبات جديدة منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وبدا أن المشهد الإقليمي يتغير بالتدريج حتى تمكنت إسرائيل من إضعاف حزب الله اللبناني الذي انهار بشكل متسارع جراء اغتيال أبرز قياداته، ونجاح الثورة السورية المسلحة وفرار الرئيس المخلوع بشار الأسد، وأيضا ضعف إيران وعجزها عن مساندة حزب الله ونظام بشار الأسد. وبالرغم من كل ذلك، تواصل إيران الدفع بالحوثيين للتصعيد العسكري ضد إسرائيل، باعتبارهم آخر أذرعها النشطة ضمن إستراتيجية الدفاع الأمامي أو الردع المتقدم، ولا تبالي بمصيرهم الذي قد يكون شبيها بمصير حزب الله وبشار الأسد.

إذن فالأزمة اليمنية أمام مشهد محلي وإقليمي متغير سيلقي بظلاله على مصير البلاد عاجلا أو آجلا، لا سيما أن التصعيد مستمر، ومؤشرات الانفجار تلوح في الأفق، والطرف غير الراغب في الحرب سيضطر لخوضها عندما يشعل أوارها الطرف الآخر، وإذا حدثت تهدئة في جبهة ما فإن الانفجار سيكون في جبهة أو جبهات أخرى، وسواء استمرت التهدئة أو الهدنة الهشة مدة زمنية قصيرة أو طويلة، فالمعارك الحاسمة والمؤجلة قادمة لا محالة، ولعل البلاد في انتظار تطور كبير، محلي أو إقليمي، يخلط الأوراق من جديد، ويدفع بالجميع إلى خوض المعركة الحاسمة.

- ملامح الحرب المقبلة

لوحظ في الآونة الأخيرة أن مسؤولين إسرائيليين يبالغون في التضخيم من القدرات العسكرية لمليشيا الحوثيين ويرسمون صورة غير واقعية عن خطورتها، مثلما كانوا يضخمون من قوة حزب الله اللبناني وخطورته، وذلك لتبرير الإجراءات العسكرية والسياسية ضد أذرع إيران في المنطقة، والترويج للدعاية النفسية، لإثارة قلق المجتمع الإسرائيلي وتوحيده خلف سياسات الحكومة، كما أن تضخيم إسرائيل من قوة مليشيا الحوثيين يهدف إلى حشد حلفاء وإيجاد مبررات أمام المجتمع الدولي تمهيدا لتنفيذ هجمات عنيفة على مواقع الحوثيين واستهداف مراكز القيادة والسيطرة، وربما اغتيال قيادات يقطنون في أماكن مكتظة بالسكان بعد تتبع تحركاتهم عبر وسائل تتبع حديثة، مما قد يتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.

إلى جانب ذلك، اتهمت مصادر استخباراتية أمريكية "الصين" بمساعدة الحوثيين في الحصول على أسلحة مقابل عدم اعتراضهم على السفن الصينية في البحر الأحمر، بعد أسابيع من اتهام روسيا بإجراء محادثات مع الحوثيين لإمدادهم بالأسلحة ردا على الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وتعد مثل هكذا اتهامات نوعا من التلويح بالتصعيد ضد الحوثيين، ليبدو الأمر وكأنه استهداف لطرف يتعاون مع خصوم أمريكا، وهو خطاب موجه للداخل الأمريكي لحشد التأييد لأي عمل عسكري واسع ضد الحوثيين، وسيضفي ذلك بعدا دوليا للصراع في اليمن ويخرجه من سياقه المحلي والإقليمي، مع أن الأمر برمته مرتبط بأمن إسرائيل، وإضعاف أجنحة إيران ربما تمهيدا لتدمير برنامجها النووي بعد أن بدأ يقترب من مراحله النهائية، استجابة لمخاوف إسرائيل المتزايدة من البرنامج النووي الإيراني.

وبالرغم من التصعيد القائم حاليا وبوادر نشوب معارك متعددة الجبهات، فإن هناك حقائق ستظل ثابتة مهما بلغت درجة التوتر واندلاع معارك عنيفة، أولى هذه الحقائق أنه مهما كانت حدة العمليات العسكرية الإسرائيلية أو الأمريكية والبريطانية المتوقعة ضد الحوثيين، لكنها لن تصل إلى درجة القضاء عليهم تماما، وسيظل الحوثيون طرفا رئيسيا في معادلة الصراع في اليمن لأن ذلك يعكس مصلحة مشتركة لأطراف إقليمية ودولية، بمعنى أنه لن يقوم أي طرف إقليمي أو دولي بالقضاء على الحوثيين بالنيابة عن الشعب اليمني وحكومته الشرعية، أو إضعافهم لدرجة تمهيد الطريق أمام السلطة اليمنية الشرعية وحلفائها للدخول إلى العاصمة صنعاء واستعادة السيطرة على المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، دون مواجهة مقاومة متفاوتة في مختلف الجبهات.

ثانيا، أن التحالف السعودي الإماراتي لم يعد يرغب بالقضاء على الحوثيين أو حتى تمكين السلطة الشرعية من بسط نفوذها في المحافظات المحررة بعد تقسيم تلك المحافظات بين كانتونات متصارعة ومتنافرة، ويبدو أن التحالف يفضل الإبقاء على الوضع الراهن لمدة زمنية طويلة، يتخللها توتر ومناوشات ومعارك متقطعة واستمرار صراع النفوذ بين الرياض وأبوظبي، مع حرص كل طرف منهما على تقوية أتباعه أو حلفائه، والاستمرار في تهميش الجيش الوطني وإضعافه، حتى لا يشكل عائقا أمام أجندة التحالف مستقبلا.

ثالثا، بالنسبة لمطالب الشعب اليمني بالقضاء على الحوثيين وتكرار السيناريو السوري في اليمن، فقد لوحظ أن الحكومة اليمنية والتحالف السعودي الإماراتي حركوا ملفات لإشغال الرأي العام اليمني عن ضغوطه للتخلص من الانقلاب الحوثي، مثل ملف الفساد الذي ظل كامنا لسنوات، إلى جانب افتعال المجلس الانتقالي أزمة حادة مع الحكومة.

يضاف إلى ذلك إعلان المجلس الرئاسي الاستجابة لمطالب أبناء حضرموت بإقرار إجراءات تشمل تخصيص عائدات النفط لإنشاء محطتين كهربائيتين ومستشفى عام، وإدارة العوائد المحلية لتنمية المحافظة، والحفاظ على أمن حضرموت واستقرارها. وفي حين قوبلت هذه القرارات بترحيب السلطة المحلية وحلف قبائل حضرموت ومجلس حضرموت الوطني، فإنها حفزت المطالب الفئوية في بعض المحافظات، مع أنه كان يفترض أن تكون تلك الإجراءات جزءا من خطة تنموية تشمل جميع المحافظات المحررة.

رابعا، يبدو أن التحالف السعودي الإماراتي يخشى من أن القضاء على الحوثيين في الوقت الحالي قد يتسبب في ظهور أزمات جديدة لم تتبلور بعد طريقة لحسمها، وستتفجر خلافات وملفات كامنة أو مؤجلة ومثيرة للجدل، مثل الانفصال، ومستقبل الأحزاب لأن الظاهرة الحزبية مزعجة للرياض وأبوظبي، والنظام الجمهوري الديمقراطي، والوضع السياسي والعسكري لعائلة علي صالح، وأيضا المستقبل السياسي للقيادات الحالية التي رضخت للتحالف ولم تعترض على سياساته العبثية والتدميرية في اليمن، أي أن الترتيبات المستقبلية التي يُراد فرضها في اليمن لم تصل إلى مرحلة النضج أو الاستواء، أو أن استحالة تحقيقها تقتضي المزيد من الوقت أملا في حدوث متغيرات تمهد لها أو تساعد على تمريرها بسلاسة.

خامسا، فيما يتعلق بمليشيا الحوثيين، فهي تعيش مرحلة تخبط وارتباك، فمن حديثها عن استعدادها للسلام، إلى إطلاق التهديدات ضد الخصوم في الداخل والخارج، واستمرار المناوشات العسكرية المتقطعة في الجبهات الداخلية، والاعتقالات العشوائية بذريعة التخابر مع إسرائيل، وأيضا استمرار إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على الاحتلال الإسرائيلي والسفن في البحر الأحمر، مع الحرص على أن تكون تلك الهجمات محدودة وغير ضارة، لتجنب ردود أفعال عنيفة تؤثر على وضعها الداخلي.

تدرك المليشيا الحوثية أن استمرار هجماتها على الاحتلال الإسرائيلي والسفن في البحر الأحمر بمنزلة انتحار عسكري، لكن ليس أمامها سوى المقامرة والمضي في ذلك الخيار، لأن التوقف سيظهرها بمظهر الضعيف أمام أتباعها وخصومها على حد سواء، وما تتمناه الآن هو نشوب حرب داخلية تمثل لها مخرجا من الاستمرار في مغامرتها الخارجية، لكنها تتمنى أن تبدأ السلطة الشرعية وحلفاؤها الحرب عليها، لتزعم أنها ستتفرغ لمواجهة من تصفهم بأدوات الصهاينة، وهو المصطلح الذي يطلقه المحور الإيراني على خصومه، وستحشد المقاتلين تحت هذا الشعار، ولا تريد أن تكون هي البادئ بالحرب الأهلية حتى لا يقال إنها تخلت عن مزاعمها بنصرة قطاع غزة واتجهت لقتال اليمنيين.

سادسا، تأمل مليشيا الحوثيين أن تتحقق هدنة أو صفقة سلام بين حركة حماس والكيان الصهيوني، لأن ذلك سيعفي المليشيا من استمرار هجماتها في البحر الأحمر والأراضي الفلسطينية المحتلة مما سيجنبها المخاطر المترتبة على ذلك، وستتوقف الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على منشآت في المحافظات التي تسيطر عليها المليشيا، وسوف تحتفل المليشيا بما ستسميه "النصر على إسرائيل" بشكل مبالغ فيه، وستحشد مزيدا من المقاتلين لتفجير الوضع داخليا، وستهدد السعودية والإمارات بهجمات تستهدف عمق أراضيهما ومنشآتهما الحيوية، أملا في تحييدهما عن العودة للتدخل العسكري في اليمن.

وهكذا إذا لم تبادر السلطة الشرعية وحلفاؤها إلى شن عملية عسكرية واسعة ضد مليشيا الحوثيين، فإن المليشيا هي من ستبادر إلى إشعال الحرب بعد انتهاء الحرب في غزة، لكن حسب تكتيكاتها المعتادة، وهي الانفراد بالخصوم الواحد تلو الآخر، وعدم إشعال جميع الجبهات دفعة واحدة لأن ذلك فوق طاقتها، مستفيدة من التفتت الذي رسخه التحالف السعودي الإماراتي في أوساط الأطراف المناوئة للحوثيين، وكل طرف منهم لن يضحي بقواته وجنوده إذا استفردت مليشيا الحوثيين بمناوئيها الواحد تلو الآخر، ولن تتحد الأطراف المناوئة للحوثيين وتخوض معارك متزامنة ضدهم في جميع الجبهات إلا بقرار سياسي من الرياض وأبوظبي.

الخلاصة، فرص إنهاء الانقلاب الحوثي في الوقت الحالي من خلال التدخل الخارجي ضئيلة للغاية، ولا مؤشرات أن السلطة اليمنية الشرعية ستبادر إلى ذلك بسبب عدم امتلاكها لقرار الحرب المصادر من التحالف السعودي الإماراتي، كما أن توزيع السلطة بين مكونات أو كانتونات متنافرة يعيق حسم المعركة ضد الانقلابيين، وتؤكد تجربة عشر سنوات منذ بداية الحرب أن القضاء على الحوثيين لم يعد ضمن أهداف التحالف السعودي الإماراتي.

علاوة على ذلك، ليس بقدرة السلطة الشرعية التحرر من هيمنة التحالف والمضي منفردة في معركة استعادة الدولة، كما أن الحوثيين لن يغامروا بخوض معارك واسعة النطاق للسيطرة على اليمن بكامله، وستكون معاركهم لتثبيت مكاسبهم الراهنة وتوسيع مساحة سيطرتهم في نطاق معقول، وهذا لن يدفع الأطراف الأخرى إلى الرد بخوض معركة حاسمة وإنما البقاء في موقع الدفاع.

وبالتالي سيكون الحسم في نهاية المطاف بيد الشعب اليمني، الذي سيثور ضد المليشيا الحوثية من داخل مناطق سيطرتها وخارجها وينهي الانقلاب، وسيجر معه الأطراف الأخرى إلى الأمر الواقع، وهذا لن يحدث إلا عندما تتهيأ الظروف المناسبة لانتفاضة شعبية واسعة من جميع الجوانب.

تقارير

جيل مفخخ.. كيف تصنع ميليشيا الحوثي قنابل فكرية في المدارس والجامعات؟

الحرب في اليمن لا تتوقف عند الجبهات العسكرية، والهدنة لا تعني الكثير بالنسبة للمستقبل، طالما بقي آلاف الطلاب يخضعون للتجنيد الإجباري، والتعرض للأفكار الطائفية المتناقضة مع عقائد المجتمع ومصالحه ومحيطه وتاريخه.

تقارير

لماذا لا تستجيب الحكومة لمطالب الأكاديميين وتعمل على صرف رواتبهم بانتظام؟

في ظل الأوضاع الصعبة التي تشهدها اليمن في جميع مجالات الحياة، تتصدر معاناة المعلمين بشكل عام، وأساتذة الجامعات بشكل خاص، قائمة الأزمات. وقد شهدت جامعة عدن وقفة احتجاجية نفذها أكاديميون من محافظات شبوة وأبين ولحج، للمطالبة بتحسين الرواتب، وهيكلة الأجور، وإعادة الرواتب إلى البند الأول، وهو ما يعني إدراج ملف الرواتب ضمن الموازنة الثابتة.

تقارير

لماذا تخضع الأمم المتحدة لضغوط الحوثيين وتبقي مقراتها في مناطق سيطرتهم؟

في خطوة تثير العديد من التساؤلات، وجّهت الأمم المتحدة تعميما لموظفيها، باستئناف أعمالهم المعلقة، منذ الرابع والعشرين من يناير الماضي، في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، بعد اختطاف المليشيا المزيد من العاملين في المنظمات الدولية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.