تقارير

في ذكرى الانقلاب.. تصاعد حِدة الغليان الشعبي

21/09/2023, 09:11:00
المصدر : كريم حسن

أجرت مليشيا الحوثي تحضيرات مكثفة، ترافقت مع تجهيزات بالغة الكُلفة، استعداداً للاحتفاء بمناسبة مرور 9 سنة لانقلابها، على السلطات الشرعية، واحتلال عاصمة البلاد، وفرض السيطرة بقوّة السلاح.

وتنفق مليارات الرِّيالات لإحياء فعاليات مناسبتها الخاصة من الأموال التي تنهبها من الموارد العامة للدولة بصورة يومية مستمرة، إضافةً إلى أعمال الجبايات الواسعة على كافة الأنشطة التجارية المختلفة، وكذلك عملية نهب المواطنين بذريعة توفير جُزء من الخدَمات الأساسية.

بينما السكان المحليون في المدن والمناطق، الخاضعة لسيطرة الحوثي، يواجهون صلف وغطرسة المليشيا بعدد من مظاهر السخط والاحتقان والغليان، التي تتزايد حِدتها من فترة إلى أخرى بشكلٍ لا محدود.

- انكسار حاجز الخوف

لم تعد عضلات القوّة للمليشيا ولا دعايتها الحربية الزائفة قادرة على إسكات الناس وإخضاعهم، خلال هذه المناسبة، كما كانت عليه حالة الخوف وشدة بطش الكهنوت في الأعوام السابقة.
كما أن انكشاف أمر الجماعة على كافة المستويات جعلها محل ضعف وأصابها بعجز جزئي عن مواجهة هذا التمدد الشعبي الساخط.
يؤكد الناشط المجتمعي عبد القادر الشاطر، في حديثٍ لموقع "بلقيس": "الناس طال صبرهم على هذه الجماعة، أصبحت أعمالها مفضوحة في مضاعفة المعاناة، أظن الجميع تخطوا حاجز الخوف، وسيذهبون إلى المطالبة بحقوقهم المنهوبة، منذ سنوات، لا بُد أن يكسر هذا القيد، ينهبون إيرادات الدولة، ويصرفون أموالا طائلة على احتفالاتهم".

تواجه مليشيا الحوثي حملات ضغط شعبية تطالبها بصرف مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرتها، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، كما تدعوها إلى وقف نزيف الدَّم اليمني، وعدم ممارسة أعمالها العدائية، التي أنتجت حالة التشظِّي والانقسام.

عدد من أبناء الأحياء المتفرِّقة في صنعاء قالوا لموقع "بلقيس": "يجب أن نستعيد حقوقنا المنهوبة، ننتزعها منهم، ولا نسكت عن الظلم بعد الآن، هذه حركة إمامية غاشمة، لا يهمها مصلحة الوطن والمواطن، تعيد إنشاء نظام الحكم السلالي، تستهدف مقدرات الشعب، وتهمش الثوابت الوطنية، وتحتفل بمناسباتها الخاصة كوسيلة للقهر".

تحل الذّكرى التاسعة لنكبة اليمنيين بأوضاع معيشية بائسة، فيما يتخلّق أسلوب تحدٍ لتخطِّي حاجز الخوف، وتوسيع قاعدة الضغط الشعبي ضد الحركة الباغية.

- مظاهر سخط

تزامناً مع احتفالات مليشيا الحوثي بذكرى يوم نكبة اليمنيين، تزايدت حالة الغليان الشعبي بصورة لافتة، حيث تدرَّجت مظاهر السخط في أوساط المجتمع المحلي لأنماط واسعة، كحالة لمقاومة ناعمة متعددة النِّطاق، تبرز لأول مرة منذ سيطرة الانقلابيين على السلطة في 21 أيلول/ سبتمبر 2014.

يقول الناشط السياسي محمد عبدالله لموقع "بلقيس": "المجتمع غاضب وغير خائف من القمع، تولّدت لديه حالة عداء كبيرة للانقلاب، تتمثل بمجموعة من المظاهر؛ مثل السخط والاحتقان. وتصاعد غليان الشارع، ارتفاع سقف المطالب الشعبية وحملات الاحتجاج الواسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، رفضاً لكل ممارسات وسياسات الحوثي، لا بُد أن تتهيأ الظروف لمقاومة هذا المشروع، خلال المرحلة القادمة".

وأكد ناشطون محليون أن "احتفالات الانقلابيين في مناسباتهم الخاصة دليل واضح لاستفزاز المجتمع، وكذلك إيصال رسائل خادعة للداخل، على أساس أنهم ما زالوا أقوياء عسكرياً، ولديهم القدرة على قمع أي حركة تمرّد، لكنهم في أضعف حالاتهم في الوقت الحالي، وبدون غطاء قانوني وسياسي وأخلاقي".

وخلافاً لحالة الصمت في الفترة السابقة، توسَّعت حالة السخط الشعبي في أحاديث الناس ونقاشاتهم، في الأماكن العامة والمجالس الخاصة، وكذلك في باصات الأجرة التي تتحوَّل أحاديث الرّكاب إلى حلقات نقاشية موجَّهة ضد هذه الجماعة السلالية.

- استحواذ ونهب

غير الحرب، هناك كثير من الدوافع المباشرة، التي أدت إلى تنامي الغليان الشعبي بشكلٍ حاد، حيث استحوذت مليشيا الحوثي على كل موارد الدولة، وحوَّلت إيراداتها العامة إلى وعاء مالي خاص بها، من أجل تمويل أعمال مشروعها المرفوض شعبياً.

يقول الناشط الحقوقي عبد الرؤوف غالب لموقع "بلقيس": "أسقطوا حقوق الموظفين وصادروها، كما استحوذوا على جميع الموارد، الناس يعيشون أوضاعا سيئة جداً، والحوثي وظَّف المال العام في خدمة مشروعه، يُنفق مليارات على احتفالات ليس لها أي قيمة وطنية، ومرتّبات الموظَّفين صادرها".

تحتفل الجماعة الطائفية بذكرى انقلابها من قُوت اليمنيين، بعد الفشل الذّريع لقوات التَّحالف العربي، وتراخي الحكومة الشرعية المشتٍَتة عن إسقاط المشروع الانقلابي، لكن تبقى المراهنة الوحيدة في مواجهة ودحر المليشيا الكهنوتية على المواطنين في مناطق سيطرة الانقلابيين.

تقارير

عائلات عاملي الإغاثة اليمنيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تشعر باليأس بشأن مصيرهم

تحوّل فرح عائلة أحمد اليمني باحتفالهم بزفاف ابنته إلى رعب في اليوم التالي، عندما داهمت قوات مقنّعة منزلهم في صنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واعتقلته.

تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.