تقارير
كيف أصبح السلام في اليمن جزءا من التوازنات الإقليمية؟
تعود الرياض مجددا إلى أرض حراك دبلوماسي لإعادة تشكيل خارطة الطريق نحو السلام في اليمن، حيث شهدت الرياض سلسلة من اللقاءات؛ بدءا باجتماعات رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، والسفير السعودي لدى اليمن، مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن، والسفير الأمريكي، ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، وسفير المانيا لدى اليمن، وصولا إلى لقاءات مع أطراف دولية.
تأتي الاجتماعات واللقاءات لمناقشة مستجدات الأزمة اليمنية والتطورات في البحر الأحمر، ودعم جهود مبعوث الأمم المتحدة لليمن للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، عوضا عن التحديات الاقتصادية الناتجة عن توقف تصدير النفط؛ جراء الهجمات الحوثية.
رغم المبادرات الدبلوماسية الدولية، تزداد تعقيدات المشهد اليمني؛ من غياب أفق السلام، مرورا بالتحديات الاقتصادية والإنسانية، وصولا إلى مواقف الأطراف المختلفة من التسوية.
- الوقت الضائع
يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، الدكتور عبد الوهاب العوج: "الحراك الدبلوماسي الحاصل في الرياض هو محاولات أقل ما يُقال عنها إنها تتم في الوقت الضائع، قبل وصول الرئيس الأمريكي القادم، ترامب، إلى البيت الأبيض".
وأضاف: "هذه المحاولات، من الرعاة الدوليين ومن السفير الأمريكي، أو من مبعوث الرئيس الأمريكي، الهدف منها الضغط على الشرعية لتحقيق شيء ما، وهذا ما يحدث مع نهاية فترة كل إدارة أمريكية".
وتابع: :السعودية تريد أن تهدئ الأجواء؛ لأن أمنها متصل بأمن جيرانها، لذا فاليمن ضمن حساباتها الإقليمية، وتوازناتها مع إيران والصين، وغيرهما، وتخاف أن تنجر المنطقة -في قادم الأيام- إلى حرب واستهدافات".
وأردف: "ما حدث في غزة، وفي لبنان، وما تم من استهداف للملاحة الدولية، من قِبل مليشيات الحوثي -ذراع إيران- في اليمن، كل ذلك ألقى بضلاله على المشهد بأكمله، وأصبحت القضية اليمنية جزءا من قضايا المنطقة، وجزءا من محاولة تسوية الملعب بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة أن مليشيا الحوثي أصبحت هي من تتحكم بمضيق باب المندب".
وزاد: "استهداف مليشيا الحوثي للسفن التجارية، وحتى السفن الحربية الأمريكية، حول القضية الداخلية التي كانت حربا بين الحكومة اليمنية الشرعية ومليشيا الحوثي الانقلابية في صنعاء، إلى قضية إقليمية ودولية، يتدخل فيها أطراف كثيرة مثل الطرف البريطاني، الذي دعم الآن البحرية اليمنية بأسلحة ومعدات بحرية".
وقال: "لقاءات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، بمبعوث الاتحاد الأوروبي، والسفير الألماني، والسفير الأمريكي، ومبعوث الرئيس الأمريكي، بايدن، كلها تنبئ أن هناك ضغوطا تمارس على اليمن، لمحاولة الوصول إلى حل سلمي، كما كان قبل طوفان الأقصى، إلى ما أعلنه المبعوث الأممي، غروندبرغ، من خطة سلام قادمة".
وأضاف: "كل ذلك ذهب أدراج الرياح بسبب التغيرات التي حدثت في المنطقة، نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة وعلى الضفة ولبنان وغيرها".
وتابع: "ما يحرك هذه الأمور الآن هو أن هناك تخوفا سعوديا من أن تندلع الحرب القادمة بوجود رئيس من الحزب الجمهوري، الذي هو دونالد ترامب، وأن الاتفاقيات -التي كانت قد توصلت إليها مع المليشيا الحوثية- لم تعد مناسبة للمجتمع الدولي، ولا الإقليمي، ولذلك نلاحظ غياب الإمارات العربية المتحدة في هذه اللقاءات، وهي لاعب رئيسي ومُهم في اليمن".
وأردف: "توقعاتي أنها كلها محاولات في الوقت الضائع، ولن يخرج منها شيء، خاصة وأن مليشيا الحوثي لم تعلن، يوما من الأيام، أنها مستعدة للتفاوض للحل وفقا للمرجعيات الثلاث، والسعودية تذهب لتأمين نفسها دون النظر إلى حل جذري للمشكلة في اليمن، وهو الانقلاب الحوثي".
- مصلحة سعودية
يقول الباحث السياسي المختص في الشأن الإيراني وقضايا الشرق الأوسط، وجدان عبد الرحمن: "المملكة العربية السعودية تدرك تماما أن موضوع الاستقرار في اليمن سيصب، في نهاية المطاف، في مصلحتها وأمنها القومي، وأيضا في مصلحة مشروعها الاقتصادي الضخم".
وأضاف: "التحركات السعودية الأخيرة هي جاءت في الوقت المناسب، ولا أعتقد أنها في الوقت الضائع؛ لأنها -من خلال علاقاتها أو إعادة علاقاتها مع إيران- تحاول مسك العصا -على أقل تقدير- ما بين الحكومة الشرعية والجماعة الحوثية، مستغلة العلاقة بينها وبين إيران".
وتابع: "من جانب آخر، المملكة العربية السعودية تعرف تماما مدى أهمية اليمن، ومدى أهمية البحر الأحمر، وأيضا الممرات المائية، التي تهيمن عليها الجماعة الحوثية، لذلك هي تحاول -من جانب- استخدام العلاقة بينها وبين إيران، وأيضا -من جانب آخر- تحاول بناء علاقات مع الدول الأوروبية لتعزيز السلام في اليمن:.
وأردف: "في النهاية، استقرار اليمن يصب في صالح الدول الإقليمية، والدول الأوروبية التي تضررت بشكل كبير من ما يحدث في البحر الأحمر، وباب المندب".
وزاد: "التحرك السعودي هو لمصلحة السعودية أولا، ومن ثم لمصلحة اليمن إذا ما تم هذا الاتفاق، ونحن نعرف أن السعودية تتحرك في أكثر من جانب، حيث تحاول أن تجري لقاءات؛ من بينها اللقاءات التي أجرتها في عُمان مع الجماعة الحوثية، حتى وإن كان ذلك يمكن أن يُغضب الحكومة اليمنية الشرعية، لكنها تجد ضرورة في هذا الأمر".