تقارير
كيف يستعد السكان في مناطق سيطرة الحوثيين لاستقبال شهر رمضان؟
“كان رمضان في الماضي يعني التقاء العائلة، والشوارع مليئة بالحركة، ورائحة الشهر الفضيل تسبقه بأيام، لكن قدوم رمضان هذا العام يبدو وكأنه مجرد أيام عادية، الحياة توقفت، والفرحة غابت.” بهذه الكلمات بدأ أبو محمد، أحد سكان صنعاء، حديثه عن رمضان في ظل الحرب المستمرة.
بلهجة مليئة بالأسى، يكشف أبو محمد كيف تغيرت ملامح الشهر الفضيل في ظل سيطرة الحوثيين على صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى منذ أكثر ن عشرة أعوام.
يضيف أبو محمد:" كان رمضان بالنسبة لآبائنا وأجدادنا وقتًا مقدسًا، يختلف عن أي شهر آخر. ولكن مع مرور الوقت، تغيرت الملامح كثيرًا.
تحديات اقتصادية
يفسر أبو محمد التحدي الاقتصادي القائم بقوله: “مع ارتفاع الأسعار والغلاء، أصبح الناس غير قادرين على تجهيز متطلبات الشهر كما كانوا يفعلون في السابق. لم يعد بالإمكان شراء المواد الأساسية، مثل اللحوم والخضروات. رمضان لم يعد يحمل نفس البهجة.”
ولا يقتصر تأثير الحرب على الحياة اليومية في مناطق سيطرة الحوثيين على تقليص مظاهر رمضان فقط، بل يتعدى ذلك ليطال الحالة الاقتصادية بشكل أعمق.
وفقًا لتقرير صادر عن “اليونيسف” في عام 2024، فإن 80% من سكان اليمن يعيشون تحت خط الفقر، مما يجعل القدرة على توفير احتياجات رمضان الأساسية أمرًا صعبًا.
وشهدت الأسعار ارتفاعًا حادًا في العديد من المواد الغذائية الأساسية، حيث ارتفعت أسعار اللحوم بنسبة 45%، والخضروات بنسبة 25% مقارنة بالعام الماضي.
يقول أحمد، أحد سكان صنعاء، وهو يعمل في مجال التجارة: “الناس لم يعد بإمكانهم شراء ما كانوا يشترونه سابقًا. في هذا الشهر، ما يهم هو تأمين المواد الغذائية الأساسية فقط. أما لحوم العيد، أو حتى الحلويات الرمضانية التي كنا نتبادلها، فهي حلم بعيد.”
وتشير التقارير إلى أن أكثر من 4.5 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي في عام 2025، ومع دخول شهر رمضان، أصبح الوضع أكثر صعوبة، حيث تتفاقم أزمة الغذاء بسبب تدهور العملة المحلية، مما يزيد من معاناة العائلات اليمنية.
الحياة التي كانت
تقول أم فاطمة، إحدى النساء في صنعاء، وهي جالسة في منزلها البسيط مع أطفالها: “في رمضان خلال الأعوام السابقة إلى ما قبل الحرب، كنا نستقبل الشهر بحفاوة، ونزين المنازل بالفوانيس، ونعد الحلويات الرمضانية مثل القطايف. أما اليوم، فكل شيء تغير. رمضان أصبح مجرد أيام صيام بدون بهجة.”
تضيف أم فاطمة: “حتى الاحتفال بمظاهر الشهر أصبح محدودًا. الجماعة الحوثية تفرض قيودًا على الأنشطة الدينية في المساجد. وقد كانت هناك صلاة التراويح في كل مسجد، والناس يتجمعون في المساجد بعد الإفطار. لكن الآن، أصبحت العناصر الحوثية تفرض سيطرة على صلاة التراويح، وتحدد عدد الحضور وكل هذا يؤثر على روحانية الشهر.”
فرض طقوس جديدة ومراقبة الأفراد
ويشكو العديد من اليمنيين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين من القيود التي تفرضها الجماعة على العديد من جوانب الحياة الرمضانية.
وتفرض الجماعة الحوثية طقوسًا دينية معينة على المواطنين خلال شهر رمضان، بما في ذلك إحياء شعائر معينة وتوجيه الدعوات لحضور فعاليات ذات طابع طائفي في المساجد حيث تقوم الجماعة بتوجيه دعوات للمواطنين لحضور ما يسمى بـ”محاضرات دينية” تركز على دعم الجماعة وحشد المؤيدين لهم.
كما تفرض الجماعة الحوثية على الموظفين في القطاع العام حضور فعاليات دينية جماعية، مما يعطل العمل الروتيني في رمضان. “
لا مجال للراحة، الجميع مضطر للمشاركة في الأنشطة التي تنظمها الجماعة، سواء كانت دينية أو سياسية”، يقول جمال، موظف حكومي في صنعاء.
ويضيف: “حتى صلاة التراويح أصبح لها طابع سياسي، حيث يتم إجبارنا على حضور هذه الصلوات في الأماكن التي تحت سيطرة الحوثيين، وإلا نتعرض للملاحقة.”
من جانب آخر، تفرض الجماعة الحوثية على المحلات التجارية الالتزام بأوقات الإفطار والصيام، حيث يتم إغلاق الأسواق في أوقات محددة، ويجبر التجار على تقليص ساعات العمل خلال الشهر الكريم.
إغلاق المساجد
وأصبحت العديد من المساجد مغلقة أو تحت رقابة مشددة من قبل الجماعة الحوثية، ففي عام 2024، وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إغلاق نحو 1000 مسجد في مناطق سيطرة الحوثيين، أو تحويلها إلى مراكز لتدريب الأفراد على القتال أو الموالاة السياسية للجماعة.
كما أن الجماعة تفرض رقابة على الدعاء والخطب في المساجد، ومنع أي خطيب يتحدث عن قضايا لا تتماشى مع أجندتها السياسية.
وبذلك يستمر شهر رمضان في ظل كل هذه القيود ليكون فرصة للمجتمع للانتعاش الروحي، رغم ما يواجهه من صعوبات مادية. وفي هذا السياق، تقول سارة، إحدى المعلمات في صنعاء: “رغم القيود، نحاول أن نعيش رمضان كما هو. نعد الإفطار مع العائلة، ونصلي معًا.
لكن بلا شك، يفتقد الناس الأجواء التي كانت موجودة في الماضي وتحولت الحياة الرمضانية إلى مجرد أيام صيام بلا فرحة. ورغم ذلك، لا يزال اليمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يصرون على الحفاظ على بعض الطقوس الرمضانية والتكاتف مع عائلاتهم في هذا الشهر، في انتظار أمل بعيد قد يأتي يومًا ما ليعيد إليهم بهجة رمضان الحقيقي.